يكاد اليأس يقضي على آخر بذرة أمل في حياة محمد الصبيحي (50 عاما) وقد عجز عن السفر للعلاج من مرض السرطان، إثر قيود يفرضها التحالف العربي علىالمجال الجوي اليمني، منعت آلاف المرضى من السفر وجعلتهم يواجهون خطر الموت في ظل انهيار قطاع الصحة في البلاد. الصبيحي، وهو من سكان ريف محافظة لحج، تتفاقم حالته يوما بعد آخر منذ أن نصحه الأطباء الشهر الماضي بضرورة السفر إلى الخارج لعدم توفر العلاج الإشعاعي الذي يحتاجه بشكل أسبوعي للتعافي من سرطان الرئة، الذي يعد السبب الأول للوفيات ويعد من أكثر أنواع السرطان فتكا باليمنيين.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن بسبب الحرب عجزا كبيرا عن توفير أدنى المستلزمات الطبية للكثير من الأمراض، ويلجأ الأطباء إلى تحويلهم لتلقي العلاج في الخارج، إلا أن الحواجز التي تواجه المرضى أكبر من أن يتجاوزوها في ظل توقف حركة الطيران كليا وانحسارها في رحلات محددة.
ويبدو الصبيحي في حالة يأس وهو على سرير المرض في مستشفى الصداقة بمدينة عدن، ويقول للجزيرة نت إنه ما زال بحاجة إلى الكثير من الوقت للحصول على الحجز، وإلى ضعف ما جمعه من مال ليتمكن بعدها من السفر إذا ما قدر الله له البقاء على قيد الحياة.
ويضيف أن عائلته باعت كل ما تملك ليتمكن -رفقة ابنه- من السفر للعلاج في الهند، لكنه وجد صعوبة أولا في الحجز على الخطوط الجوية اليمنية التي تحتاج إلى الحجز من خلالها قبل ثلاثة أشهر من موعد السفر عبر مطار عدن، وثانيا في ارتفاع أسعار تذاكر الطيران بشكل خيالي.
وقد أجبر التحالف العربي مطار صنعاء على الإغلاق في وجه جميع الرحلات عدا عدد محدود من رحلات طائرات الأممالمتحدة في أغسطس/آب الماضي، إضافة إلى إغلاق ثلاثة مطارات أخرى في مدن مختلفة منها مطارين في مناطق سيطرة الحوثيين هما مطارا الحديدة وتعز.
وفي محافظة حضرموت الواقعة ضمن مناطق الحكومة الشرعية، أغلقت القوات الإماراتية مطار الريان في مدينة المكلا بعد تحرير المدينة من سيطرة تنظيم القاعدة قبل أكثر من عام وحولته إلى ثكنة عسكرية، وأقامت خلفأسواره سجونا سرية وفق تقرير لمنظمة سام للحقوق والحريات التي تتخذ من جنيف مقرا لها.
ضحايا المنع ولا يعمل حاليا في اليمن سوى مطاري عدن وسيئون، ولكن برحلات محدودة وغير منتظمة تحتكرها شركة الخطوط الجوية اليمنية، ومنذ يونيو/حزيران العام الماضي رفعت الشركة أسعار التذاكر إلى بعض الدول العربية إلى نحو ألف دولار أميركي، بعد أن كانت لا تتجاوز أربعمئة دولار، بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني.
وأدى ذلك إلى تفاقم معاناة المرضى اليمنيين الذين يسافرون بعشرات الآلاف سنويا للعلاج في الخارج بسبب ضعف الخدمات الطبية في الداخل، وسقط الكثير منهم ضحايا خاصة سكان المحافظات الشمالية التي يعجز سكانها بفعل الحرب والحصار عن الوصول إلى عدن فضلا عن إمكانية السفر للخارج.
وقالت إحصائية رسمية لوزارة الصحة في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، نشرت الأربعاء الماضي أن نحو 13 ألفا و395 مريضا يمنيا فارقوا الحياة منذ بداية إغلاق مطار صنعاء الدولي في أغسطس/آب 2016، وكشفت الإحصائية عن وفاة 37 حالة يوميا في اليمن نتيجة إغلاق المطار.
وبينما يعزو التحالف إغلاق مطار صنعاء إلى كونه ضروريا لوقف تهريب الأسلحة للمتمردين الحوثيين، قالت منظمات إغاثة الشهر الماضي إن حصار التحالف للمطار يتسبب في وفاة عدد من الناس يفوق عدد من يقتلون في غارات التحالف التي تستهدف المتمردين.
مصير مجهول
وكان المجلس النرويجي للاجئين قد أشار بداية الشهر الماضي في بيان له إلى أن عشرة آلاف يمني قضوا بسبب مشاكل صحية يسعون للعلاج منها خارج البلاد، وبحسب المجلس فإن هذا العدد يتجاوز حصيلة ضحايا الهجمات في اليمن الذين يقدر عددهم بنحو تسعة آلاف شخص.
ووفقا للمتحدث الرسمي للهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد مازن غانم، فإن نحو 95 ألف مريض يمني ينتظرهم مصير مجهول نتيجة استمرار إغلاق مطار صنعاء، ونحو خمسين ألفا من اليمنيين أصبحوا عالقين خارج البلاد وغير قادرين على العودة في ظل استمرار إغلاق المطار.
وقال في حديث للجزيرة نت إن مطار صنعاء الدولي يعد الشريان الرئيسي للجمهورية اليمنية كونه يخدم نحو ثمانية ملايين مواطن يمني من كافة المحافظات سواء في مناطق الجنوب أو الشمال، وإغلاقه يعد عملا غير أخلاقي ولا إنساني ولا مبرر قانونيا له، على حد قوله.
وطالب غانم المجتمع الدولي بالضغط على التحالف العربي ليسمح بفتح المطارات، مضيفا أنهم يعملون على تحييد الطيران والمطارات من الصراع والحرب الدائرة في اليمن كونها تخدم كافة اليمنيين، و"هدفنا إيصال صوت أضعف فئات المجتمع اليمني من مرضى وطلاب وعالقين، وهي فئات تعاني وتموت نتيجة استمرار إغلاق المطارات".