سؤال يتبادر إلى الذهن، هل الرئيس هادي يعتبر رئيسا شرعيا للدولة اليمنية بعد أن سحب استقالته التي قدمها قبل ذلك بشهر واحد بالتمام والكمال إلى مجلس النواب، أم أنه غير شرعي، ومن يقرر تلك الشرعية من عدمها، فلا عبد الملك الحوثي، ولا علي صالح، ولا حتى السيد حسن نصر الله الذي للأسف - تطرق إلى شرعية الرئيس دون وجه حق، يستطيع تقرير ذلك؟ تنص المادة رقم (115) من دستور الجمهورية اليمنية على أنه: "يجوز لرئيس الجمهورية أن يقدم استقالة مسببة إلى مجلس النواب، ويكون قرار مجلس النواب بقبول الاستقالة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، فإذا لم تقبل الاستقالة، فمن حقه خلال ثلاثة أشهر أن يقدم الاستقالة وعلى مجلس النواب أن يقبلها". هذا نص صريح لا لبس فيه، عن استمرارية شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، ولا حجة على من يدعي غير ذلك، خصوصا أن مجلس النواب، رغم أن صلاحيته القانونية قد انتهت منذ سنوات عدة، لم يبت في أمر الاستقالة! ومن يدعي أن الرئيس غير شرعي، فإنما يغالط الناس، وعليه إثبات ما يدعيه، وليس بالكذب في الخطب، أو في المقابلات المتلفزة، أو بإمكانه رفع القضية إلى المحكمة الدستورية للفصل في الموضوع، كما هو معمول به في البلدان الأخرى، وليس بالانقلاب المسلح، كما هو حاصل الآن! وهنا أسأل السيد نصر الله الذي شكك في شرعية الرئيس هادي، محرضا الحوثيين على الخروج ضده، أيهما أفضل، أن تبقى البلاد تحت جناح رئيس مؤقت حتى ينتخب رئيس جديد وفقا للمبادرة الخليجية واتفاقية السلم والشراكة التي وقِعَت بين المكونات كلها بمن فيهم الحوثيون، أم يبقى اليمن بدون رئيس وبدون حكومة، فتتقاتل المكونات فيما بينها وتهرول البلاد نحو المجهول، علما أن اليمن بلد قبائل العصور الوسطى، المتخلف في كل شيء يمكن تصوره، واليمن ليس لبنان الذي لا يزال بدون رئيس حتى يومنا، لكن لا يزال فيه جيش نظامي ولاؤه للوطن، وشعب مثقف مدني غير مسلح. كما أن "أنصار الله" الحوثيين الذين شعارهم "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"، وما يُميتون على الأرض إلا إخوتهم من اليمنيين قتلا وتنكيلا، ليسوا ك"حزب الله" اللبناني الذي هو حزب سياسي مقاوم لا يقتل بني جلدته من اللبنانيين، ولا يبتلع مدنا بكاملها، ولا ينهب معسكرات دولته، ولا يسيطر على مقدراتها، ولا يفرض الإقامة الجبرية على رئيسه المنتخب ولا على حكومته، ولا يقصف بالطائرات الحربية قصر رئاسة الجمهورية في "بعبدا" حيث يقيم رئيسه لقتله، كما فعل الحوثيون في عدن، بعد لجوء الرئيس هادي إليها، عقب خروجه من إقامته الجبرية التي فرضوها عليه بصنعاء! فلمَ لا يفعلها "حزب الله"، رغم قوته ونفوذه وشعبيته بقيادة السيد حسن نصر الله، في لبنان كما يفعل الحوثيون حاليا ببلادهم اليمن؟ حسن نصر الله، اسم أُريد له أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لمقاومته أعتى وأشرس احتلال في عصرنا الحديث! فعندما يلقي نصر الله خطابا، في أي موضوع، أجدني أمام شاشة التلفاز منصتا لما يقوله دون حساب بمرور الوقت، غير مقتنع بانتهاء خطابه، بل أريد المزيد، فالمعنويات قد ارتفعت والحماس على أشده، ليس أنا فقط، بل والكثيرون مثلي.
لكن، في خطابه يوم الجمعة الماضية، والذي ألقاه بمناسبة أحداث اليمن، ولأول مرة، أجد الحماس عندي قد تحول إلى ملل في الاستماع، والمعنويات هابطة إلى ما دون الصفر، غير مصدق أن المتكلم هو نفسه، حسن نصر، سيد المقاومة، بلحمه وشحمه، خصوصا وهو يدافع عن ما أسماها "ثورة شعبية" ل"أنصار الله" الحوثيين!! كنت متوقعا أن يتحدث عن اليمن من وجهة نظر شاملة، سواء "لنا أم علينا"! وما كنت أدري أنه أصبح يتحدث عن جماعة لطائفة مذهبية قبلية، ليست حزبا سياسيا، منشقة ولا تحمل مشروعا سياسيا، خارجة عن النظام والقانون، مسلحة بأعتى الأسلحة المنهوبة من الدولة، موجهة إياها ضد أبناء جلدتها لا سيما في المحافظات الجنوبية، بل ويدافع عنها سيد المقاومة، ويناصر تمردها ويحرضها على الدولة وعلى خيارات الشعب ككل، غير عابئ بالأخطار المحدقة بوحدة الشعب اليمني والآثار الاجتماعية السلبية التي سيسببها ذلك التحريض، ويتهم دولا خارجية (السعودية وأخرى) بقتل الشعب اليمني؛ ففي نظره أن الحوثيين "الثوار" ، الذين يشكلون ما نسبته أقل من 30 % من سكان اليمن، فقط هم الشعب اليمني، أما النسبة الأعظم المتبقية من الشعب غير يمنيين!! ولا يعرف السيد حسن نصر الله أنه بخطابه هذا يقتل شعبا بأكمله من غير الحوثيين!!
ولا يهمني إن كان حسن نصر الله، سيد المقاومة، يحمل ضغينة ما، أو لديه مشاكل مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أو غيرها من الدول! إن ما يهمني هنا، هو أنه قد استخدم خصومته مع الآخرين، مستغلا حب الناس البسطاء له ولحزبه ولمقاومته للعدو الصهيوني، في زرع الفتن بين اليمنيين، من خلال تحريض الشماليين على الجنوبيين ليقتلوا فيهم، وكان الأولى به أن يأتي بكلمة سواء في فعل خير. وليعذرني السيد نصر الله، كان ذلك ما فهمته بتواضع ثقافتي، على أنه تدخل أيضا في شؤوننا نحن اليمنيين وفي غير محله، وإلا ماذا يمكن أن نسمي ذلك الحيز العريض من خطابه الذي أدمى قلبه وبدا فيه غاضبا، بسبب مقتل "الشعب اليمني" تحت قصف طائرات التحالف في المدن الشمالية، مع أنني أيضا أتعاطف مع الشهداء المدنيين نتيجة القصف الجوي، ولا أحد منا يحب ذلك. ولكن، كلنا يعرف أن القصف قد طال الطائرات والمدرجات الحربية، ومخازن الصواريخ الباليستية الحوثية وصواريخ "سكود" طويلة المدى والموجهة نحو المحافظات الجنوبية، وبالذات لقصف ودك مدينة عدن الساحلية، عاصمة اليمن الجنوبي السابقة حيث لا يعيش فيها حوثي واحد؟ فكيف أثبت لسيد المقاومة أنني يمني جنوبي، ويحق لي أيضا أن أحيا، وأن لا أُقصف بنيران الحوثي اليمني الشمالي، وهل هناك فرق في أن يذبح يمني جنوبي بيد حوثي شمالي، أومن أن يُقتل يمني شمالي في قصف جوي بيد قوات تحالف عربي؟ لا فرق عندي، فالمقتولون يمنيون، سواء أكانوا شماليين، أم جنوبيين، فلمَ التفرقة إذن يا سيدي الكريم!؟
لم يدمِ قلب السيد حسن نصر الله، ولم يشتط غضبا من استشهاد مئات الجنوبيين، شيوخا ونساء وأطفالا، في غزو الحوثيين للجنوب الآن، ناهيك عما ارتكبوه من تقتيل وتنكيل واعتقالات وتعذيب للجنوبيين طيلة 20 سنة من بعد عام 94م، على يد قوات المخلوع صالح والحوثيين الغزاة والقادمين بعشرات الآلاف، والمدججين بالأسلحة الحديثة الثقيلة منها (دبابات، مدافع، كاتيوشا وغيرها)، والمتوسطة (أسلحة رشاشة وصواريخ مضادة للآليات بمختلف أنواعها)، وهم في طريقهم إلى مدينة عدن الصامدة، منذ أن عاد إليها الرئيس هادي، لإسقاطها وإذلال سكانها الأعزاء، ولا تزال المعارك حتى كتابة هذا المقال، تدور رحاها في المدن الجنوبية. والأمرّ منه تماهي السيد نصر الله، سيد المقاومة، وكأن على بصره غشاوة، مع ما يدعيه الحوثيون في أنهم نزلوا إلى مدن الجنوب وإلى عدن خصوصا، لتحريرها من "التكفيريين والدواعش" ممن يوالون الرئيس عبدربه منصور هادي! ولولا نصر من الله سبحانه وتعالى وصمود مقاتلي المقاومة الشرسة من أبناء مدينة عدن البواسل ومن بقية المحافظات الجنوبية وأبناء قبائلها، من الحراك السلمي واللجان الشعبية بأسلحتهم البسيطة (الكلاشينكوف) أمام جحافل الحوثيين، لكانت سقطت المدينة بأيدي قطعان الغزاة المتخلفين الظالمين! ولولا الضربات الجوية للتحالف الخليجي العربي التي لعبت دورا مهما في إضعاف قدراتهم الضاربة، لدك الحوثيون وقوات المخلوع مدن الجنوب كافة، وقصفوا عدن ودكوها، بالصواريخ والطائرات الحربية والمدافع والدبابات، وأبادوا أهلها وسكانها، كما حدث في حرب عام 1994م عندما برروا غزوهم بأننا نحن الجنوبيين "كفرة وشيوعيين"، والمفارقة أننا اليوم من عام 2015م، أصبحنا "دواعش وتكفيريين"، مع أن معظم التفجيرات الانتحارية تحصل في صنعاء وبعض المدن الشمالية وليس في الجنوب، وآخرها كان في جامعي بدر والحشوش بصنعاء في الأسبوع قبل المنصرم!
إن الحوثيين "النخبة" يكذبون على شعبهم الجاهل الأمي وعلى أنصاف المتعلمين ممن هم محسوبون عليهم، وما ثقافتهم إلا حمل السلاح! وها هو سيد المقاومة في خطابه يعزز ذلك الكذب بتكراره بوجود "التكفيريين والدواعش" الجنوبيين وضرورة القضاء عليهم، وكأنها فتوى جديدة ضد أبناء الجنوب، تكرارا لما حصل في عام 94م، إنما بنسخة "ملالي" لبنانية.