اندلعت الانتفاضة الشعبية التي دعت إليها «تنسيقية أحرار عدن» والنقابات العمّالية، في مختلف مديريات محافظة عدن، وسط صراع إعلامي وسياسي وعسكري في جبهات مختلفة من القتال، بين حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، المدعوم من تحالف عربي تقوده السعودية، ضد حركة «أنصار الله»، لتحقيق مكاسب على الأرض قبل مشاورات جنيف المرتقبة. عصيان مدني وشهدت مدينة عدن عصياناً مدنياً، شلّ حركة التنقل في المديريات، منذ صباح الأحد، في ظل صمت مطبق لحكومة هادي، مما زاد من غضب فئات الشعب بمحافظات الجنوب، التي توعّدت بتصعيد احتجاجاتها خلال الأيام القادمة. وأغلق التجار المصارف والمحلات التجارية والتموينية، بعد انهيار غير مسبوق للعملة المحلية، مقابل العملات الأجنبية، وهو ما أشعل أسعار السلع وكل ما يتعلق بحياة المواطن. ويرى مراقبون أن الحكومة اليمنية، تعيش أزمة حقيقية، وهي في أشد الاحتياج إلى من ينتشلها من هذا المأزق، ولن يكون لها قدرة على معالجة الأزمات المتتالية والمتصاعدة التي يعاني منها المواطن منذ سنوات.
سياسة مفتعلة كل ما يجري في المناطق المُسماة «مُحررة» هو في حقيقة الأمر عبارة عن سياسة ممنهجة من الحصار الجماعي الخانق والقاتل، وفي حديث الكاتب أمين اليافعي ل«العربي»، أكد أن «المنظمات الدولية مجمعة على أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، حيث يُوجد أكثر من ثلث السكان يقفون على شفا مجاعة كبيرة، وأكثر من الثلثين يفتقرون إلى الأمن الغذائي». وقال اليافعي إن «هذه الأزمات الإنسانية الكبيرة التي يواجها البلد جزء كبير منها مفتعل، ومن صنع بشر حسب تعبير المبعوث الأممي السابق، وسياسة واضحة من العقاب الجماعي الشديد». موضحاً، أن «التحالف بجزء بسيط من السلاح الذي قتل به آلاف المدنيين يستطيع أن يحل بقيمته المادية أكبر المشاكل الاقتصادية في اليمن». ولتُحقق الانتفاضة أهدافها، دعا اليافعي إلى «عدم السماح لأي فصيل سياسي بتوظيفها لصالحه، وأن تُدار بطريقة يتم فيها إلحاق الضرر بالمسؤولين عن هذه المعاناة، بدلاً من الإضرار بالمواطن، والتنسيق بين كافة المناطق لتكون الرسالة أقوى، ولتأتي التحركات فوائدها المرجوة لوقف سيرورة الانهيار الشامل والممنهج».
فساد «الشرعية» وفي ذات السياق، قال الكاتب السياسي صالح علي الدويل، ل«العربي»، إن «ثورة الجياع، هي حق تأخر كثيراً، فالحالة التي وصل إليها المواطن اليوم هي تراكمية لفساد استفحل في إدارة الشرعية ولم تعد قادرة على الفكاك منه، والاختناق وصل في الشارع لدرجة لم تعد الإثارة المناطقية التي يذكيها بعض أبواقها تفيدها، فاليوم لا يحرك الشارع إلا ضمان ضرورات حياته والشرعية هي صاحبة الولاية لضمان هذه الضروريات. وأوضح أن «الأخطاء التراكمية للشرعية وحكومتها، وإدارتها للبلاد بالفساد وحرب الخدمات وانهيار الريال، خاتمة لفساد حذر كل الشرفاء منه، أوصلت الناس إلى الجوع». وأشار الدويل، إلى أن «معالجات الحالة الراهنة أعمق من أن يحلها احتجاج أو مسيرة، لكن الحالة تتطلب أن يقوم التحالف بدورة اليوم وليس غداً، وأن يضع أولى المعالجات وهي التدخل المباشر لإدارة الشرعية فهي بمثابة السفيه والقاصر الذي لا يحسن إدارة نفسه، ووضع حلول للمناطق المحررة فهم المسئولون عنها بدرجة أساسية قبل أن تستفحل وتتدخل فيها قوى شريرة ضد التحالف».
إنقاذ الشعب وتعليقاً على اندلاع الانتفاضة الشعبية، أكد الصحافي ناصر لزرق، ل«العربي»، أن« ثورة الجياع انطلقت بعد أن وصلت الأوضاع الاقتصادية إلى مرحلة حرجة جداً تطلبت خروج المواطنين إلى الشوارع للحفاظ على حياتهم وكرامتهم». وأوضح أن «الانتفاضة الشعبية، التي بدأت في مدينة عدن، ضد انهيار الوضع الاقتصادي، كانت وستبقى انتفاضة مدنية لا تتبع أي طرف سياسي. داعياً الرئيس اليمني والتحالف للتدخل لإنقاذ الشعب من المجاعة، ما لم فإن الثورة قد تصل إلى مراحل متقدمة لا يمكن إيقافها فيما بعد». من جهته، قال الكاتب مصطفى المنصوري ل«العربي»، أن «عدن اليوم أعلنت أنها لن تموت وستلتهم النيران التي أشعلها بسطاء الناس عليها كل من أهانوهم وأذلوهم ومن مارس بحقهم كل الكذب والخداع». ولفت إلى أن ما يهم هو أن «عدن اليوم خرجت لنفسها ولكل المناطق المحررة للعزة، والشرف، والكرامة ولن يصب بالمطلق هذا الخروج في دعم أنصار الله لأن المعركة في أصلها لم تنته بعد»، متسائلاً: «من ستلتهمهم نار عدن أولاً؟».
دعوة للوعي وعلى الجانب الآخر، أشار الناشط إبراهيم النوبي ل«العربي»، إلى أن «الثورة بدون وعي سُرعان ما تتحوَّل إلى فوضى وقد تنحرف عن مسارها وهدفها، وحرق الإطارات وقطع الشوارع الرئيسية، وتعطيل الناس عن أعمالها، لن يكون غير المواطن المتضرر منه في المقام الأول ويبقى بين مطرقة الفساد وغلاء الأسعار وسندان الفوضى ودخاخين الإطارات المشتعلة». وقال «ثُرنا ولنا الحق أن نثور وننتفض ضد الفساد والمفسدين وهذا حق كفله لنا القانون، ولكن بدون تعطيل الناس عن أعمالهم وقطع الطرقات وإشعال الإطارات فهناك أشخاص يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي وأمراض يعانون من الربو والتحسس فلا ننكد عليهم فوق غلاء الأسعار برائحة الدخان التي لن يستنشقها هوامير الفساد ولن تصل إليهم بقدر ما تصل إلى منازل المواطنين».