تابعنا خلال الأسابيع الماضية تلك التداعيات الخطيرة الناجمة عن مشكلة الجفاف التي يضرب جبل جحاف بالضالع، ووقف الجميع في هلع ونحننتابع بعجزٍ ما آلت اليها احوال المواطنين هناك الذين أصبحوا في عزلة كاملة عن اي معالجات حكومية او إنسانية كانت تأتي لانتشالهم من بين انيابالجفاف الذي أدى الى القضاء على كافة الأشجار وتحويل المنطقة برمتها من واحات خضراء بالامس الى صحراء وجبال صماء. آلاف الأشجار بمختلف أنواعها ذبلت وانتهت بالكامل فمن أشجار البن الى أشجار الحمضيات وبساتين المواطنين الذين اعتادوا رعايتها بجانبمنازلهم منذ عشرات السنين هذا ناهيك عن بقية الأشجار الاخرى مثل أشجار السدر والطلح وغيرها من الأشجار التي يقدمها الرعاة أعلاف لقطيعالحيوانات. نضب الماء تماماً من الخزانات الصغيرة المعدة لخزن مياه الأمطار الموسمية بعد ان جفت آبار الشرب، لم يعد امام المواطنين الا بيع حيواناتهمبارخص الأسعار ويوفرون من مبالغها تلك بضعت صهاريج او ربما صهريج ماء يكفي لشهرٍ وربما اقل. كل سبل الحياة تنهار مع مرور الايام هناك، وكل ما يدل على وجود حياه يتلاشى يوماً بعد يوم، حتى الطيور بمختلف أنواعها وأشكالها التي كانتالبيئة الريفية للطبيعة في جبل جحاف تمتاز بها غادرت أعشاشها الى مكان مجهول، وكذلك الامر بالنسبة للحيوانات البرية والضالة. في جحاف لم يعد سوى البشر يقفون في محطات انتظار نزوحهم نحو المجهول، فظروف المواطنين صعبة للغاية تضاف اليها الظروف الراهنة التيتعيشها البلاد في الوقت الحاضر. ثمة مدارس هنا وهناك أصبحت مهددة باغلاق ابوابها بسبب انقطاع التلاميذ عن الذهاب اليها مؤخراً بعد تفاقم أزمة مياه الشرب التي جعلت تلميذاتالمدارس في مقدمة صفوف مواجهة الجفاف، فكل أفراد الأسرة فرضت عليهم مشكلة الجفاف الانضمام الى صفوف معركة توفير مياه الشرب التيتقطع النساء صغاراً وكباراً اميال كثيرة لإحضار بضعة لترات من المياة التي لا تزال المناطق البعيدة أسفل الجبل تحتفظ بكميات قليلة منها. لم يقف الامر عند هذا الحد من المعاناة بل الأمراض بمختلف أنواعها تهدد حياة السكان فالى جانب انتشار مرض الكوليراء هناك أيضاً أمراض الكلىكما توجد عشرات الحالات المصابة بالفشل الكلوي. منظمات تدعي العمل الإنساني خصصت جهودها وميزانيتها بكل اسف لاشياء اخرى بعيدة عن واقع المعاناة، فهناك منظمات تهتم بتوزيع موادالنظافة من صابون وغيره، واُخرى لها مشاريع على المدى البعيد ولا يعرف من الذي سيستفيد من تلك المشاريع بعد انقراض الحياة. كانت جحاف قبل عشرات السنين تتمتع بمناخ جميل ومناظر طبيعية خلابة جعلت من الإنجليز إبان الاستعمار البريطاني يطلقون عليها "الهندالصغرى"، هكذا دون احد المستشرقين الإنجليز في كتاب له عن مستعمرات الجزيرة العربية يصف جحاف بواحة خضرا ومنتجع طبيعي متحدثاً عنسحر الشلالات المنسابة منها نحو منحدرات غاية في الجمال، وفِي كتابه دوَّن عدد الآبار البالغ عددها 255 عين ماء تنبع بغزارة طوال ايام السنة. هكذا كانت جحاف لكن بسبب الاهمال الذي تعرضت لها طوال العقود الماضية جعلت منها منطقة ينال منها الجفاف دون وجود مشاريع لمواجهة مثلهكذا كوارث. اليوم ارى انه يحتم علينا جميعاً الوقوف بجدية امام هذه الكارثة وعلينا استحضار إنسانيتنا قبل وطنيتنا لنقف صفاً واحداً لأجل هذا الجبل الذي قدمويقدم الكثير في سبيل الوطن والحياة.. نناشد كافة المنظمات الانسانية الى سرعة التعاطي الإيجابي مع مشكلة الجفاف في جبل جحاف وانقاذ هذا التجمع البشري الذي يتألف من اكثر منأربعين الف نسمة والحفاظ على بقائه في وطنه الحقيقي.. هناك الألف التلاميذ تنتظرهم مدارسهم بشوق رغم المأساة لذلك يجب إنقاذ الجميع هناك.. *رئيسة مبادرة جسور لحقوق الانسان