الوطن في خطر و المواطنين في وضع أخطر، و الكثير من قيادات الحراك، لازالت تعيش مرحلة ما قبل الحرب، غير مستوعبة تماماً ملابسات اللحظة الراهنة ، وغير مدركة لطبيعة التحول السياسي و الأمني في المناطق المحررة. إذ أننا نلاحظ نفس المماحكة السياسية بين الكتل السياسية الجنوبية، و نرى الانتقادات غير البناءة ، مثلاً ، ضد المسئول الأمني و محافظ عدن ، وغيرهما من الشخصيات الوطنية الفاعلة، وكأننا نعيش في ظل دولة كاملة الأركان ، بكل مؤسساتها ، أو كما لو أن هؤلاء المسئولين ، كانوا قد استلموا دولة سليمة و معافاة. ألا يعي هؤلاء الناقمين إن المسئولين الجدد، بإستثناء محافظ عدن السابق الشهيد جعفر سعد، قد ورثوا أوضاعاً غاية في التعقيد ، لم يرثها أي مسئول سياسي وأمني من قبل؟ ولا شك إن هذه التصرفات المريبة والمواقف العجيبة ، لبعض الناقمين، تجعل المرء يتساءل: أين عقلاء القوم ؟ وهل توجد ثمة نخبة سياسية حكيمة، ومستنيرة، واضحة الرؤية، و قادرة على استيعاب الواقع وأدراك خطورة المرحلة الراهنة؟ أين صفوة المجتمع ، القادرة على تقديم مشروع وطني واقعي ، ينقذ المجتمع من المحنة ويجنبه الموت البطيء ، قبل فوات الأوان؟ لا ريب إن هناك واجب وطني و ديني و أخلاقي، يفرض علينا مواجهة المعضلات القائمة ، وعلى كل العقلاء من أبناء الوطن الوقوف صفاً واحداً مع قيادة المقاومة لإنقاذ الوطن من خطر الإرهاب ، بشقيه المحلي و الدولي، الذي أصبح يشكلُ واقعاً مرعباً ، يهدد حياة الناس، ويزلزل كيانهم الوجودي. فما شاهدناه في الأسبوعين الماضيين في عدن و أبين و لحج و حضرموت، وغيرها ، خير دليل على ما نقول. ماذا تنتظرون؟ و ما هي حساباتكم السياسية بعد أن وصل التهديد بالقتل إلى منازلكم، و دمر كل مقومات الدولة؟ حتى إننا أصبحنا نعيش وضعاً ، اشبه باللادولة(( Non-state لقد حان الوقت للخروج من " الزاوية المريحة" (comfort Zone)و الالتحاق بالنضال السياسي، و هذا العمل لن يكون اقل أهمية من عمل المقاومة الباسلة التي أبلت بلاءً حسناً ، بتحريرها مدينة عدن . إن الأمر الذي لا ريب فيه ، هو إن المقاومة الجنوبية انتصرت ، فبالله عليكم ، لا تقوضوا هذا الانتصار العظيم بالمكايدة السياسية البليدة و الاختلافات العبثية الهدامة التي لا تجدي شيئاً. ذلك أن قوى الإرهاب المحلي و الدولي لا تفرق بين المقاوم المسلح بالبندقة ، والمقاوم المسلح بالفكر السياسي التقدمي، الذي يخالفه الرأي. وعلينا أن ندرك إنَّ الإرهاب المحلي المتمثل بالقوى الحوثي_عفاشية ومنظومة الفساد التي لازالت مصالحها مرتبطة بالنظام السابق لعلي عبد الله صالح. وهذه المجموعة الإرهابية لازالت تسيطر على مساحة واسعة من اليمن ، و لازالت تحارب بضراوة ، و معتمدة على خلاياها، النائمة و اليقظة، في المناطق المحررة، و تقوم بجرائم القتل و السرقة و نشر الرعب و الفوضى في المجتمع. وبالإضافة إلى القوى السالفة الذكر، هناك من ينتمي إلى القاعدة أو أنصار الشريعة. و هذه المجموعة تعتبر من ألد أعداء المقاومة الجنوبية و الحراك الجنوبي ، لأسباب عقائدية واضحة ومفهومة. إذ أن هذه القوى تصف قوى الحراك بأنها مجرد جماعة علمانية التوجه ، منحرفة ، وفاسدة القصد ، و يجب محاربتها بكل السبل الممكنة، وهذا التوجه يتناغم، بقوة ، مع توجهات الإخوان المسلمين ، المنتميين لحزب الإصلاح، و زعماء القبائل الفاعلة، المرتبطة و المدعومة من قبل الدول الإقليمية التي لا تخفى على احد. لاشك إن الإرهاب المحلي و الخارجي أصبح اكثر خطراً في تهديد المناطق المحررة ، وفقاً لتصريحات المسئول الأمني في محافظة عدن. و السؤال الجوهري ، الذي لا نجد له تفسيراً واضحاً اليوم ، هو : لماذا تتجاهل الدول العظمى ، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا ، خطر تمدد الإرهاب في اليمن ، وبشكل خاص في الجنوب ، في الوقت التي تحشد قواتها الضاربة من أجل محاربة الإرهاب في كل من بلاد الشام و العراق؟ إنه موقف مريب ، ولكن يستطيع السياسيون الوطنيون و الحكماء تفسير هذا ، وبطريقة علمية وعمليه ، إذا أرادوا ذلك ، فهل هم فاعلون؟ من الواضح إن المعركة مع القوى المتخلفة تراوح مكانها رغم الانتصارات التي تحققت هنا أو هناك ، ولكن حتى هذه اللحظة فأن المعارك لم تحسم وبشكل نهائي في المناطق الجنوبية المحررة، والسبب واضح ، وهو افتقار المقاومة للدعم الكافي و "الحازم" من قبل المجتمع الدولي و الدول الإقليمية. ولهذا يقع على عاتق السياسيين الوطنيين التقدميين ، مع إخوانهم في المقاومة الباسلة، مسؤولية كبرى لإنقاذ الوطن من المأزق ، من خلال مواجهة الإرهاب عسكرياً و سياسياً و دينياً واجتماعياً ، ومن خلال بلورة مشروع و طني شامل ، يحمل في طياته رؤية مستقبلية تتواكب مع العصر الذي لازلنا نعيش على هامشه