ما أجمل أيام شهر رمضان و ما أجمل لياليه .. و هذا مقام اخر و حديث اخر . .غير اني هنا سأقصر حديثي على الايام التي تسبق هذا الشهر الذي أصطفاه الله من بين شهور السنة ليكون شهرا متفردا في مزاياه الايمانية و الروحية لرحمة و حكمة من عنده و رسالة محبة مستوعبة من لدن عباده الصالحين. لقد جرت العادة في حاضرة لحج كأي حاضرة من حواضر بلاد الاسلام ان يتم استقبال شهر رمضان الفضيل مبكرا منذ زمن بعيد الا ان لحجا لها مايجعلها متميزة الى حد التفرد في طريقة و كيفية استقبالها لهذ الشهر المبارك اذ تبدأ مراسيم استقباله مع خواتم شهر شعبان بخروج الاطفال فرادى و جماعات الى الساحات وأزقة حاراتهم وأينما يمموا بوجوههم البريئة وقد صدحت حناجرهم باهازيح عفوية وتلقائية مصحوبة ببعض الالعاب المسلية وهي عادات مزروعة فيهم ومتوارثة ابا عن جد في مشهد ابتهاجي لاتراه العين ولاتسمعه الأذن الا مرة واحدة من كل عام وفي لوحة فرائحية معبرة عن فرحتهم التي ليس لها حدود بقدوم شهر الحسنات و الفضائل ولم لا وهي حوطة الفضائل .المشمولة عبر تاريخها باسماء لها دلالاتها في الوجدان الروحاني لاهلها الطيبين تيمنا بخيرها وغزير محبتهم لها فهي ايضا ام المسكين وهي المحروسة بالله الذي حباها بمزايا قل ما نجدها في حواضر أخرى . ويتعدد ذكر كل المظاهر الروحانية التي يأتي بها حلول شهر رمضان وانعكاس ذلك عليهم كأطفال ومن منظورهم الطفولي البريء جدا والذي يقوي ويزيد من الروابط الاجتماعية بين الاطفال انفسهم في هذه الحارة او تلك وبالتالي يوثق هذه العلاقة في جانبها الايماني والروحي اذ تبقى مثل هذه الشعائر محفورة في ذاكرتهم الجمعية الى اخر العمر بل هي العمر كله وان تقادمت به الايام والحوادث فمن منا ذا الذي غابت عنه ايام وذكريات طفولته في رمضان الكريم. للامانة اقول تكاد تكون لحج و قلبها الثقافي و خازن موروثها المتعدد و المتنوع الجوانب --- أقصد هنا مدينة الحوطة تحديدا---تتمتع بغنى لا نظير في الموروث الديني سيما في مظاهر استقبال شهر رمضان المبارك فمن أبتهاج و فرح اطفالها بقدومه الى ابتهاج الكبار فيها والذي يتمثل في ذلك التدافع الكريم من قبل ربات البيوت واستعدادهن المملوء ببشارات ايمانية لا حدود لها تتمثل في توفير كل مستلزماته وادواته التي يحتجن لها في تسيير امورهن فيه.. ولا اغالي هنا ايضا اذا قلت ان هذا يتم قبل شهر رمضان بأيام تزامنا مع تحرك الرجال في توفير كل متطلباته المادية ولا يمنعهم عن ذلك الصعوبات الاقتصادية كأرتفاع اسعار تلك المواد وتقلبات السوق فيها كما هو حاصل في هذا العام وكأن تجار هذه البلاد من ملة وديانة اخرى و لاعلاقة لهم البته يدينون بدين الاسلام الذي يدعو الى الرحمة والوسطية والاعتدال وعدم المغالاة في كل شيئ والتي خصها في كثير من اياته البينات المحكمات. وكي لا يذهب بي الحديث بعيدا عن جوهر هذه العجالة اعود وأقول انه ومع اقتراب موعد حلول شهر الخيرات سرت العادة المتوارثة ان يتم اشعال النار مساءا كتقليد اجتماعي يحمل دلالة اعلانية اعلامية بلغة العصر الراهن عن بلوغ الشهر الكريم مع الاستمرار في اطلاق العنان لمثل تلك الاهازيح المرحبة وهنا لا فرق بين صغير او كبير ولا غني أو فقير في هذا التقليد الذي يزداد وهجه عاما على صدر عام . ومن ثم نأتي الى انتهاء الاهالي من تلك الاستعدادات التقليدية فنجد أن المساجد تشرع مع قرب حلول شهر رمضان بالتذكير بفضائله الايمانية والترحيب به عبر مكبرات الصوت ويعد مثل هذا السلوك تقليدا تعيشه هذه المدينة في اجواء من الورع والتقوى وايضا حسن النية وصدقها لان يكون شهر رمضان ضيفا متميزا مرحبا به لتحل عليهم بركاته وحسناته التي ينتظرونها في كل عام .
ومتى بلغ الاهالي الشهر الفضيل تجدهم قد اتموا ترحيبهم به بما ينبغي اذا تستمر مظاهر الترحيب الديني والثقافي للشهر وهم في ظهرانيه حتى نهايته وعلى كل صعيد مستنير اذ يتسابق كبار السن من الحنسين الى مجالس الذكر وحلقات الدرس والوعظ بعد صلاة التراويح مباشرة كما ان هناك رجالات الابداع من أدباء وفنانين مثقفين تجدهم ينتظمون في جلسات احتفائية بطريقتهم الخاصة جدا اذ عرفت الحوطة هذه المجالس الادبية التي تشبه صالونات الأدب والمنتديات الثقافية في زماننا هذا بل تمتاز عن هذه الاخيرة بأنها تكون عامرة بمريديها ومرتاديها ويقال ايضا في هذا الجانب ان كثيرا من مقاهي لحج الشهيرة عرفت قديما كمحطات للمسامرة والقاء الروايات التاريخية والدينية على غرار تلك المجالس.التي عرفتها البلاد العربية في ذلك الوقت وقد ذاع اسم الكثير منها كمقهاية الهاملي على سبيل المثال كما ذاعت اسماء العديد من الرواة من امثال الحاج دهدوه الذي كان يتقن مهنته ويحبها الى حد العشق... ختاما أسأل الله العلي القدير أن يحل علينا شهر رمضان الكريم هذا العام كريما بكل الخير وبكثير من الأبتهاج المبارك ابدا من خلال التقرب في طاعته سبحانه تعالى وفي كل خطوة نخطوها في دروب الحياه..