بريطانيا جزيرة صغيرة المساحة وقليلة السكان بالقياس الى تأثيرها وأثرها الكبير في تاريخ الحضارة الإنسانية الحديثة والمعاصرة؟ لقد استوقفتني الظاهرة البريطانية وأنا أتأمل في تاريخ الحضارة العالمي إذ لم أَجِد حضارة أخرى تضاهيها. والسؤال هو ما سر بريطانيا ومعجزتها الحضارية الهائلة؟ لقد تتبعت أثر بريطانيا في التاريخ الحدث والمعاصر فوجدتها فريدة من نوعها، إذ حيثما مرت تركت أثرا يحمل بصمتها، في مخلف زوايا العالم الأربع شرقاً وغرباً وجنوبا وشمالاً. ذهبت أمريكا بعد الإسبان والبرتقال والفرنسيين فإذا بها تشكل القارة الجديدة على صورتها وذهبت استراليا فكانت استراليا نسخة بريطانية واحتلت الهند الكبرى فصارت الهند دولة عظمى وباكستان دولة نووية واحتل الإنجليز الصين العظيمة فنهضت الصين بعد التخدير أشد عزما وأمضى قوة وهاهي الْيَوْمَ تتصدر دول العالم بالنمو والتنمية والصناعة ومرت الإنجليز في وسط اسيأ ومنحوها سر نهضتهم. واحتلت بريطانيا مصر وفلسطين والعراق والخليج وإيران وجنوب الجزيرة العربية فتركت أثراً يدل عليها وربما كانت جنوب افريقيا شاهد عليها وغير ذلك من الشواهد التي تروي حكاية روبسون كروزوا السندبادية؟ فما هو سر تفوق بريطانيا عن غيرها؟!. الجواب عندي هو العلم الحديث التي كانت بريطانيا أول من امتلك ناصيته منذ فرنسيس بيكون في الاطلنطس الجديد في القرن الخامس عشر الميلادي. بريطانيا التي لم تتميز بقوة العدد والعتاد أبدا امتلكت المعرفة العلمية وأسست دولتها الحديثة على أسس علمية ومن يتذكر منكم السلسلة الطويلة من العلماء والفلاسفة منذ كوبرنيكوس وهيوم ولوك ونوتن وبنتام وآدم سمث وما كان لنظرياتهم العلمية من شأن في مختلف مجالات الحياة سيعرف السر في تفوق وازدهار النموذج الانجليزي في العالم الحديث والمعاصرة.
ومنذ أن قال فرنسيس بيكون جملته المفيدة القصيرة: إذا لم تكن المعرفة قوة فلا قيمة لها ولا فائدة! تلك العبارة التي التقطتها الجمعية الملكية البريطانية للعلوم وحولتها الى قاعدة عمل وسلوك وهي بالمناسبة أول مؤسسة رسمية للعلم الحديث تأسست قبل ستة قرون ولازالت تنمو وتزدهر رغم انحسار الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس! وتحضرني الذاكرة الآن عبارة الفرنسي كندرسية المتأثر ب جون لوك الانجليزي إذ قال لن تشرق شمس الحضارة في المستقبل الا على تلك الشعوب التي يقودها العلم والعلماء، يقصد العلم الطبيعي والإنساني وليس المعنى الإسلامي العربي للعلم والعلوم .
وفِي ذات السياق نتذكر عبارة باني الهند العظيم جواهر لال نهر القائلة : العلم وحده هو القادر على حل مشكلات الجهل والفقر والمرض ولا مستقبل لأحد بدون العلم والمعرفة العلمية. ولما كان العلم بطبيعته انساني وعابراً للثقافات والأديان واللغات ويمكنه أن يتكيف ويستوطن في المجتمعات الإنسانية المختلفة، فقد غدا الْيَوْمَ شاهد حال ومآل على المعجزة السكسونية. والعلم واحد والري كثير. من هنا مرت بريطانيا هذا لا يعني بإي حال من الأحوال أنني أحن للاستعمار الإنجليز فأنا ثوري بن ثوري أمقت كل الاستعمار من كل شكل ولون. ولا يفهمني الإ الطير الذي أكل من قمحي !