إن العلاقة بين الجامعة والقضاء في البلدان العربية ومنها اليمن أضحت غير مألوفة وغير واقعية بل ومقطوعة ولم تحافظ حتى على شعرة معاوية, فبدلا من أن تكون الجامعة مرجعية ومصدر الهام فكري للقضاء يحدث العكس ويتجسد ذلك في استقبال المحاكم القضائية من تلك الجامعات ملفات فساد أخلاقي ومالي وأداري وأكاديمي وبالتالي تصبح الجامعة بالنسبة للقضاء جزء من المشكلة وليس جزء من الحل. الكاتب هو احد الأكاديميين الذين ذهبوا لمقاضاة جامعة عدن ليس ترفا أو حبا في التقاضي وإنما لأسباب وجيهة دفعته لذلك, وما نود الإشارة إليه في هذه المقالة وبحسب تأكيدات من بعض المختصين في المحكمة الإدارية عدن إن الجامعة تحيز على أكثر القضايا نسبة إلى المرافق الحكومية الأخرى فبعضها تنتهي بالصلح وبعضها يستمر ولا تنحصر على الأساتذة فحسب بل والطلاب أيضا الذي يتعرض بعضهم لمظالم جمة تدفعهم باللجوء إلى القضاء . فيا ترى لماذا كل ذلك يحدث في جامعة عدن على غير المألوف؟ يرى الكاتب إن هناك عدد من الأسباب منها عدم التعاطي مع الشكاوي والتظلمات من قبل الهيئات المختصة بالجامعة وعدم التفريق بين المظلوم وغير المظلوم وكذا السخرية والاستخفاف الذي يمارسها بعض العمداء والمدراء تجاه الشاكين ناهيك عن الفساد المالي والإداري القائم ليس في الجامعة فحسب بل في عموم البلاد. عندما لا يجد الالتزام بمواعيد ثابتة للمقابلات من قبل رئاسة الجامعة سيضطر عضو هيئة التدريس إلى البحث عن مواعيد نظامية وثابتة في المحاكم لكونها أسهل بكثير من استجداء المسئولين ومطاردتهم من مكان إلى آخر , كذلك عندما يفقد الأكاديمي مهمته النبيلة في تنوير المجتمع وبناءه باعتباره عقله المفكر, ويتحول إلى مجرد موظف يبحث عن المصلحة والذات فقط يحدث هذا الخلل الكبير الذي اشرنا أليه في سياق هذه المقالة الذي يجعل من الكلية إقطاعية خاصة لدى العميد ويجعل من أعضاء هيئة التدريس كأنهم رعايا لمصلحة شيخ قبيلة . إن ممارسة الظلم والتعسف والفساد والسياسة التمييزية بين الأكاديميين والموظفين داخل الجامعة في ضل صمت الهيئات المختصة منها الأكاديمية والنقابية وغياب التضامن على أدنى المستويات من قبل الهيئة التدريسية سوف يدفع المظلوم بالذهاب إلى القضاء. عندما يعاقب المنضبط في عمله ويكافئ المتلاعب جهارا نهارا كما حدث مع الكاتب سوف يستفز المشاعر ويستنفر الجانب المعنوي وليس المادي خاصة في حال تجاهل الشكاوي والتظلمات للمتضررين ورفض فتح أي تحقيقات يطالبون بها مع أي عميد كلية أو أي مسئول في الجامعة في حين إن رئاسة الجامعة تحيل أي عضوا هيئة تدريس إلى مجلس تأديبي بكل سهولة إن هي أرادت. هناك أساتذة وموظفون ملتزمون في إعمالهم طوال حياتهم ويحترمون مهنتهم لأنها جزء من شخصياتهم بل وحياتهم , فإذا غاب يوما واحدا بسبب المرض قامت الدنيا عليه ولم تقعد ويتم الاستقطاع الغير قانوني من راتبه اليوم بثلاث أيام .. وما إلى ذلك في حين إن البعض لا يحضرون ولا يعملون بالشكل المطلوب والبعض الآخر يستلمون مرتباتهم ولم يعرفوا عتبة الكلية. لماذا هذه السياسة التمييزية تمارس في صرح علمي كجامعة عدن؟ لان المستهدفين ضعفاء لا يجد لهم ارتباط بمراكز القوى في حين الآخرين مرتبطين بنافذين يصعب معاقبتهم وهذا العمل هو شبيه بما كانت تعمل به بنو إسرائيل إذا سرق فيهم الشريف توسطوا له وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. هناك استغراب من قبل بعض الزملاء الأكاديميين عندما تقدمت إلى القضاء وينصحونني بان لا أعول على المحكمة وان أدبر أموري مع الجامعة , أي ادخل في مساومة من خلال التنازل لهم بجزء من المبلغ مقابل إن يصرفوا لي مستحقاتي المالية. وهنا نقول لقد بلغ اليأس مداه في نفوس بعض أعضاء هيئة التدريس وأضحت نظرتهم قاصرة للأمور , فالمسألة ليست محصورة على المستحقات بل هي جزء من تصحيح الفساد ومقاومة ورفض التعسف وجزء من مهام أعضاء هيئة التدريس ورد الاعتبار لهم نتيجة التجاوزات التي تطالهم أكثر من كونها مستحقات . وان إجراءات كهذه ستجعل الجهات المسئولة في الجامعة تراجع حساباتها وتصحح أخطائها أما استمرار الصمت فسوف يضاعف الأخطاء ويجلب المهانة لأعضاء هيئة التدريس وبالتالي ينعكس سلبا على الجامعة وكذلك المجتمع. هناك البعض من الأكاديميين مع احترامنا الشديد لهم , وجهتهم الفكرية غير مألوفة يقولون ما لا يفعلون فبدلا من أن يكونوا قدوة يساهموا في تغيير وتطوير المجتمع نحو الأفضل على غرار ما تقوم به جامعات العالم أضحوا يستنجدوا من المجتمع تغيير أوضاعهم نحو الأفضل على غير المألوف , فهم فاقدو المبادرة يريدوا أن يكونوا محكومين , متقبلين لأي شيء يُفرض عليهم , فمثلا لا يفضل البعض من هيئة التدريس إن يبادروا بأي حركة إصلاح وتغيير في الجامعة بالرغم من إن الفرصة مواتية أمامهم بعد كل التضحيات التي سقطت من اجل تحرير الجنوب , بل يفضلوا الخضوع إما للمقاومة الجنوبية التي تفرض الواقع الثوري كما فعل الحوثي أو الإبقاء تحت إدارة السلطة التي يصفونها بالشرعية والتي لم تمنحهم حتى حق انتخاب النقابة على اقل تقدير خلال السنوات الماضية , وبالرغم من وجود مبادرة أكاديمية لإصلاح الجامعة تبناها بعض من الأساتذة وأيدها عدد لا باس به من أعضاء الهيئة التدريسية والهيئة المساعدة التي شكلت هيئة قيادية لها .. وبالرغم من إن تلك الهيئة عقدت اجتماعين موسعين لأعضاء هيئة التدريس وسلسلة من الاجتماعات الخاصة بها منذ أغسطس 2015م إلا إنها لم تستطع الإجماع حتى على شخص يكون بديلا لرئيس الجامعة السابق كي تقدّم به مقترح إلى هيئة التدريس لإقراره ومنه إلى الرئيس هادي لتعيينه رغم وجود شخصيات أكاديمية ذو كفاءة واقتدار بإعداد ليست بالقليلة . إلى جانب ذلك نجد البعض الآخر منهم يظهروا سلوك متناقض بصورة تثير التعجب والاستغراب , فعندما لم يحصلوا على مناصب أو امتيازات تراهم يظهرون حرصهم على الجامعة وعلى الوطن بشكل عام ويعلقون الأخطاء على غيرهم من المسئولين أكانوا في الجامعة أو على مستوى الدولة وعندما يعينوا في مناصب ويحصلون على بعض من الامتيازات تراهم يصمتون ويصبحون جزء من منظومة الفساد . وفي ذات السياق يمكننا القول إننا قبل إن ننتقد الآخرين يجب أن ننتقد أنفسنا فلا يقبل النقد من أي أكاديمي غير ملتزم بعمله وأدا واجباته والعكس صحيح . الكثير من الأكاديميين والموظفين يحملون رئيس الجامعة الأخير د. عبد العزيز حبتور وحده مسئولية تراجع مستوى الجامعة , وبالرغم من اختلافنا معه إلا إننا نرى أن هذا الكلام ليس دقيق, ونحن ليس بصدد الدفاع عن رئيس الجامعة بالرغم من أخطائه الكبيرة التي تفوق أخطاء الذين سبقوه , ولكن يجب أن نتساءل من يساعد على تنفيذ مثل هذه الأخطاء ؟ ومن يصمت أمامها؟! ومن يعبر عن رضاه لها ؟!أليس النواب والعمداء ورؤساء الأقسام العلمية واغلب أعضاء هيئة التدريس مجسدين مقولة "كما انتم يولى عليكم" , ولا نستبعد إذا ما وصل احدهم إلى منصب رئيس الجامعة ربما يعمل أسوى من سلفه. وما يعزز ذلك هو قلة عدد القيادات الأكاديمية التي قدمت استقالاتها من مناصبها احتجاجا على الظلم أو التعسف بحق غيرها من الأكاديميين أو الموظفين أو الطلاب , وهم من نثق بهم اليوم إن يتحملوا مسئولية قيادة الجامعة وكلياتها ومراكزها العلمية . إن مستوى وتفكير هيئة التدريس ينعكس في عقلية نقاباتها فعندما تكون النقابة صنيعة الإدارة وخارجه من عباءتها سوف تكون أسوى منها وتظهر الإدارة أكثر عملا وعدلا من النقابة في بعض الأحيان , والنقابة التي لا تدافع عن الحقوق الخاصة الفردية لمنتسبيها لا يكن في مقدورها تحقيق أي انجازات جمعية لهم , والعمل النقابي هو محك حقيقي لاختبار القدرات والمصداقية فالذي لم يكن نقابيا ناجحا لن يكن إداريا ولا سياسيا ناجحا. إن عدم قدرة القاعدة الأكاديمية على انتخاب نقابة تعبر عن إرادتها يدل على إن ثقافة التبعية والفساد قد وصلت أليها وأضحت ملازمة لها وبالتالي تسقط المكانة التي تتمتع بها تجاه الفئات المجتمعية الأخرى, التي تكون قادرة على تشكيل نقاباتها وتنظيم نفسها بمستوى أفضل بكثير من النقابات الأكاديمية وهذا موجود عند ابسط النقابات مثل نقابات التاكسيات ونقابات الدراجات النارية. إن المستوى الذي وصل أليه بعض الأكاديميين في جامعة عدن المتمثل في غياب المواقف الثابتة وغياب التضامن لنصرة الحق وعدم المصداقية والتزلف والنفاق في بعض الأحيان وعدم التطابق بين الأقوال والأفعال أحيانا أخرى يعد نتيجة منطقية لحرب صيف 1994م الظالمة التي ألقت بضلالها وتأثيرها المدمر ليس على مستوى الجامعة بل على مستوى الجنوب عامة الذي وقع تحت الاحتلال المباشر من قبل الشمال, هذه الحرب الظالمة جعلت من عضو هيئة التدريس في الجنوب المهزوم عسكريا درجة ثانية بالنسبة لعضة هيئة التدريس في الشمال المنتصر عسكريا وأضحى الأكاديمي الجنوبي يحس بأنه مقيد في حريته ومحارب في قوت أولاده . وبالتالي وقع الأكاديميون بين سهولة التفكيك من قبل مطبخ حرب 1994م وصعوبة تشكل الوعي الأكاديمي الجمعي مما جعلهم يقدموا رسائلهم العلمية للمجتمع بصورة خاطئة أو قاصرة وعلى غير المألوف. وبالرغم من كل ذلك لا يعفى الأكاديميين من القيام بواجباتهم الوطنية إلى جانب واجباتهم التدريسية والبحثية, فالمجتمع يعول عليهم أكثر من غيرهم باعتبارهم عقل المجتمع في حل المشكلات السياسية في بلدانهم , لأنه لا يمكن أن تستقيم الأمور ولا يمكن إن تنجح التنمية والبحث العلمي دون أنتاج الأداة السياسية السليمة التي تدير البلاد وتحل جميع المشكلات, وهذا يضع الأكاديميين في مسئولية كبيرة أمام شعبهم في الخروج من مربع الصمت والتحلي بالصدق وقول الحقيقة ورفع الظلم عن المظلومين أينما كانوا , مستلهمين الدروس والعبر من المناضل تشي جيفارا ," المثقف الذي يلوذ بالصمت أكثر خرابا من النظام الديكتاتوري والقمعي الذي يمارس القتل ضد ابنا شعبه ". إذا كانت هذه المقولة تحاكي صمت وتجاهل المثقفين لمشاكل شعوبهم فما بالك من صمت المثقفين على حقوقهم والتضامن مع زملائهم الذي بات واقعا يلمسه الجميع في جامعة عدن . مع كل ذلك فإننا ندين بالحب والوفاء لجامعة عدن هذا الصرح العلمي الذي علّمنا وأهّلنا وقضّينا عمرنا في العمل فيه , وإذا أبرزنا بعض السلبيات التي تمارس في الجامعة لا يعني التحامل عليها أو التشويه بها بل هي خطوة تهدف إلى التصحيح والتقدم بالجامعة نحو الأفضل. ولا يعني إن كل الأكاديميين مقصرين فهناك عقول أكاديمية نيرة تبحث عن من يأخذ بيدها وهناك قيادات أكاديمية أثبتت مهنيتها وكفاءتها أكانت من الجيل القديم أو الجديد يمكن تبنيها لإدارة الجامعة وكلياتها ومراكزها العلمية كون القواسم المشتركة التي تجمعنا كأساتذة وطلاب في الجامعة هي العلم والمعرفة والأخلاق والصدق وليس غيرها . وفي الختام وبعد تحرير عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة من براثن الاحتلال العسكري الشمالي المتخلف سوف تفتح الآفاق في جنوبنا الحبيب لإصلاح القضاء والارتقاء بمستوى الجامعة ورفع سمعتها ومكانتها العلمية وتحرير عقول منتسبيها من التبعية , واستقلاليتها عن السياسة وتبديل القيادات الإدارية والأكاديمية الفاسدة بقيادات مشهود لها بالنزاهة والصدق والإخلاص في العمل والكفاءة والشجاعة وكاريزما القيادة والابتعاد عن التعيينات المرتبطة بالتوازنات السياسية والجهوية والنزعات الذاتية على حساب الكفاءة والنزاهة والمهنية , وتقديم مصلحة الطالب على مصالح القيادات الأكاديمية والنقابية وأعضاء هيئة التدريس, وإنهاء السياسة التمييزية التي كانت سبب ذهاب الكاتب إلى القضاء ومفتاح الكتابة لهذه المقالة. ( انتهى )