لعل اهم الاسباب التي أدت الى مقتل الرئيس السابق على أيدي جماعة الحوثي اخر حلفاءه واعداءة هي اختلاف الطريقة السياسية لكلا منهما عن الاخر في ادارة الصراع مع الخصوم .. فهناك قاعدة في الصراع تسمى قاعدة التدافع البشري وتنقسم الى نوعين من انواع الصراع ، وهما ( الاول صراع تنافسي والثاني صراع الإفناء الصفري ) .. النوع الاول وهو التنافسي ويكون بطبيعته صراع سياسي يحصل كل من الطرفين المتصارعين على مكاسب معينة او فوز الطرفين معا بشيء من الخيرات وهذا النوع بالتحديد كان يستخدمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح في بعض الحالات حيث كان يبقي على خصومة احياء وإعطاءهم بعض المكاسب المؤقتة لعمل تحالفات مستقبلية معهم لضرب خصوم اخرين ، وكانت طريقته الشائعة انه يضعف خصمه ولا يقضي عليه للنهاية بهدف استخدامه لمواجهة طرف قد يكون أقوى او اضعف من الخصم الذي اصبح حليفا له ، وهذا يتجلى في الحروب الستة التي خاضتها الدولة مع جماعة الحوثي حينما كان صالح رئيساً للجمهورية حيث كان يتدخل لإيقاف الحرب بالوقت الذي تكون نهايتهم وشيكة ، فقد أبقى عليهم وانقذهم عدة مرات لانه كان يعلم انه سيأتي يوم ويحتاجهم حينما ينقلب عليه حلفاءه من الاخوان المسلمين والقوى القبلية و الدينية والسياسية والعسكرية في الشمال وهذا ماحدث بالفعل وأبرم معهم الحلف الذي تسبب في مقتله ، ومن المعروف عن سياسة الرئيس السابق انه كان يضم طرف الى صفة من اجل استخدامه للتآمر على طرف اخر .. وهذا ماجعل عفاش يكسب الكثير من التحالفات التي سرعان ماكان ينقلب عليها بعد تحقيق المصالح منهم مباشرةً ، وكان مناصريه يسهبون بتمجيده كأسلوب من أساليب البربوجاندا السياسية وتلميعه انه زعيم متسامح ورجل غير دموي لكسب تعاطف الرأي العام لصالحه وهو بالحقيقة يمارس نوع قذر من أساليب الصراع. اما النوع الثاني من انواع قاعدة التدافع البشري يطلق عليه ( صراع الإفناء الصفري ) وتستخدمه جماعة الحوثي بالتعامل مع خصومها وهو لن يكون أنظف من النوع الاول الذي كان يستخدمه المخلوع ،، وهذه الطريقة من اكثر الأنواع تعقيدا ولها ابعاد استراتيجية للتدافع وأهداف ( ميكافيليه ) ففي هذا النوع لايتقبل كلا من الطرفين وجود الاخر إطلاقا ويعمل على إنهاء الخصم بشتئ الوسائل والخروج بفوز نهائي ساحق ، بينما يخرج طرف الصراع الاخر مغبوناً ومتألماً ، وعازما على الأعداد لجولة اخرى من الصراع بدافع الانتقام ..! ونرى ان هذا النوع تطبقة جماعة الحوثي بشكل كبير جدا وهو مادفعهم لقتل علي عبدالله صالح حينما حاول الانقلاب عليهم بل واتبعوا بقتل وتصفية قيادات عسكرية وسياسية من الصف الاول في حزب المؤتمر الشعبي العام لكي لا يكون هناك قائد مؤثر على الساحة في صنعاء تتجمع حوله القوى المؤتمرية بمختلف مكوناتها ويقود المعركة ضدهم .. ولكي نؤكد انهم يتخذون أسلوب الإفناء الصفري في سياستهم ، نعيد سيناريوا خروجهم من صعده بعد خوضهم لحربين مع السلفيين في دماج ؛ فحينما دخلوا الى محافظة عمران بمساعدة الحرس الجمهوري فقد قاموا باقتحام اللواء 310 وقتل قائدة عبدالحميد القشيبي ، ثم التوجه الى عصيمات والتعزير بأولاد الأحمر وبعدها دخول صنعاء واكتساح الفرقة الاولى مدرع وجامعة الإيمان ، ولو ان اللواء علي محسن وقع بين أيديهم لقتلوه او أخفوه قسرا على اقل تقدير والاهم ان جماعة الحوثي حاولت احلال حزب الإصلاح وإفناءه نهائيا من الساحة السياسية باليمن ، ولولا افلات الرئيس هادي من الإقامة الجبرية في صنعاء وفراره الى عدن لسارت الامور كما أرادو لها ان تسير ، اضافة الى ان من حسن حظ قيادات الإصلاح ان الذي كان يمسك مكامن القوى في صنعاء في تلك الفترة هو الحرس الجمهوري التابع لحليفهم آنذاك والذي يمنح خصومه نوع من المكاسب تبقيهم على قيد الحياة وتجعلهم قادرين على العودة من جديد وهي سياسة النوع الاول الذي يلعب بها المخلوع صالح وهذا مافعله حينما حاول الالتحاق بالتحالف العربي والانقلاب على الحوثي بعد تحالف معهم دام قرابة الخمسة أعوام .. من هذه الأحداث نصل الى نتيجة مفادها ان عدم التفرقة بين نوعين التدافع البشري يوقع صاحبه في مطبات قاتله وهو ما أوقع علي عبدالله صالح في فخ الأفعى التي اخرجها بنفسه من جحر مران ، فهو كان يتعامل بأسلوب الصراع التنافسي بينما جماعة الحوثي تتعامل بطريقة الصراع الصفري ( أفناء كل طرف للآخر ) فاختلفت الاستعدادات بين الزعيم والمؤتمر من جهة وبين السيد وجماعته من جهة اخرى وانعكس هذا على وسائل عمل كل طرف منهم على حدة .. ونظراً لطبيعة هذا التدافع فقد عملت جماعة الحوثي خلال الثلاثة أعوام حساباتها اللازمة على تقوية جذورها بالعاصمة صنعاء وزيادة نفوذها العسكري والقبلي بعد ان خلخلت موازين القوى في ألوية الحرس الخاص بالرئيس السابق والحرس الجمهوري التابع له، واشترت الولاءات ناهيك عن استخدامهم للخطاب الديني الذي يعتبر من ابلغ الأساليب تأثيرا في تحقيق مصالحهم بين الأوساط الزيدية .. وخلاصة مقتل الرئيس السابق تفيد انه أراد لنفسه مخرج بعد ان تحول الحوثه من حلفاء معه الى خصوم له وطبيعة الصراع الذي صار بينهم حددته ورسمت ملامحه هذه الجماعة لان ميزان القوة اصبح لصالحها ووقع الرجل الذي دايما ما تلغب على أعداءه فريسة لأطماعه وتقلباته والنرجسية البشعة التي تستهوي شخصيته وشهيته في الحكم والتوريث .. واتضح للعالم وحشية هذه الجماعة ودمويتها فقد انقلب المخلوع على المملكة العربية السعودية عدة مرات ولم تقوم بتصفيته وحينما انقلب على مرتزقة طهران قتلوه ومثلوا به بلا رحمة ولا شفقه .. والاهم ان هذه الجماعة قضوا على فرصتهم في الخروج من المأزق بحل سلمي وكأنهم يريدون تطبيق المثل الشعبي ( عليه وعلى أعدائي ) .