عندما يرفض النوم أن يتسلل الى عيناك. فقط المأساة وحدها من تقبل الارق لتلازمك. وحدها الاقدار هي من تسوقك الى الوجع الجاثم على قلب كل واحد مننا في هذا البلد. يضيق بك فراش نومك فما يكون منك إلا أن تأخذ معطفك ونعلك لتهرول في شوارع المدينة التي تبدو وكأنها مدينة أشباح تخلو من المارة في صباح أخر يوم من شهر رمضان. لا تجد شيء أمامك غير الكلاب الضالة تحوم حول إنسان جدلته ظروف الحياة الى الرصيف فاقداً عقله ويلتحف الارض والشمس, بارزاً صدره المتعري لقسوة الحياة والطبيعة. هكذا عشت أخر صباح ليوم من شهر رمضان لهذا العام, وذلك حين قمت بجولة في الشارع هارباً من الارق, وحتى الساعة لم أفق من ألم ما لحق بي من وجع ما شاهدته. لا أدري إن كُنت قد قمت بجولةٍ في شارع عام لمدينة تدعي السلام وهي مدينة إب ولمسافة لا تتعدى (200 متر) أم أن هذه الجولة القصيرة كانت بفناء المصحة النفسية ؟؟ في هذه المسافة القصيرة لم أحتمل ألمها وعيناي تجد وباتجاه واحد من الشارع دون اتجاهه الاخر ما يقارب (18 ذكراً بأعمار متفاوتة من المرضى النفسيين الذين حكم عليهم القدر بان يفقدوا إدراكهم لأجدهم ينامون على الرصيف وبمسافات متباعدة تحت حرارة لهيب الشمس تحرسهم الكلاب الضالة والشاردة. كم هو مؤلم أن تجد الانسان بهذا الوضع بعد أن عصفت به الاوضاع لتجدله الى الشارع لينام على أرصفته دون لحاف دون أبسط حقوقه حتى في نومه, يترك نفسه عرضة للشمس وقسوة الطبيعة وما يتخللها من متغيرات. ذلك المنظر المؤلم أخافني من تزايد عدد المصابين نفسيا بل أنه جعلني أن أتخيل نفسي أين سيكون مرقدي بين هذا العدد المتزايد يوماً تلو الاخر وبشكل مخيف, وقد نتزاحم يوماً على المكان. ذلك المشهد أجبرني على العودة مقهوراً على اّدميتنا المهدورة بادي اللصوص, عدت الى حجرتي متخم بالألم محاولاً النوم إلا ان شفتاي لم تتوقف حينها من التمتمة بكلمات لا ارادية وهي: اللعنة على الحرب وتجارها, اللعنة على الحكام القوادين على شعوبهم, اللعنة على كل من أوصلنا وأوصل من فقدوا عقولهم الى ذلك الحال الذي يدمي القلب, اللعنة على اللصوص.