قبل إعلان المبعوث الاممي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ استقالته كان قد صرح أن الأطراف المعنية بالأزمة مستعدة للجلوس على طاولة المفاوضات وان الحوار سيستأنف بعد أن توقف العام الماضي بسبب فشل مباحثات الكويت ، صحيفة عكاظ السعودية قبل يوم من استقالة ولد الشيخ ذهبت في افتتاحيتها إلى القول أن : ( عودة المسار السياسي إلى الأزمة اليمنية يفتح نافذة من الأمل في إنهاء الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في سبتمبر/ أيلول من عام 2014، وهو الانقلاب الذي نقل الأزمة من الخلافات في أوساط الفعاليات السياسية إلى حرب شاملة ) ؛ استقالة ولد الشيخ تعد مفاجئه للجميع وعنصر المفاجاءة لا يعني بالضرورة فشل ولد الشيخ في مهمته كون المبعوث الاممي يبلور الحل وفق وقناعات و رؤى الأطراف المتنازعة ولا يصنعها . المبعوث الاممي الجديد غريفت أكد هذا الأمر في محاضره سابقة ألقاها في الرياض واستعرض مهاراته في خلفيته عن الصراع اليمني لقد أكد قائلا أن : ( ما زاد تفاقم مأساة اليمن وجود نزاع بين أطراف تحارب بالوكالة ) ليعرج غريفت حد قوله أن : ( الأزمة في اليمن استثنائية ويمكن حلها ، لكن يجب أن يكون حل وتسوية الخلافات بين اليمنيين أنفسهم وأن يكونوا مستعدين للمفاوضات ) ؛ لن تصنع الأممالمتحدة الحل ولن تقف مع طرف ضد آخر مهما كان حجم التدخلات والتوازنات الدولية ألمطالبه بحل من نوع محدد ، ولد الشيخ يعتبر الأسواء حظا ؛ الأطراف جميعها رفضته ، في صنعاء طاردته رصاصات الحوثيين ورفضوه ، إرسال نائبه معين شريم إلى صنعاء من اجل لقاء الحوثيين والتهيئة للمفاوضات القادمة ، لم يكن ولد الشيخ أحسن حالا مع الشرعية اليمنية لقد كتب محمد جميح الإعلامي المقرب من محسن الاحمر وجماعة إخوان اليمن انه عند لقاء هادي بالمبعوث الاممي اخبر هادي المبعوث الاممي انه يتعين عليك كمبعوث أممي أولا أن تنتزع اعتراف الحوثيين بك ، ماذا تبقى لولد الشيخ بين أطراف ترى بقاءها في ضرورة إنهاء الآخر . التركة معقدة تلك التي سلمت لولد الشيخ من قبل المبعوث السابق جمال بن عمر ، جمال بن عمر طاردته الرياض واعتبرته مهندس علو الحوثيين ، عندما نسترجع ذاكرتنا قليلا سنتوقف عند كلمات بن عمر القليلة العدد لقد قال تحديدا في تاريخ 28/4/2015م أن اليمن كان قريبا من اتفاق سياسي عشية " عاصفة الحزم " ، في كثير من إحاطات ولد الشيخ وضح الأتي : ( أن أطراف النزاع في اليمن ماضية في صراع عسكري عقيم يعوق طريق السلام، في وقت يعاني فيه الشعب اليمني من كارثة إنسانية عارمة صنعها الإنسان ) . عندما أعفى ولد الشيخ نفسه من مهامه الأممية في اليمن وذلك عبر تقديم استقالته تأكد الأمر أن الرجل اصطدام بواقع مرير و أطراف أكثر مرارة ، كان ولد الشيخ منصفا إلى حد ما في قضية الجنوب وشعبه وأشار ذلك في إحدى إحاطاته بأن قضية الجنوب لا يمكن تجاوزها ، وأدرك مبكرا أن القوة على الأرض ليست هي الشرعية منفردة ؛ إن لم تكن الشرعية هي الطرف الأضعف لولا قاذفات الأباتشي والحصار والتجييش والتسليح النوعي ، كان يؤكد دائما على تقديم خطوات إستباقية من قبل الأطراف المتنازعة كي تذيب جليد التوجس والرفض القاطع للآخر ، حارب الكوليرا وتكلم عن النزوح القاتل للناس ، تكلم عن الأطفال ، والمجاعة ، عن حصار الموانئ والمنافذ والمطارات ، تكلم عن التعليم المنتهي تحت ضلال هذه الحرب القذرة ، والقتلى تحت ألأحجار والاسمنت الكثيف ، وبنية الوطن التي تتحول تدريجيا إلى رماد ، ولد الشيخ استنهض همم العالم اجمع ووجه عبر المختص الإنساني التابع له في الأممالمتحدة أن : ( اليمن والجنوب يعيش أزمة إنسانية لا مثيل له ) ، لذا لا غرابة أن يأتي إعلان وزير الخارجية السعودي والمتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي أمس أن السعودية و الإمارات خصصتا 1.5 مليار دولار لخطة إنسانية شاملة للشعب اليمني . الدبلوماسي المغربي المخضرم جمال بن عمر قدم استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، اليوم لحق ولد الشيخ با ابن عمر وقدم استقالته للامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتريش ، وسيخلف ولد الشيخ في شهر مارس من هذا العام 2018م المبعوث الجديد مارتن غريفيت ، بن عمر عايش معطيات للنزاع تختلف عن معايشة ولد الشيخ لمعطيات مغايرة ومختلفة والملف الذي سيستلمه غريفت له معطيات على ارض الواقع جديدة ومختلفة عن السابقين له ، رهان التحالف بقيادة الرياض تستند اليوم على إيجاد مساحه زمنيه واسعة للتنفس بعمق وتستنشق راحة البارود عن طريق الضربات الموجعة للحوثيين ، يحتاج المبعوث الجديد فترة ليست بقليله لدراسة ملف النزاع والجلوس مع الإطراف ذات العلاقة في النزاع وأطراف إقليمية ودولية ، الخروج بمبادرة تحمل كثير من القواسم المشتركة في حكم المستحيل ، إغراق اليمن بكثير من الخطط الإنسانية الاغاثية والمعيشية والأمنية تسهم بمجملها في التخفيف من حدة وصف التحالف العربي بقيادة الرياض و أبو ظبي أنهم يقودون حرب كارثيه مدمره للأرض والإنسان اليمني وباعثه لكثير من الشرور في المنطقة . بقراءة بسيطة للمبعوث الاممي القادم من عمق الحوارات الإنسانية والفكر ، و يعد احد مؤسسي لمعهد يفضي لحل النزاعات والتفاوض والوساطة ، وضليع في المشكلات العربية وصاحب خبره في الملف السوري الأكثر الملفات تعقيدا في المنطقة ، وعمله بمعية مخضرمي حل النزاعات الدولية الشائكة أمثال كوفي عنان و الأخضر الإبراهيمي ودي مستورا تجعل من الرجل صاحب فكر على واقع لا يحتمل إلا إزاحة الخصم للخصم الآخر ، وسيصطدم بواقع صلب في كثير من المساحات . عندما يرتكز الرجل في عمله انطلاقا من ضرورة صهر الأطراف المختلفة في الهوية والمعتقد والفكر والمنطقة والطموح للتعايش سوية ، سيكون بذلك قد جانب الواقع ومتطلباته وستطول الحرب وستفرز تصدعات جديدة ، واللحاق نحو معالجتها ستعزز التصدعات السابقة وأخرى مختلفة عن سابقاتها ، فهل يسقط مارتن غريفيت كما سقط بن عمر وولد الشيخ ، ويستمر النزيف ؛ لان المشكل لم تلامسه أيادي الجراحين ببراعة .