شتدت أمس المعارك بين القوات اليمنية المشتركة المسنودة بتحالف دعم الشرعية، والميليشيات الحوثية، على امتداد يناهز 60 كيلومتراً بمحاذاة الساحل الغربي الواقع جنوبالحديدة. وفي حين تتقدم القوات باتجاه مطار المدينة شمالا، تواصل تقدمها شرقا لحماية ظهرها من أي التفاف، واستكمال تحرير مراكز مديريات التحيتا وزبيد والجراحي والحسينية وبيت الفقيه والدريهمي. وأفادت مصادر محلية وعسكرية متطابقة ل«الشرق الأوسط» بأن الميليشيات الحوثية استبقت تحرير المدينة بتفخيخ الميناء ونهب المرافق الحكومية، في الوقت الذي دفعت فيه بالمئات من عناصرها من صنعاءوعمران والمحويت وحجة وريمة وذمار للانتحار دفاعا عن الحديدة ومديرياتها الجنوبية التي توشك أن تكون محررة بالكامل. وذكرت المصادر أن وحدات القوات المشتركة وجهت ضربات موجعة للميليشيات، بالتزامن مع ضربات جوية لطيران التحالف وعمليات مكثفة لمروحيات الأباتشي، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من المتمردين، وإجبار غالبية التعزيزات التي تحاول الاقتراب من خط النار في الأطراف الجنوبية لمدينة الحديدة على الفرار. وتمكنت الدفاعات الجوية لقوات تحالف دعم الشرعية من تدمير 6 صواريخ باليستية أطلقها في وقت مبكر أمس عناصر الميليشيات دفعة واحدة على معسكرات لقوات الشرعية في مديرية الخوخة الساحلية الواقعة شمال مدينة المخا، في حين استهدف طيران التحالف ثكنات للجماعة وأهدافا عسكرية جنوبصنعاءوجنوبها الشرقي، كما امتدت الضربات إلى مواقع ومعسكرات حوثية في إب وتعز. وفي الوقت الذي يرى فيه المراقبون للشأن اليمني أن معركة استعادة الحديدة ستكون نقطة فارقة في الحرب ضد الجماعة الانقلابية وتسريع حسم المعركة النهائية معها، بدأت أمس تداعياتها تصل إلى العاصمة صنعاء؛ إذ أدى الذعر من احتمال توقف إمدادات الوقود عبر ميناء الحديدة إلى تدافع السكان بسياراتهم للتزود بالوقود، في ظل قيام الميليشيات بإغلاق أغلب المحطات. وكان مسؤولون في الحكومة اليمنية الشرعية صرحوا في وقت سابق بأن الحكومة لديها خطة فورية لإعادة العمل في ميناء الحديدة ومطارها بمجرد تحريرهما من قبضة الميليشيات الحوثية، وهي رسالة من جانب الشرعية لطمأنة السكان في صنعاء وبقية المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الواردات التي يستقبلها ميناء الحديدة. وتظهر الخريطة العملياتية للمعارك التي اشتدت منذ يومين عقب التوغل المباغت والسريع للقوات المشتركة المسنودة من تحالف دعم الشرعية، من مديرية التحيتا جنوبا باتجاه الحديدة، شمالا، وصولا إلى مشارف مطارها، أن السهل الساحلي الذي يتراوح عرضه من شاطئ البحر وحتى الجبال بين 30 - 40 كيلومترا، بات مشطورا إلى شقين، يقع الشق الغربي منه المحاذي للبحر في قبضة القوات المشتركة التي تواصل التقدم منه شرقا من أكثر من محور، بالتزامن مع تقدمها شمالا نحو الحديدة. وتسعى القوات المؤلفة من «ألوية العمالقة الجنوبية» و«ألوية حراس الجمهورية (المقاومة الوطنية)» و«ألوية المقاومة التهامية»، من خلال التقدم شرقا إلى السيطرة على مراكز مديريات التحيتا وزبيد والجراحي والحسينية، وبيت الفقيه والدريهمي. ولا تزال جيوب الميليشيات الحوثية تتحصن بالمباني والمساكن والمزارع في مراكز المديريات، في ظل وجود إمدادات تصل إليها عبر طريق الحديدة - إب، التي تمر من منطقة الجراحي شرقا مرورا بمديريتي جبل راس، والعدين، فضلا عن الإمدادات التي تصل عبر الطرق الرابطة للحديدة مع كل من صنعاءوحجة والمحويت وذمار. وبحسب تقديرات مراقبين عسكريين، فستتمكن القوات اليمنية المشتركة، من قطع غالبية خطوط الإمداد المتجهة إلى الشطر الشرقي من الساحل الغربي، إذا نجحت في التقدم للسيطرة على الحسينية والجراحي وبيت الفقيه، في حين ستبقى بعض الطرق الأخرى من شمال الحديدة مفتوحة، خصوصا التي تربطها مع عمرانوحجة والمحويت، ولن تتوقف إلا مع تحرير المدينة ومواصلة التقدم للسيطرة على الطريق القادمة من حجةوعمران. وتسبب التقدم المباغت للقوات المشتركة نحو الحديدة في إثارة حالة واسعة من الهلع في صفوف الميليشيات، ما أجبر زعميها عبد الملك الحوثي على استشعار هزيمته الوشيكة، وقيامه بتوجيه خطاب، يتوسل فيه إلى القبائل للدفاع عن الحديدة، ويحذر أنصاره من التهاون والتقصير ويحضهم على الحشد والتدافع نحو الجبهات للقتال. وبحسب ما أفادت مصادر محلية في مدينة الحديدة، بدأ قادة الميليشيات في الفرار وتهريب عائلاتهم نحو صعدة وصنعاء، كما شرعوا في بيع ممتلكاتهم ونهب المقرات الحكومية، وتفخيخها، تحسبا لدخول القوات المشتركة إلى المدينة ومينائها، في حين أعلنوا مزادا لبيع كل الآلات والسيارات العامة والخاصة الموجودة في الميناء. وعلى وقع حالة الذعر التي اجتاحت صفوف الميليشيات، أفادت مصادر حزبية في المدينة ل«الشرق الأوسط» بأن كثيرا من القيادات المحلية التي كانت خاضعة للجماعة بدأت فتح قنوات اتصال مع القوات المشتركة من أجل طلب الأمان، في حين بدأ السكان بتنفيذ هجمات خاطفة ضد عربات الجماعة المارة في شوارع المدينة. وبينما تحاول الجماعة الحوثية الاستماتة دون خسارة الحديدة ومينائها وبقية مناطق الساحل الغربي الذي يشكل لها المنفذ البحري للحصول على الأسلحة الإيرانية المهربة ويتيح لها تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، واصل قادتها المحليون في صنعاء وذمار وعمران والمحويت التحرك الميداني وإقامة الأمسيات والاجتماعات مع رجال القبائل والسكان أملا في حشد مزيد من المجندين. وتزامنت التحركات الحوثية للحشد في المحافظات، مع استمرار الجماعة في الدفع بالمئات من عناصرها في صنعاء لجبهة الساحل الغربي، بمعية إمدادات أسلحة وذخيرة، في الوقت الذي تواترت فيه الأنباء عن رصد السكان خروج ناقلات من شمال العاصمة تحمل نحو 15 دبابة كانت الجماعة تخبئها في مخازن سرية؛ إذ يرجح المراقبون، أنها تحاول نقلها إلى الساحل الغربي أو إلى صعدة. وطبقا لما أفاد به سكان في العاصمة صنعاء، فقد خرجت عربات حوثية مزودة بمكبرات صوت تجوب الشوارع الرئيسية للحض على التوجه إلى جبهات القتال، في ظل انتشار أمني وتكثيف لنقاط التفتيش، خوفا من اندلاع أي أعمال مناهضة للوجود الحوثي. وفي خط مواز لعملية التحشيد، واصلت الميليشيات أعمال الجباية غير القانونية وتحصيل الإتاوات، والتشديد على السكان لدفع زكاة الفطر وزكاة الأموال، بعد أن ضاعفت قدرها بزيادة الثلث عن كل عام، وأنشأت هيئة خاصة بجبايتها في سياق تشريعها غير القانوني لما يسمي «الخُمْس»، وهو فرض نسبة 20 في المائة من أموال الزكاة ومن عائدات الثروات الطبيعية المستخرجة من البر والبحر لزعيم الجماعة وسلالته. وفي هذا السياق، أصدر رئيس مجلس حكم الجماعة مهدي المشاط قرارات بتعيين قيادات من أتباعه الطائفيين على رأس الهيئة المنشأة من قبل الجماعة لجباية أموال الزكاة وتحصيل الخمس لصالح زعيمها الحوثي والمنتمين إلى سلالته. ولم يظهر الرئيس الجديد لمجلس حكم الميليشيات، للعلن منذ نحو أسبوعين، في ظل إحاطة تحركاته وكبار القادة المقربين من زعيم الجماعة، بالسرية خشية اصطيادهم من قبل طيران التحالف، على غرار ما حدث مع الرئيس السابق لمجلس حكم الجماعة صالح الصماد، الذي قتل قبل نحو 6 أسابيع في مدينة الحديدة. وفي حين يتوقع المراقبون العسكريون أن تتمكن القوات المشتركة من حسم المعركة في الحديدة وأريافها الشمالية والجنوبية قريباً، فإنهم يتوقعون أن تتواصل العمليات العسكرية على الساحل الغربي وصولا إلى التحامها مع القوات المرابطة شمال غربي محافظة حجة في مديرية ميدي، حيث تقدر المسافة إليها من الحديدة بنحو 160 كيلومترا. وتعد الألغام الحوثية المزروعة بكثافة في طول الساحل وعرضه، أكبر عائق أمام تقدم القوات المشتركة، وأكبر مصدر لتهديد المدنيين؛ إذ أفادت مصادر طبية وعسكرية بأن 15 مدنيا على الأقل بينهم نساء وأطفال قتلوا في الأيام الثلاثة الماضية، جراء انفجار للألغام في مديرية الدريهمي جنوبالحديدة. وكانت قوات الشرعية وألوية المقاومة تمركزت، يوم الاثنين، في مناطق الطائف والكويزي وغليفقة بمديرية الدريهمي، على بعد نحو 15 كيلومترا من مطار الحديدة، في ظل سعيها للسيطرة على مناطق الشجيرة والنخيلة والتقدم للمطار والأطراف الجنوبية للمدينة. وتحاول الميليشيات الحوثية، بحسب مصادر عسكرية، أن تستعين بالتعزيزات المتدفقة من صنعاءوعمرانوحجة وذمار والمحويت للتوغل غربا من مناطق تمركزها في زبيد أو بيت الفقيه أو الجراحي أو الحسينية، باتجاه شاطئ البحر، لتطوق القوات المشتركة المتقدمة نحو الحديدة، غير أن القوات تنبهت لهذه النقطة عبر قيامها بفتح جبهات استباقية موازية للجبهة المتقدمة شمالا. وذكرت المصادر الرسمية أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، تابع تطورات المعارك في الساحل الغربي، خلال اتصال مع محافظ الحديدة الحسن طاهر؛ إذ أشاد هادي، كما أوردت وكالة «سبأ»، ب«الجهود المضاعفة التي تبذل من قبل الجميع لوحدة الصف وتحقيق غايات وتطلعات الشعب في إلحاق الهزيمة بإيران ومشروعها الدخيل في اليمن والمنطقة عبر أدواتها وأذرعها من الميليشيات الحوثية». وحض هادي محافظه في الحديدة على «مزيد من الجهود والتنسيق لاستكمال التحرير والتطهير وحسن إدارة المديريات والمناطق المحررة لما من شأنه عودة الأمن والخدمات والحريّة للمواطنين»، في حين أكد المحافظ أن الحديدة «أضحت على موعد قريب مع التحرير وتطهير مناطقها كافة من درن الميليشيات الحوثية المارقة». ويتوقع مراقبون أن تقوم الميليشيات الحوثية بالانسحاب من الساحل الغربي، بعد خسارتها الوشيكة للحديدة، باتجاه المناطق الجبلية المتاخمة، اعتقادا منها، كما لمح إليه زعيمها في خطابه الانهزامي الأخير، بأن التضاريس الوعرة ستكون إلى جانبها، لإعاقة أي تقدم للقوات الشرعية من جهة الغرب، نحو صنعاء وذمار وإبوحجة والمحويت وريمة.