ان يرتقي بالذوق العام من خلال الأدب الرفيع واللغة الرقيقة العذبة والسليمة لا أن يهبط إلى مستوى العامة ليرضي ذائقتهم الهابطة الوضيعة .. أقول ذلك وأنا أتذكر بواب العمارة التي كنت أسكن فيها في مصر في شارع المنيل قبل عشر سنوات واسمه بيومي ، مررت به مرة وهو يدندن مع أغنية أم كلثوم " سلو قلبي " التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقلت له : " إيه الحكاية ياعم بيومي دنته مسلطن قوي ، فقال : أمال إيه يا بيه هو في حد ما يسلطنش مع الست ، فقلت له : هو انت فاهم إللي بتقولو الست ؟ قال : إزاي يا بيه ده كل كلمة من كلامها حلو وجميل وله معنى .." مع العلم أن عم بيومي هذا إنسان بسيط أمي لا يقرأ ولا يكتب ..!! فالمثقف مُهيأ نفسيا وعقليا لبناء مجتمع صالح عادل راقٍ متطور، لانه مُتنورٌ ومُتحررٌ من قيود الجهل، ومُتعافيٌ من أمراضه كالتعصب والانانية والعدوانية ، ولو لم يكن هكذا لما بحث وسهر وتعب شهورا واياما يصقل بعقله وفكره ، يبحث عن الحقيقة هنا وهناك ، يواجه الباطل في معسكر الجهلاء، ليحترق كالشمعة ، يضيء بعلمه وثقافته طريق المجتمع . لقد عانى المثقفون عبر التاريخ من شرور الجهلاء والحكام الطغاة الرجعيين المُتعشعشين في دهاليز الجهل والتخلف. إن المثقف ليس صبياً مشاكساً، بل إنه إذا لم يتحمل مسؤولية التنوير وإصلاح الأخطاء فإنه يتخلى عن دوره الأساسي؛ ويصبح بائعاً للإعلانات التي نراها عند إشارات المرور. وهنالك إشكالية كبرى في المواجهة بين المثقف وبعض الدوائر الرسمية في الوطن العربي أو حتى بعض فئات المجتمع التي تُؤثر الدعة ولا تشارك المثقف همومه وتطلعاته؛ بل ولا تتفاعل مع أطروحاته التي يُخرجها أساساً لدعم القيم الجميلة في مجتمعه، ولعل أهم ملامح ذلك هو التخليق الإبداعي -في أي من المجالات الأدبية- بهدف تدعيم قيم الجمال والعدل والخير. يقول سقراط "دع من يريد تحريك العالم لكي يحرّك نفسه أولا"! وبذلك فإن الشرط الأساسي لبلوغ درجة الثقافة الحقيقية هو القدرة على الفعل والتغيير. أما القراءة السلبية والكتابة السلبية فلن تخلقا مناخاً ثقافياً، ولن تسهما في الحراك الثقافي. وهما تماماً مثل استخدام الكتب الغالية والكبيرة في ديكورات المنازل.