على الرغم من امتلاك المنظمات والهيئات الدولية العديد من التقارير والوثائق التي تؤكد ارتكاب التحالف العربي، بقيادة السعودية، جرائم حرب في اليمن، إلَّا أن الصمت الدولي والأممي غير المبرر لا يزال سيد الموقف، فيبدو أن هذه المنظمات التي من المفترض ألَّا تكون خاضعة لضغوط أو سلطات أو نفوذ، قد طالتها يد الابتزاز، وتعدى دورها التباطؤ في اتخاذ الإجراءات؛ ليصل إلى التواطؤ مع الحرب ومتزعميها، الأمر الذي يثبت أن هذه المنظمات والهيئات لا تعمل لحساب الشعوب كما تزعم، بل تخضع لنظام العلاقات الدولية، وتمثل مصالح القوى المهيمنة، ولا تستطيع أن تخرج عن ضوابط ومصالح هذه الدول. على مدى أكثر من عام مضى على العدوان السعودي اليمن، خرجت العديد من التقارير التي تؤكد كارثية الوضع في اليمن، وارتكاب التحالف العربي جرائم حرب هناك، ناهيك عن استخدام أسلحة محرمة، حيث اتسم العدوان منذ أيامه الأولى بارتكاب انتهاكات جسيمة، وتطور الأمر إلى استخدام أسلحة محرمة، الأمر الذي يفسر ارتفاع أعداد الضحايا التي وصلت إلى 6 آلاف و400 قتيل نصفهم تقريبًا من المدنيين، وتشريد أكثر من 2.8 مليون نسمة، وفقًا لإحصائيات الأممالمتحدة. خلال العام الماضي اتهمت الأممالمتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى قوات التحالف، بقيادة السعودية، بارتكاب جرائم حرب في اليمن. وقال تقرير أممي: إن عمليات القصف الموجهة ضد جماعة أنصار الله استهدفت المدنيين بأسلوب متعمد ومنهجي وواسع النطاق. كما تلقت هيئة الخبراء وثائق شاملة توضح استخدام قوات التحالف للذخائر العنقودية، بما في ذلك صور وإحداثيات من الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو تُفصّل انفجار ذخائر عنقودية أمريكية الصنع في مواقع باليمن، كما وثّق مكتب الأممالمتحدة للمفوض السامي لحقوق الإنسان أيضًا استخدام الذخائر العنقودية من قِبَل قوات التحالف في محافظة حجةاليمنية ومدن حيران وباكل المير. في السياق ذاته خرجت تقارير تؤكد أن السعودية تفرض حصارًا جائرًا على اليمن بإغلاق المجال الجوي والبحري والبري، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية؛ بحجة أن سفن المساعدات تستغلها حركة أنصار الله في تهريب الأسلحة من اليمن وإليها، الأمر الذي اشتد معه الوضع الإنساني كارثية في اليمن، وأدى إلى تجويع وتشريد وسقوط المزيد من الضحايا. ماذا وراء هذا الصمت؟ هذا الصمت الدولي غير المبرر من قِبَل المنظمات والهيئات الدولية والحقوقية، وحتى الدول الغربية الفاعلة في المنطقة، أرجعه مراقبون إلى سببين: أولها تورط الدولة صاحبة النفوذ الأقوى في العالم في هذه الحرب، المتمثلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تعتبر واشنطن من القوى الدولية الفاعلة في الأزمة اليمنية، فلم يتوقف الدعم الأمريكي عند المعلومات والاستخبارات، كما أعلنت في بداية عاصفة الحزم، بل وصل الأمر إلى دعم واشنطن للسعودية من الناحية العسكرية، ورغم أن هذا الدعم الأمريكي أصبح علنيًّا في الوقت الحالي، إلَّا أن واشنطن استطاعت أن تُبعد عنها خطر التحقيق أو الإدانة من قِبَل الهئيات الأممية والحقوقية، وعلى رأسها مجلس الأمن، خاصة أنها تتمتع بحق الفيتو بالاشتراك مع الحليفة البريطانية الداعمة للحرب في اليمن أيضًا، وهو ما يجعلها مطمئنة بأن دعمها للحرب اليمنية وتورطها فيها لن يكلفاها الكثير. تورط أمريكا في العدوان السعودي على اليمن لم يكن السبب الوحيد وراء هذا الصمت الدولي، لكن يأتي النفوذ السعودي ليشكل نقطة تحول في سياسات المنظمات والهيئات الدولية، فعلى الرغم من أن المملكة وحلفاءها من دول الخليج لا يمتلكون مقعدًا في مجلس الأمن، إلَّا أنهم استطاعوا وقف الدعوات كافة التي كانت تنادي بإجراء تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في اليمن، وهو ما أكده نائب مدير شؤون الأممالمتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أكشاي كومار، في قوله: «السعوديون قادرون على صياغة المناقشات حول اليمن، حتى في ظل غيابهم عن حضور الاجتماعات، إنهم قادرون على الاحتفاظ بنهج أحادي الجانب لمعالجة مجلس الأمن للوضع في اليمن، خاصة فيما يتعلق بانتهاكاتهم، والتي صمت المجلس حيالها». تمكنت الرياض باستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي من إسقاط دعوات مجلس الأمن؛ للتحقيق في تجاوزات الحرب على اليمن، ففي سبتمبر الماضي أبطلت السعودية والبحرين وقطر والإمارات محاولة هولندا تشكيل لجنة تحقيق في مجلس حقوق الإنسان الدولي؛ للنظر في انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبها طرفا الصراع في اليمن. وفي أكتوبر الماضي أفشلت الولاياتالمتحدةوالأردن مبادرة كانت تهدف إلى إرسال مبعوث خاص من مجلس الأمن للاجتماع بممثلي الأطراف المتحاربة في اليمن؛ لحث المقاتلين على الوفاء بالتزاماتهم واحترام القانون الإنساني والتعاون مع لجنة خبراء الأممالمتحدة للتعمق في حالة حقوق الإنسان في البلاد، وعلى الرغم من حصول المبادرة على تأييد واسع في المجلس، إلَّا أن واشنطن سجلت تحفظاتها على المبادرة وتبعتها الأردن، الأمر الذي عجل بإسقاط المبادرة. بعيدًا عن الإدانات أو التحقيق في جرائم الحرب، فقد وصل الضغط السعودي إلى استصدار قرارات من مجلس الأمن تحابي الحكومة اليمنية المستقيلة والمدعومة من السعودية، حيث سعت الرياض وحلفاؤها لانتزاع قرار من مجلس الأمن يطالب جماعة أنصار الله بإلقاء أسلحتهم والاعتراف بشرعية حكومة هادي المدعومة من السعودية، وهو القرار الذي نجحت الرياض في استصداره من المجلس مدعومة بالولاياتالمتحدة وبريطانيا، اللتين كانتا تسعيان للحصول على الدعم السعودي للمفاوضات النووية التاريخية مع إيران حينها، وهو القرار الذي لا يزال حتى الآن محل خلاف بين وفدي الحكومة وأنصار الله في كل المفاوضات السياسية اليمنية. الضغوط السعودية المدعومة من أمريكا وحلفائها دفعت اثنين من الخبراء في مجلس الأمن الدولي إلى التنحي، وهما فيرجينيا هيل ولوسي ماثيسون، وكشفت تقارير حول أسباب تنحيهما بأنها ترجع إلى القيود التي يشعران بها لتقديم تقارير غير حقيقية حول الفظائع التي ترتكبها قوات التحالف، حيث شعر الخبيران بأن المجلس يتبع سياسة الكيل بمكيالين. اليمن.. التحالفات تحكم إذا ما قارنا بين الوضع في اليمن ونظيرتها في سوريا، نجد أن الطريقة التي تتعاطى بها المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية مع كلتا الأزمتين مختلفة تمامًا، وهو ما يفسر أن الضغوط الدولية قد طالت هذه المنظمات والهيئات، التي من المفترض أن يكون عملها مستقلًّا وغير خاضع لأي نفوذ أو تحالفات صديقة أو عدوة. خلال مارس الماضي أقدم مجلس الأمن على بحث مشروع قرار حول الوضع الإنساني في اليمن، يركز خصوصًا على استهداف التحالف العربي للمؤسسات الطبية، ويسمح بوصول عمال الإغاثة الإنسانية إلى اليمن، وهو ما واجه رفضًا شديدًا من المملكة، حيث قال السفير السعودي لدى الأممالمتحدة، عبد الله المعلمي، حينها: لا نعتقد أن مثل هذا القرار ضروري في هذه المرحلة.