في كل ثورة نجد مؤثرين مهمين، الأول؛ حلم الشعوب بالدولة العادلة التي تضمن لهم المساواة والحياة الكريمة ، والثاني؛ إغواءات الثوار في الوصول إلى السلطة والتحكم بالثروة.. أحلام الشعوب يبدأ تأثيرها منذ ماقبل إنطلاق الثورة، ويستمر معها، كأنَّه الوقود الذي يغذيها وينميَّها، وينمو ويكبر مع مرور سنوات الثورة.. وفي مراحل الحسم وحصاد نجاح الثورات تتحول أحلام الشعوب إلى حقيقة توشك الشعوب على قطافها، لكنَّها لاتلبث أن تبتعد عن الشعوب بفعل إغواءات السلطة والثروة للثوار، لأنَّ الإغواءات تزيد وتتعاظم في مراحل الحسم والحصاد. مراحل الحسم والحصاد للثورات أخطر مراحلها وأصعبها؛ لأنَّها المراحل التي يتأكد فيها نجاح الثورة، وفيها يلتحق الجميع بالثورة بمافيهم النظام الذي قامت الثورة ضده (سلطة ومعارضة)؛ المعارضة تلتحق بالثورة أولاً ثم يلحقها عدد كبير من رموز السلطة الحاكمة. وثورة التغيير اليمنية عينة قريبة؛ أنضم النظام الفاسد للثورة بشقيه؛ المعارضة أولاً ثم لحقهم رموز السلطة. وفي الجنوب حدث نفس الشيء؛ فبعد حرب 2015 أندفع كل الجنوبيين إلى صفوف الثورة الجنوبية، فمن كان يقول أن الانفصال خروج على أصل من أصول الدين، وأن (الجنوب العربي) إسم صنعه الاستعمار البريطاني والدعوة إليه موالاة لهم، أصبح اليوم يتصدر قيادة جنوبية تناضل لتحرير الجنوب العربي واستقلاله.
فإذا تمسكت الشعوب بالأحلام والآمال دون أن ترصد الواقع وتضبط إيقاع الثوار، فإنَّ الثورة تدخل في طريق المجهول، وتتحول الأحلام إلى سراب، ومع الوقت تتلاشى الأحلام، وتعود الشعوب للبحث عن وضعها السابق ماقبل الثورة. لأنَّ انضمام كل هذه الأطراف إلى الثورة وهي في مراحل الحصاد يفتح شهيتهم لاستعادة السيطرة على السلطة، فيعملون على نسج تحالفات مع بعض الثوار المؤسسين الذين تجذبهم إغراءات السلطة والثروة.. وهذا يفتح باب للصراع في صفوف الثورة، ويؤدي إلى القبول بالمحاصصة والترضيات..
وبدلاً من سيادة روح الثورة الحقيقية، الرافضة لكل فاسد وفساد وظلم وظالم، تتسيد روح المصالح والتسويات بين شركاء الثورة الجدد.. ويدخل الجميع في صراع بين من يحملون روح الثورة من جانب ومن تحكمت بهم إغواءات المصلحة الشخصية من جانب آخر، ويبدأ الصراع بحرب باردة كل جماعة تخون الأخرى، وقد يتطور للاقتتال فيما بينها.. وتنحرف مسيرة الثورة عن تحقيق آمال وأحلام الشعوب إلى تحقيق رغبات وشهوات الشركاء في قيادة الثورة.. ومع مرور الوقت يصبح الشركاء في قيادة الثورة (المؤسسين والجدد) سواسية أمام الشعب.. وباستمرار الصراع بينهم تكون الغلبة للطرف المنظم، المتمثل في حزب سياسي عريق تحكمه أيدلوجية يؤمن بها كل أعضاءه، وهذا الطرف المنظم غالباً مايكون من الشركاء الجدد في الثورة وليس من الثوار المؤسسين..
ختاماً أقول؛ أي ثائر أو مجموعة ثوَّار تجذبهم أغراءات السلطة والسيطرة على الثروة، فهي تدفعهم إلى إقصاء وتخوين وشيطنة زملائهم الثوار المؤسسين، ويتخلصون منهم عبر تحالفهم مع ثوَّار جدد، معتقدين أنه تحالف مؤقت، وفي المستقبل يستطيعون التخلص من هؤلاء الثوار الجدد بسهولة، وهذا غير صحيح.. لأن الواقع يقول أنَّ حلفاءهم من الثوار الجدد مع مرور الوقت يكتسون بعباءة الثوار الحقيقيون، ولأنَّهم أكثر تنظيماً والتزاماً بإيدلوجية تجمعهم يصبحون قوة لايمكن كسرها، وفي المواجهة المستقبلية أما انتصروا أو أسقطوا الثورة بأيدي ثورة مضادة وكما يقول المثل (وكأنك يابو زيد ماغزيت) والأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة كثيرة لاحصر لها منها ماذكرناه سابقاً عن ثورات اليمن التي فشلت وانتهت، ومنها ثورة مصر التي ركبها الأخوان المسلمين، وثورة تونس وثورة ليبيا وثورة سوريا وغيرها.
فهل ينتبه قومنا ويعيدوا لحمة الثورة الجنوبية..؟ نتمنى ذلك.