ما نراه اليوم من حراك وتفاعل وطني وإقليمي ودولي ربما يشير إلى اللمسات الأخيرة لعودة الجنوب وطن ودولة كان آخرها توصية المنسق السامي لمنظمة حقوق الإنسان في الأُمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي التي قد تكون هي اللمسة ما قبل الأخيرة لعودة الجنوب وطن ودولة. إلاَ أن اللمسات الفعلية بدأت في عام 2015م عند تحرير الجنوب وتأمينه بتضحيات رجاله ودعم التحالف العربي ثم تأسيس المجلس الإنتقالي حامل لقضية الجنوب (إنتقالياً) وبما سمح به الواقع والمستجدات.. واستطاع بقيادة رصينة أن يفرض واقع جنوبي جديد غير مسبوق قرأه العالم كله ولم يقرأه الرئيس هادي.
القضية الجنوبية باتت اليوم بكل المؤشرات معلنة وغير معلنة في أروقة المجتمع الدولي وفي أروقة مجلس الأمن أساسها حسب توصية المنسق السامي لحقوق الإنسان : (انتهاك الشمال لإتفاقية الوحدة وهو الأمر الذي استند عليه نائب الرئيس علي سالم البيض في ذلك الوقت باعلان انتهاك الجمهورية العربية اليمنية لإتفاق الوحدة الثنائي وأعلن عن إعادة قيام جمهورية اليمن الديمقراطية في 21 مايو1994).
وعلى أساس من تلك التوصية الأُممية المعززة بالقانون الدولي فإن الجنوب منذ العام 1994 لم يكن يوماً في إطار إتفاقية وحدة مع الشمال بل كان (خاضعا لسيطرة القوات العسكرية والأمنية الشمالية) إحتلالاً وتدميراً حتى تم تحريره من السيطرة العسكرية والأمنية الشمالية في عام 2015م وفرض واقع جديد يعود بالجنوب إلى ما قبل عام 1990م.
عودة الجنوب واقعاً إلى العام 1990م معناه حسب التوصية الأُممية أن الجنوب في القانون الدولي بات خارج الحديث عن وحدة أو فيدرالية أو إنفصال أو إستفتاء فهو اليوم في واقع قانوني مختلف يتحدث فيه فقط عن فك إرتباط سلمياً. وحسب التوصية الأُممية فإن على المبعوث الأُممي إلى اليمن: (النظر في قضية الجنوب بشكل منفصل كنقطة انطلاق لتحقيق جهود السلام من أجل تحقيق الأمن والسلام الاستقرار في المنطقة واستئناف المفاوضات بناء على قرار مجلس الأمن رقم 924 ورقم 931 لعام 1994 الذي يسمح بتيسير الترتيبات لإعلان إعادة قيام الدولتين السابقتين).
ما نرى في ذلك غير أن عودة دولة الجنوب بات مطلب دولي تجاوز مرحلة التوقعات وبات في اللمسات الأخيرة.
طالعنا تحليل سياسي لكاتب سعودي يقدم فيه رؤيته لإنفصال الجنوب عن الشمال أشار في مجمله إلى مشروعية مطالب الجنوبيين باستعادة دولتهم إلاَ أنه ربطها بالتوازي مع تحرير الشمال. ذلك ربط غير واقعي وغير موفق ذلك لأن الجنوب بات جذيراً بعودة دولته بعد أن حرر أرضه بتضحيات رجاله وبدعم التحالف العربي من الغزو الحوثي والنفوذ الإيراني وعلى التحالف العربي تحقيقاً لمصداقيته الإقرار بدولة الجنوب والشروع بتنميتها وعمرانها تعويضاً لطول معاناتها دون ربطها بتحرير الشمال الذي لن يتحقق.. فإن يبقى الجنوب تحت هيمنتهم لتدمير أرضه وهلاك شعبه ونهب ثرواته أولى عندهم من تحريرهم للشمال. وما قاله ولد الشيخ يغنينا عن العجب.. في آخر إحاطة له لمجلس الأمن " أن هناك سياسيين من كل الأطراف يعتاشون من الحروب وتجارة السلاح... ".. فحربهم في الشمال إذا هي حرب عيش وإرتزاق لا يريدونه أن ينقطع.. فمن أين سيأتي تحرير الشمال.