أخيرا اقتنعوا بأن الجنوب عاد لأهله بعد عذاب لربع قرن , ربع قرن من أعمارنا ذهبت سدى , كلها دماء وقهر ودموع , أخيرا فقط عرف كبرائهم ونخبهم الثقافية التي مكثت طويلا وهي تدافع عن الظالم , إننا على حق , أخيرا عرفوا أن صراخنا لم يكن كذبا أو تمثيلا أو شبعا بل كان حقيقة , أخيرا عرفوا لكن بعد فوات الأوان بعد أن امتلئت القلوب كرها وحقدا وضغينة على الشمال قاطبة دون استثناء , البريء مع الظالم الكل بات عدو وبات خطرا على مستقبل الجنوب . نادينا كثيرا قبل ان تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم وقلنا انتبهوا فالجنوب بشر لهم إحساس ومشاعر وكرامة , الجنوب سلم وطنه ومقدراته وهويته , الجنوب تنازل عن كل شي فأصبح لاشي , جردتموه من ابسط حقوقه وهي الانتماء فقلتم عنه شعب هندي صومالي , الجنوب خرج يجر جراحه ودمه يقطر يذكركم بالإخوة وصلة الرحم والقربى والدين فقلت عليه كفرا , كان يأمل بلفته كريمه براتب يستلمه بكرامه بوظيفته التي طرد منها حقدا وظلما , كان يناديكم ليل نهار أن خفوا علينا من العذاب الأليم ومن الهيانة والسخرية .
كان صوته يرتفع يوما عن أخر وكانت ضحكاتكم ترتفع وأصواتكم تخترق قلبه كالسهام وانتم تسخرون منه قائلين أصه أيها الهنود تحمدوا الله وإلا طردناكم خلف البحار , صبر عليكم صبر أيوب , جاع وظمى ومرض ولم تسعفوه , كان يرى مقدراته تنهب أمام عينه وتذهب إلى صنعاء وهو يتمنى شربة الماء , نادى كثيرا حتى بح صوته و لم ينصفه احد فيكم لا عاقل ولا مجنون الكل اتفق عليه حتى من عاش وتربى بيننا واكل من خيرنا طعنه وغدر به , لا نعلم أي جرم ارتكبه هذا الشعب حتى تحقدوا عليه كل هذا الحقد الأعمى الذي لم يحدث في تاريخ البشرية , وبعد كل هذا العذاب الطويل اعتقدنا ان مؤتمر الحوار قد أنصفنا وسيعطينا الفتات من ثروتنا وسيعيد لنا كرامتنا المنهوبة فأنتظرناه بفارغ الصبر ان ينتهي لنرى الشمس تبزغ على وطننا المحتل , انتهى حوارهم وجاءت الكارثة الجديدة وهي الحرب على الجنوب .
تخيلوا بعد ربع قرن من التدمير الممنهج لكل مقومات البلاد وتجريدنا من ابسط حقوقنا وبعد ان اعتقدنا إننا سنتنفس عادوا لنا بحرب طاحنة مخيفة دمرت النفوس وأحرقت القلوب قبل المباني بل جاءت لتنتزع منا عقيدتنا التي أمنا بها كابر عن كابر , حرب كانت خاتمة لقصة الوهم الوحدة الذي عشناها , حرب انتزعت منا قلوب الإخوة والجوار والإخاء وزرعت مكانها قلوب كالحجار لا ترحم ولا تعفوا ولا تغفر ولا تنسى , جعلوا منا وحوش كاسرة لا تثق ولا تأمن ولا تنام كما نامت سابقا .
مزقوا تلك الشعيرات الرهيفة التي تبقت فينا تضخ دم الإخوة , لم يتركوا شي بهذه الحرب القذرة التي وحدت شعب الجنوب وعرفته من عدوه الحقيقي الذي يجب ان يربي اجياله ويعرفه عليه حتى لا يقع في الوحل كما وقعنا , أخيرا عرفوا ان الجنوب في مراحله الأخيرة لإعلان دولته وليتهم عرفوا قبل عندما كانت فردة الباب مفتوحة يدخلون منها للجنوب ولكنهم كابروا كبر كفار قريش حتى حصحص الحق وعاد الجنوب بيد أبنائه يحمونه ويعضون عليه بالنواجد .. أغلقوا الأبواب بالأصفاد واحكموا الإغلاق بالأقفال الفولاذية حتى أذا جاء وعد ربي وخرجت النار من قعر عدن فعندها فقط سنفتحها في سيرنا إلى ارض المحشر ..