لقد بنى الجنوبيون دولة في الجنوب وأسسوا جيش جنوبي قوي من أجل حماية الوطن من الاعتداءات الخارجية وصمام أمان لصراعات الداخل وشكلوا منظومة امنية مؤهلة ومتماسكة تحمي الوطن الجنوبي من الداخل ومن الخارج ومن خلال امكانات متواضعة وفي وقت قصير جدا.ثم احدثوا نهضة زراعية وتعليمية عظيمة وعملاقة وجعلوا من النظام والقانون رأس حربة وسيف مسلط فوق رؤوس الجميع ولم يتركوا أي فرصة للفساد وغرسوا روح الايمان بقضاياهم المصيرية في وجدان وقلوب وعقول ابناء الشعب الجنوبي بكافة أطيافه وألوانه ودعموا وسائل الإنتاج بالعقول المتخصصة والنيرة وبنوا اقتصاد وطني وفق الامكانات المتاحة ومن لاشي . وأقاموا علاقات سياسية ودبلوماسية على المستوى الاقليمي في المنطقة وعلى المستوى العربي في الشرق الاوسط ومع العالم الرأسمالي والحر والأمم المتحدة ومجلس الامن والى جانب ذلك عمقوا اواصر علاقات جيدة وممتازة لدى كل المنظمات الدولية الرسمية وغيرها من المنظمات الجماهيرية ووثقوا علاقات حرة و نزيهة تجارية وسياسية داخليا وخارجيا على أسس من الاحترام المتبادل مع العالم كله ووضعوا الاسس وشيدوا قواعد لدولة مدنية حديثة في زمن قياسي مذهل الذي قارب كل الفوارق بين كل الطبقات من ابناء الشعب الجنوبي ضمن برنامج علمي ناجح .
ما جعل من العالم ان ينظر الى الجنوب العربي الحر بكل احترام وتقدير بغض النظر عن توجهاته السياسية في فترة زمنية فرضت عليه ابان صراعات النفوذ والسيطرة بين القطبين ولم يبخل على الجنوب هذا العالم عند تقديم المساعدات العينية والعلمية في جميع المجالات وأهمها برامج التنمية لأن الشعب الجنوبي احترم كل المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والتزم بسياسة عدم التدخل في شئون الغير وحافظ على كل التوازنات والمصالح بحسب ما تمليه عليه ضوابط القواسم المشتركة ومنها الامنية والعسكرية والتجارية في المنطقة والعالم بحكم موقعه الجغرافي والاستراتيجي الهام .
لقد كانت الدولة الجنوبية عندما تواجه أي ازمة او مشكلة داخلية او خارجية لا تستعين باللجان السياسية او بالقبائل او الوجهات او شراء الذمم واللعب بالمال العام او من خلال علاج الكي لأن الثورة قد قضت في الأساس على هذه الظاهرة بعد ان تم تقليم اظافرها ولم يعد لها وجود في الجنوب العربي الحر وأيضا بعد ان تم تذويبها وصهرها داخل المجتمع تماما بعد نجاح الثورة الاكتوبرية مباشرة ومن خلال مشروعها السياسي الوطني التحرري القومي التقدمي الذي اوجد النظام والقانون وفرض هيبة الدولة على كل الارض الجنوبية من باب المندب وحتى جزيرة سقطرى .
حيث كانت الدولة في مثل هذه الحالات تستعين بقوة النظام والقانون وقوات الأمن والجيش في الحسم المباشر وحتى الصراعات التي صادفت العملية السياسية التحررية والأخطاء التي مورست كان للجيش والأمن دور الحسم فيها وعودة الاوضاع على ما كانت عليه.
لكن ما اصاب هذا الالتفاف الجماهيري العظيم من جراء خلافات القيادات المركزية للأسف التي لم تقدر الموقف والتي كانت لا تعمل لمصلحة الشعب في الجنوب بل اخذت تتآكل وتتلاشى وتنصهر كالشمعة في نصيف الليل بداية من رموز الصفوف الاولى للثورة ونهاية بمن تبقوا على قيد الحياة يصارعون طواحين الهواء ما جعلهم ينخرطوا في مشروع الوحدة الغير مدروس ولا المتكافئ لا سياسيا ولا عسكريا ولا امنيا ولا سكانيا ولا تاريخيا ولا جغرافيا ولا اقتصاديا.
حيث كان هنا في الجنوب اقتصاد موجه انتاجيا وهناك في الشمال بما يسمى بالاقتصاد الحر الهش الذي لا اساسات له على ارض الواقع تلك الشعرة التي قسمت ظهر البعير وقضت على كل المنجزات التي تحققت خلال فترات نضال مرير تعمد بالدم الجنوبي الطاهر ذلك الدولة الذي شاركوا في بنائها وتشيدها كل ابناء الجنوب العربي الحر والتي بين ليلة وضحاها وجدوا الجنوبيون انفسهم امام غول مفترس التهم الاخضر واليابس .
حيث قال بالبنط العريض لقد عاد الفرع الى الاصل كصفارة انذار وبدأ البطش والتهميش والنهب والسلب والقتل والاعتقال وطمس الهوية الجنوبية وفرض سياسات الامر الواقع وإقصاء الكادر الجنوبي من كل المؤسسات الحكومية العسكرية والأمنية والمدنية وربط كل المصالح التي تهم ابناء الجنوب بعاصمة الاحتلال صنعاء لتطويعهم وأذلا لهم وقتلهم في شوارع صنعاء عاصمة التخلف والجهل والشواهد على ذلك كثيرة اليوم .
وبعد انتفاضة الحراك الجنوبي السلمي في 2007 كحركة نضالية سلمية والذي واجهته قوات الاحتلال اليمني بقوة السلاح بكافة انواعه وأشكاله وقتلت شباب الحراك الجنوبي السلمي ليس فقط الشباب ولكن ايادي الجبن والمكر التي امتدت الى الاطفال والنساء والشيوخ دون هوادة او مراعاة لضمير او خوف من محاسبة ربانية او انسانية .
وهناك مجازر تمت في لحجابين والضالع ويافع وشبوه وحضرموت وعلى كل الارض الجنوبية وبرغم هذا الجبروت الغاشم وهذه الهجمة الشرسة اللعينة والاعتداء السافر المنظم على شعبنا في الجنوب العربي البطل الا أن الحراك السلمي ظل يناطح رؤوس وتروس عصابات الفساد والنهب والسلب لثروات الجنوب ولكل امكاناته سلميا مطالبا للعالم التدخل السريع للضغط على عصابات صنعاء ايقاف اساليب الظلم والقهر والغطرسة والاستبداد الذي يمارس على شعب الجنوب منذ توقيع اتفاقية الوحدة المشئومة التي انتهت بحرب 1994م الظالمة التي شنها نظام صنعاء العسكري القبلي الطائفي الديني الكهنوتي سيئ الصيت والسمعة الفاشل في ايجاد دولة في الشمال نفسها والدليل اليوم وصول جحافل الحوثي الى أبواب ومداخل صنعاء ضمن سيناريو معد مسبقا.
ويأتي النظام المتهالك اليوم يطالب الشعب في الجنوب وفي الشمال بالاصطفاف الوطني من اجل الحماية ودفاعا على مخرجات الحوار الذي لا اسس له على ارض الواقع والمرفوض نصا وروحا من بداياته علما ان من كان يقود هذا التوجه هم القوى التقليدية القديمة وفي مقدمتهم المشايخ والأحزاب الفاشلة وحتى عندما وقعوا على وثيقة المخرجات كانوا لم يدركوا بأن الوضع سوف يصبح ملزم لجميع الاطراف ون البند السابع هو الغطاء الأساسي لتنفيذه .
واذا افترضنا جدلا ان العالم اليوم لديه تصورات وحلول في اتجاه القضية الجنوبية نظرا للمستجدات والأحداث وجسامة الازمات والصراعات في الوطن العربي وتوسع شبكات التنظيمات المتطرفة ومراعاة ظروف الخطر الذي قد يداهم مصالحهم في المنطقة ومع مراجعة تلك الحسابات في الوقت الذي تتواجد فيه الاساطيل وحاملات الطائرات في البحر الاحمر والبحر العربي هل لنا في الجنوب ان نقرا هذا التحرك بحنكة السياسي الجنوبي المخضرم المجرب ويجعل من القيادات الجنوبية مكون اصطفاف واحد تحت مظلة مشروع التصالح ولتسامح وعفى الله عما سلف .
وتخرج كل المكونات بموقف موحد في الداخل وفي الخارج يخدم مصالح الجنوب وشعبه واستعادة دولته او انهم يهيئوا انفسهم للسير خلف التسويات والمساومات التي تتجه بالأمور نحو مخرجات الحوار الوطني الذي يقود الى الدولة الاتحادية والدستور الاتحادي والمناصفة في السلطة والثروة بين الجنوب والشمال على أساس إقليمين في الجنوب وأربعة في الشمال الذي يواجه عواصف عاتية قد تؤدي الى نتائج عكسية اهمها الدولة المركزية السابقة او ان الموقف سوف يتصعد وتكون النتائج في صالح الجنوب وهل لاصطفاف الجنوبي حول القضية سوف يحقق ولو بصيص امل .
وهل لنا ان ننتظر نهاية المولد والمشهد وننتظر موقف العالم الذي يسهم في تفجير الوضع بصورة غير مباشرة لأنه لم يستعمل صلاحياته القانونية في لجم المعرقلين الذين يؤججون الصراع وخطاب بن عمر في المؤتمر الصحفي اليوم 26 / 8 / 2014م يشهد على ذلك عندما اشار الى الحكمة اليمانية !. واليمانيون هم من سوف يجدون الحلول المناسبة لقضاياهم المصيرية ورمي الكرة الى الملعب اليمني الشمالي والحليم تكفيه الاشارة والله من وراء القصد.