الألم داخل في قدر الله الكوني وقدر الله الكوني داخل في حكمته وأمره، فلماذا الألم؟؟ ولماذ نرى أطفال تحت أنقاض الركام؟؟ ولما القهر والجوع والقتل؟؟ من أول وهلة قد يبدو ان هناك عدلا غائبا وحكمه مفقودة ولكنك حين تسبر أغوار آدم وذريته وتنظر للخلفية الخلقية وتمد طرفك إلى ما بعد الموت سوف تلاحظ أن في آدم وذريته نفس واحدة استنسخ الله منها انفس وليس هذا فقط، بل امتزجت النفس والجسد بكهنوت الحياة وفلك الابتلاء وتولدت غرف تحكم في الإنسان ، غرف مصغرة في العالم الفردي وغرف مكبرة في العالم السلالي.
غرف التحكم عديدة ومتنوعة منها غرفة الرحمة ، والحكمة، والحزن، والتفاؤل ، والمعرفة، والكرم والعطاء ...
وكلما تغلبت غرفة عمليات على أخرى كلما انعكس هذا على الواقع، فحين تغيب الرحمة، تتولد غرف أخرى منها الانتقام، والقسوة، والغطرسة، ويتم تشويه صورة الفرد وصورة العالم ..
فعالمنا هو انعكاس مصغر لهذه الغرف، فمنا من يعش بحكمته وعدله، ومنا من يغلب جهله على حلمه فيقع في الظلم، ثم الظلم يتنوع ويتشكل..
ومن هنا يمكنك ان تتصور بني آدم الظلوم الجهول، وتمعن في حكمة الرب من النقاش الخالد مع ملائكته ( اتجعل فيها من يفسد...) وحتى يكتمل المشهد وتتضح الصورة الحقيقية للبعد الزماني والمكاني للانسان كان هناك اختبارين:
الأول : في تفعيل غرفة عمليات الرحمة، والتوازن في قيادة الذات وقيادة العالم وهو السر من الخلق والخلافة، والخليفة هو النائب عن الرب في إقامة العدل (لا ينال عهدي الظالمين).
الثاني: في عرصات القيامة لتتم التصفيات النهائية ومحاسبة كل من تعدى وتجاوز وظلم..
ولأجل اليقين بهذين الاختبارين كانت هناك جملة من المقدمات أهمها: كل ذنوب بني آدم تحت رحمة الله وعفوه غير الشرك وظلم الآخرين، وتم التنصيص على قانون العدالة في عالم الحيوانات فكيف بعالم البشر..
كل المؤشرات تدل على أن هناك قانون كوني يقوم على العدل، والعدل ليس مخرج بشري ولكنه سمه ربانية نراها في الكون ولذا من خلال قوانين الكون ومخرجات الزمن، تيقن كثير من الفلاسفة بوجود لقاء آخروي مع أنهم لم يطلعوا على رسالات الرسل... وفي الأخير ..
ملامح وجهك ونبرات صوتك وخطواتك وعالمك المصغر هو ما يدور في غرفة العمليات في عمق ذاتك من صراع ازلي بين معسكرات هي ذاتك الحقيقية وسر وصولك إلى هذه المعمورة.