لا أعرف من صمّم جولة البجعات القابعة في خصر خور مكسر ، بين ساحة العروض و إدارة الأمن العام من جهة و كلية الطب و مستشفى الجمهورية التعليمي و كلية الآداب في الجهة الأخرى ، أي أنها في قلب مركز نشط جداً للخدمات الحيوية و الاستراتيجية في الخور ، لا ينام بالكاد ، بعيداً عن كونه تصميم رديء للغاية لا معنى فني فيه و لا حتى جمالي ، لكنها في النهاية جولة البجعات البيضاء التي يعتاد كل من في عدن المرور عليها بشكل شبه يومي و لا يرضى أحد سواء أحبها أم لا أن يحدث فيها ما حدث ، أن تنضوي ليلة ليلاء و يصبح الناس على البجعات و قد أصبحت مشوية تماماً هكذا ؛ إنه لأمر جلل فعلاً ، ليس لذاته و لكن للقراءات المتعلقة به و التي من الهام جدا التنبه لها و استدراكها و الاّ أصبحنا في يوم و وجدنا عدن مشوية بالكامل كبجعات خور مكسر . أطيب القراءات التي أفرزتها نقاشات عديدة في صفحات التواصل الاجتماعي اليومين الفائتين و أكثرها حسن نية تسلّم بأنه عمل عبثي من مجموعة شباب طائش و غاضب ، خرج يعبر عن سخطه بانقطاع الكهرباء و احرق البجعات .. أخبثها تلك القراءة التي يبدو أنه انطلقت صفارة الإذن بها و راح قطيع إعلام البلادة يروجها باستماتة بأنها صنيعة أنصار الثورة الجنوبية و شباب الاستقلال الذين خرجوا من بيوتهم حين غرة و قرروا فجأة بعد 6 سنوات من سلمية النضال و الدماء و الشهداء أن يحرقوا البجعات هكذا دون أي غرض سوى تخريب عدن ، هاتفين ثورة ثورة يا جنوب ، الحقيقة التي يريد البعض طمسها و هم يروجون لاطروحاتهم المعادية للثورة في الجنوب و محاولة إلصاق كل مساوئ العالم في الحراك ، الحقيقة القائلة بأن الحراك هو الجنوب الحراك هو القضية و الثورة ، الحراك فكرة لفك الارتباط و ليس حزبًا بعضويات و لا تنظيما مؤسسيًا مصونًا و محميًا من الاختراقات .. اضمن لي أن كل من قام بعمل تخريبي و هتف بعده ثورة يا جنوب هو بالفعل ينتمي للحراك أو الثورة الجنوبية ؟ اضمنوا لي أنه ليس مدسوسًا من جهة معينة تترصد بالثورة و تسعى بكل جهدها لوأدها و تشويهها ، اثبتوا لي ذلك فعلاً و لكم ما تريدون بعدها ، من ثم فنحن لازلنا تحت سقف دولة بمؤسسات أمنية تصرف عليها من عرق المواطنين ملايين الريالات شهرياً لتقوم بدورها في الحماية ، أقصد حماية المواطن و المرافق العامة و الأمن و السكينة و ليس حماية البلاطجة و المخربين الذين لا نعلم من أين ظهروا علينا على نحو مبرمج بهذا الشكل ، كيف يجد هؤلاء في أنفسهم الجرأة لفعل كل ما يفعلون جهاراً نهاراً دون أي يمس لهم طرف ؟ كيف يقومون بإحراق جولة البجع و هي على بعد خطوتين فقط من إدارة الأمن العام في عدن ؟ أين كان حماة الديار ؟ كيف سمحوا لهم بفعلتهم و كيف نجوا منها ؟ ألا يثير كل ذلك الشكوك ، أليس كل هذا التفلّت الأمني مبرمجاً و اختيارياً جداً ، الأمن متيقظ للغاية فيما يخص اعتقال النشطاء و زيارتهم في بيوتهم فجراً و نهب متعلقاتهم الشخصية ، الأمن متيقظ للغاية لإطلاق النار على المسيرات السلمية و قتل المتظاهرين حتى في يوم تصالحهم و تسامحهم و لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً حيال إحراق البجعات أو عصابات قطع الطرق و سرقة السيارات و الباصات العامة ، لا يستطيع أن يفعل شيئا حيال تهديد النساء و ترويعهن في عدن ، لا يستطيع أن يفعل شيئاً حيال حمل السلاح و استخدامه بحرية تامة ، و لكنه على أهبة الإستعداد في مواجهة الثورة الجنوبية و نشطائها . خضنا قبل أيام حواراً في الفيس بوك حول موقعة احراق البجع هذه ، كان صديقنا غاطس بامسلم يعقد مقارنة من المانيا بين الجدران الملونة في تعز و بين بجعاتنا المحروقة في عدن ، مع أن المقارنة مجحفة في حقنا نحن كعدنيين لأني أثق كما أثق أن الشمس تشرق من المشرق أن لا أحد يحب مدينته كما يحب أهل عدن عدن ، إلا أنها كانت دعوة صادقة منه للاهتمام بالفن و تحسين منظر عدن بدلا من إحراقها ، بعد انتهاء جولات الصراع في حلبات النقاش ،و بعيدا عن هجوم الاصلاح و تحميل الحراك المسئولية و دفاع الحراك عن نفسه ، ما أثار انتباهي حقاً سلبية الفئة الأخرى التي لا تنتمي لهؤلاء و لا إلى هؤلاء ، هم يتعاملون مع كل ما يحدث على أنه صراع بين جانبين و على طريقة " اذهب أنت و ربك فقاتلا " يقعد القاعدون دون أن يأخذوا موقفاً حقيقياً تجاه الجهات الرسمية المنوط بها حمايتنا سواء كنا إصلاح أو حراك أو حتى جن أزرق ،
أما عن تلوين الجدران يا غاطس ثق أن هذا لن يكون له أي معنى لا هو و لا أي شيء آخر مالم يكن الانتباه للمكائد و الانفلات الأمني الصادر عنه في قائمة أولوياتنا ، و لا يمكن أن نطلب من عدن تفرح و نحن نضع لها المكياج و عقب البندقية على رأسها . [email protected]