لاشك ان الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قد صار بحكم الضرورة أيقونة يمانية بإمتياز لطول مكثه حاكما لليمن البلد الصعب المراس العصي على الترويض والخضوع حكم الرئيس صالح اليمن الشمالي كمروض للثعابين مايقرب من أحد عشر عاما ثم حكم اليمن الموحد إثنان وعشرون عاما كرئيس ثم كزعيم لستة أعوام يعني قرابة أربعين عاما وهو باقي كعلامة فارقة في تاريخ هذا البلد الذي كان سعيدا في مدونات التاريخ والحضارة بينما ظل شقيا طوال الألفين السنة من ميلاد المسيح عيسى عليه السلام
مقتله وظهور جثمانه ملفوفا ببطانية ومحملا على ظهر سيارة طقم عسكرية رباعية الدفع- كان يعرفها جيدا لأن هذا النوع من المركبات كان أكثر ما يميز مواكبه ويحمي تنقلاته وينقل جيشه وحرسه-مثل حدثا فارقا بين تاريخين ونقطة مفصلية في سفر تاريخ هذا البلد المثخن بالجراح
وكأي حاكم عربي متسلط ومؤبد وديكتاتوري فإن عهده شهد نجاحات واخفاقات ومآسي وإن كانت الأخيرة هي الطاغية والسمة المميزة لفترة حكمه الطويلة ولم يكن الوحيد في صناعتها بل لديه شركاء متشاكسون كانوا يتقاسمون معه الحكم والنفوذ والبطش والجبروت بل كان هو ألينهم وأقربهم للناس
إذ في عهد الرئيس صالح تحققت الوحدة اليمنية ليس بجهده وسياساته بل بإخلاص الجنوب قيادة وشعب لقضية الوحدة وربما لغباء هذه القيادة ولسذاجة هذا الشعب لأنه من حينها أصبح أبناء الجنوب مواطنون من الدرجة الثالثة وربما أدنى وأصبحت قياداته منفيين قسرا في أصقاع الأرض يذوقون قساوة الغربة ومرارة الغدر والخذلان من الشريك الذي هو موضوع حديثنا هنا
مقتل الرئيس صالح أثار في نفوس أبناء هذا الشعب- الذي يقبع في ذيل الأمم إقتصادا وتعليما ورفاهية وتطورا ويتصدر دول العالم من حيث عدد الفقراء والمرضى والأميين والمقاتلين والمواليد والوفيات والشباب والحروب والأزمات والمهاجرون وقطع السلاح- أثار في نفوسهم مشاعر متناقضة تتراوح ما بين التشفي والشماتة والبهجة والقلق والخوف من المجهول وخصوصا ان قاتليه صرخوا فوق جثمانه أن هذا بثأر سيدهم حسين ولا يدرى أي حسين يقصدون هل الحسين بن علي رضوان الله عليه الذي قتل في كربلاء قبل أربعة عشر قرن أم حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل قبل عقد من السنين أم كليهما وهذا مبعث الخوف والقلق
طويت صفحة صالح كرئيس وكزعيم وكأنسان لكن هل تطوى صفحته كنظام وحزب وجيش وموالين؟هذا مالم يتم التأكد منه إلى اللحظة
لاشك ان صالح أخطئ خطايا جسيمة أو على الأقل رضي بها وخصوصا في حق الجنوب وشعبه وزرع في قلوبهم جراحا تحتاج لقرون لكي تندمل وأجيالا لكي تنسى وجعلهم يبحثون في أدغال التاريخ ووثائق المستعمرون عن هوية غير هذه الهوية اليمنية العريقة والمشرفة التي لم يذوقوا منذ أن جددوا إنتمائم إليها إلا الجوع والحرمان والذل والهوان والقتل ونهب الثروات واستباحة الأرض والجغرافيا التي باتوا على يقين أن الوحدة تمت معها فقط ولم تتم معهم كشعب وبشر
لكن بالمقابل علي عبدالله صالح تميز بالدهاء والحنكة والحكمة والتسامح في أحايين كثيرة ولو كان أستخدم هذه المزايا لصالح شعبه لكان اليمن ربما يوصف أنه سعيدا أو على الأقل قريبا من السعادة
قتل الرئيس صالح بهذه الطريقة وفي أحد أودية صنعاء الجرداء أشبه ما يكون بمقتل كليب التغلبي على يد جساس ابن مرة في وادي الحصى والجندل وهناك علامات تقارب بين ما كان عليه كليب وما كانه علي صالح كما بين جساس وما هو عليه عبدالملك الحوثي في هذه اللحظات الفارقة في تاريخ هذا البلد العريق الذي لايزال يعيش كارثة سيل العرم وتهدم سد مأرب في عصر الهواتف الذكية والهندسة الوراثية وأبحاث النانوميتر والخلايا الجذعية
ولله في خلقه شؤون والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون