خرج «المجلس الانتقالي» منتصراً في المعركة التي خاضها لمدة ثلاثة أيام مع قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، وباتت قواته تسيطر على معظم مناطق عدن، وجاء موقف «التحالف» متناغماً مع «الانتقالي»، في مؤشر واضح على بدء مرحلة جديدة تشهدها مدينة عدن، يكون اللاعب الأوحد فيها «المجلس الانتقالي الجنوبي». المرحلة حدد ملامحها زعيم «الانتقالي» اللواء عيدروس الزبيدي، في خطابه الليلة، بأن تكون الأولوية لمساندة الجبهات في الشمال لمواجهة مقاتلي حركة «أنصارالله»، وهي الجبهات التي من المقرر أن تعززها الإمارات بقوات نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، طارق محمد عبدالله، وجنوباً يعمل «الانتقالي» على بسط سيطرته الكاملة على أراضي الجنوب، وتنظيفها من القوات التابعة ل«التجمع اليمني للإصلاح». يبدو أن الجنوب دخل عهداً جديداً، الكلمة الأولى فيه للإمارات، التي ستستخدم «الانتقالي» كجسر عبور لتحقيق أجنداتها في اليمن. وبحسب مراقبين، فإن هذا العهد سيضاعف من أزمات الجنوب المعيشية، وستظل قضيته السياسية المتمثلة ب«الاستقلال» حلماً لن يتحقق، خصوصاً أن الإمارات ترى في قيام دولة الجنوب تهديداً لأمنها القومي، ويتعارض مع سياستها في اليمن القائمة على إضعاف موانىء اليمن، والسيطرة على الجزر، إضافة إلى عدم تمكين «إخوان اليمن» من الوصول إلى السلطة، والعمل مع السعودية على هزيمة «أنصار الله». وترجمت الإمارات سياستها عملياً بخطوات «الانتقالي» في عدن، الذي بدا واضحاً في شعاراته التي رفعها وطالب فيها بإسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر، وحدد سقف مطالبه بالشراكة في السلطة، بعيداً عن أهداف «الحراك الجنوبي» التي تدعو إلى فك الارتباط وإقامة الدولة، وهو ما تعتبره قيادات «الحراك الجنوبي» تجاوزاً للثوابت الوطنية التي انطلق منها الحراك. في موازاة ذلك، جاء حديث رئيس «المجلس الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، ليميط اللثام عن قضية وقوف «المجلس» خلف طارق صالح، وهي القضية التي أثارتها قوى من «الحراك» و«المقاومة» ودعت إلى إخراج طارق من عدن، وأكد الزبيدي رفد الجبهات في الشمال لقتال «أنصار الله» والوقفوف مع «التحالف» حتى إسقاط صنعاء، وهي القضية التي أثارت جدلاً بين أوساط الجنوبيين، الذين اعتبروا أن دماءهم تباع في الجبهات ل«التحالف» مقابل مزايا لتلك القيادات التي تزج بهم في الجبهات، دون أن تحقق للجنوب أي مكاسب سياسية أو حتى معيشية. ويؤكد مراقبون أنه مع وصول «الانتقالي» إلى السلطة سيعمل على زج عشرات الآلاف من الجنوبيين إلى الجبهات في الشمال، في معركة يرى فيها أهل الجنوب «العبثية». وفي ما يتعلق بالخدمات في الجنوب، ومشاكل الكهرباء والمياه والوقود والفوضى الأمنية ومرتبات الموظفين، يطرح مراقبون تساؤلات بعد إسدال الستار على عهد بن دغر، وقدوم سلطة «الانتقالي»، هل سيتمكن الأخير من تحقيق نتائج ملموسة فيما يتلق بتلك الاحتياجات التي تؤرق الشارع الجنوبي، أم سيظل الوضع على ما هو عليه وربما يشهد تراجعاً، خصوصاً وقد ثبتت أكثر من واقعة تكشف خطوات الإمارات المعرقلة لتطبيع الحياة في المناطق «المحررة»، وهو ما كشفه محافظ البنك المركزي في عدن، منصر القعيطي، في تصريحات سابقة، أن «الامارات منعت أكثر من طائرة من الهبوط في مطار عدن محملة بمرتبات الموظفين». وفي خلال العامين الماضيين، عطّلت الإمارات مطارات وموانىء الجنوب، وضربت الاقتصاد، إلا من حركة خفيفة. وفي ما يتعلق بالشق الأمني دعمت الإمارات عدداً من المليشيات في المحافظات الجنوبية، كما عقدت صفقات وتفاهمات مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وفي ما يخص ملف الكهرباء، بحسب معلومات ل«العربي»، فإن «الإمارات قامت بشراء مولدات لكهرباء عدن خردة، وبأموال من إيرادات عدن، وقامت بتجديدها في دبي وأرجعتها للمدينة لتشتغل أشهراً ثم تتعطل»، وبحسب تلك المعلومات فإن «الأمر أيضاً تكرر مع شاحنات النقل التي دعمت بهن عدن». ويرى محللون أن سياسات الإمارات التي ينفذها «الانتقالي» باتت واضحة لدى قطاع واسع من الجنوبيين، وبدأ الشارع الجنوبي يتوجس من تلك الخطوات التصعيدية التي من المحتمل أن تعيد الزبيدي إلى السلطة، وهو الذي حكم عدن لعامين ووُصف عهده ب«أسوأ مرحلة مرت بها عدن من حيث الفوضى والفساد»، مع أن الرجل وصل إلى السلطة من بيئة «المقاومة» و«الحراك»، ويحمل مشروعهما، على خلاف بن دغر الذي تعارف الجميع على فساد حكومته، لكن ذلك الفساد لم يختبىء تحت الشعارات الثورية والنضالية.