دماء على الأرض لم تجف، وترويع للآمنين في عدن تجاوز ماتسببت به مليشيا الحوثي، عشرات القتلى ومئات الجرحى، ومجالس العزاء مازالت تفتح كل يوم بموت جريح، ومحصلة كل ذلك لاشيء.. بل لم تشعر الأطراف المشتركة بالأحداث الدامية بتأنيب الضمير؛ ومازال كل طرف يدافع عن أخطائه بحجج واهية. وبعد تدخل التحالف العربي وتوقف القتال وفرض التهدئة؛ التزم الجنوبيون بالتهدئة لكن الحكومة لم تلتزم.. واستمرت في الحرب الإعلامية والتشهير، وبوتيرة أسرع وأشد مما كانت عليه أثناء الأحداث.. وإلى جانب الحكومة في حربها الإعلامية عدد مهول من كوادر الأحزاب التي تشكلت منها الحكومة، وجوقة من الإعلاميين والإعلاميات المأجورين عند رموز الفساد.. وجميعهم يكرر إتهام المجلس الانتقالي أنَّه لم يطالب بإقالة الحكومة بسبب فسادها بل هدفه الحقيقي كان الإنقلاب على السلطة الشرعية وفرض الأنفصال بالقوة.. وبعضهم يتهم قيادات المجلس أن هدفهم استعادة المناصب التي أقيلوا منها بتهم فساد وفشل؛ ويدلل على صواب قوله بصمتهم بعد 30 يناير، ويقولون: أن الرئيس هادي ألتزم للتحالف بمنح المجلس؛ 7 حقائب وزارية؛ 4محافظين؛ 10 سفراء و20 وظيفة بالسلك الدبلوماسي.. مجرد كلام للتشهير لايوجد مايؤكده؛ هدفهم تشويه صورة المجلس دون أي إحترام للدماء التي سالت. وهنا نتسائل؛ هل الحكومة تشيطن "خصمها" المجلس الانتقالي أم أن هدفها أكبر من المجلس..؟ الواقع يقول أنَّ حملة التشهير بعد توقف القتال أصبحت منظمة أكثر من قبل، وتسيء لشريحة جنوبية أكبر من المجلس، ولذلك يمكننا الجزم أنهم يكذبون؛ وأنَّ هدفهم الحقيقي هو القضية الجنوبية والحراك الجنوبي.. وخطاب الحكومة إلى مجلس الأمن الذي تطالب فيه وضع المجلس ضمن قائمة المعطلين الانقلابيين وعقابهم بموجب القرار 2216 حالهم في ذلك حال جماعة الحوثي لم يكن يخص تجريم المجلس ككيان سياسي؛ بل تجريم الفكر الذي يحمله وهو "التحرير والاستقلال" وتجريم الفكرة معناه تجريم الأغلبية الساحقة من الشعب الجنوبي الذين يؤمنون بها. فإذا نجحوا في استصدار قرار من مجلس الأمن بذلك فهذا يخدمهم مستقبلاً في اسقاط الحراك بكامله، ويساعدهم في إفراغ القضية الجنوبية من مضمونها الإنساني النبيل الذي تكفله كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.. وقد سبق لهذه العصابة السياسية فعل نفس الشيء عندما كانوا يحكمون اليمن من صنعاء؛ فعندما تعاون فصيل في الحراك الجنوبي -في مرحلة سابقة- مع جماعة الحوثي بوساطة إيرانية وأسسوا مكتب تمثيل لهم في الضاحية الجنوبية-بيروت 2012؛ لم يتهم هذا الفصيل بعينه بالعمالة لإيران؛ بل وسموا الحراك الجنوبي بكامله بالعمالة، وأطلقوا عليه إسم "الحراك الإيراني" إنَّ الأحزاب اليمنية المعادية للحراك الجنوبي سعت بكل جهد بعد حرب 2015 للسيطرة على السلطة، وتعزيز قوتها، وإقصاء الحراك الجنوبي من السلطة، رغم أن مقاومة الحراك هي التي حررت البلاد.. واستمروا في التآمر على القضية الجنوبية وتفكيك الحراك.. ولذلك فحملتهم المسعورة اليوم موجهة بالأصل ضد القضية الجنوبية؛ أما المجلس الانتقالي فمجرد مسمار جحا، ووجوده صب في صالح الحكومة؛ فوجود كيان سياسي -المجلس- أمامهم استطاع التحالف الضغط عليه، لوقف ثورة الشعب، وانسحب من المرافق، ولو لم يكن موجود لأستمر الشعب في ثورته حتى إسقاط الحكومة مهما كلفه من ثمن.. وماحدث في حرب 2015 خير دليل؛ حيث خرج الشعب الجنوبي رجال وشباب وشيبة للقتال بدون دعوة، ولاإعداد، ولاقيادة موحدة، فقاتلوا قتال الأبطال، وعندما يأست جماعة الحوثي من النصر في الشهر الثالث من الحرب عرضت التفاوض والإنسحاب، لكنها لم تجد قيادة تتفاوض معها. ختاماً؛ إن البلاد في أيدي كيانات سياسية (سلطة ومعارضة) تلعب بها على حافة الهاوية لمصالحهم الشخصية والحزبية.. وكل طرف يظن أنَّه سيكسب الصراع، وهذا لن يحدث؛ بل لايستبعد أن تكون نتيجة الصراع لصالح الجماعة الكهنوتية.. وفِي هذا الوضع لايملك الجنوب إلَّا مواصلة النضال السلمي، وإذا فرض عليه القتال سيقاتل، ولن يسمح لأي طرف بالراحة على حساب عذابه ولسان حاله قول الشاعر (اذا لم يكن للمرء في دولة الغنى نصيبٌ تمنى زوالها) والله أعلم