بتوقيت العاصمة صنعاء_ اليوم الاثنين 5 نوفمبر 2018، قرابة الساعة الثانية بعد الظهر، وبعد عودتي مع الزميل عبده زيد المقرمي من رحلة بحث عما تيسر من كراتيين ومخلفات بلاستيك، وجمعها والظفر بوجبة غداء.. وبينما نحن في انتظار تقديم كوبين من الشاي في بوفية البركة_ تقع على مقربة من بوابة الجامعة الجامعة، أبصرته وتعثرت الكلمات على شفتي.. زميل دراستي الجامعية_ الشاب الأنيق والمرح والإنسان والطالب المثابر، هل يُعقل إنه هو..؟!.. إنه كما أذكره تماما طوال فترة ثلاث سنوات قضيناها معا في كلية الاعلام_ جامعة صنعاء، لكن هذا يبدو عليه ملامح كمن هو مختل عقلياً_ مجنون.. معذرة يا صديقي على قساوة وعدم لياقة اللفظ.. كان يسير أمامي ولم أصدق ما أراه.. يا الله إنه أحد زملاء الدراسة بكلية الاعلام بجامعة صنعاء ملامح شكله الخارجي تغيرت كليا.. ما الذي حدث..!؟ فقد توازنه بسبب ضغوط الحياة وأصبح مشرد بالشوارع مختل عقليا شكله وحالته يُرثى لها.. في المرة الأولى والثانية من مروره أمامي لم استوعب أبداً إنه أحد زملاء دراستي الجامعية، رغم تحدثي لزميلي عبده زيد المقرمي بأن هذا الذي مر من أمامنا كان زميلي بالجامعة، ثم تراجعت عن قول ذلك وأن شبه ربما لا أكثر، في حين احساسي الداخلي كان يصرخ حتى وإن لم يكن زميل دراستك فإنه إنسان يستحق التعاطف والرحمة.. تركت زميلي المقرمي وغادرت المكان وإذا بي أجده يقطع الشارع_ المحاذي لسور الجامعة الجديدة، ذهاباً وأياباً.. تقابل وجهي بوجهه.. إلتقت أعيننا.. كان لون الوقت علقم والشارع جحيم.. اردت احتضانه ولكنه سبقني ومضى حال سبيله.. تعبته محاولاً ايقافه دون جدوى.. لم أخجل من ذرف الدموع.. زميل دراستي الجامعية.. فاقد توازنه ويهيم بالشوارع.. أعجز عن التوصيف: هل أقول إن الظروف والفاقة وتوقف الراتب وهو الذي حصل على وظيفة حكومية بعد تخرجه، هل أقول إن قساوة الحياة سلبته لبه.. هل أجروء على القول إنه مختل عقلياً.. كيف به وهو ذاك الذي كان يبدو عليه أيام دراستنا من فضل الخير كثير تكلل بحصوله على وظيفة حكومية لم تجلب له غير أن يغدو مختل عقلياً بعد ما يزيد على العاميين من العيش دون راتب.. مكسور الروح لأجلك يا صديقي ومكسور أكثر لأجل أكثر من 24 مليون يمني يغرقون في قعر البؤس.. ومكسور أكثر وأكثر لعجزي عن فعل شيء لك يا صديقي.. لم أعد امتلك من القوة والشجاعة ما يخولني لصلب ما تبقى من هيكل إنسان كان وسيظل صديقي، صفعه تجار الحروب بسلب حقوقه ورميه على قارعة الجنون.. فيا زملاء الحرف والخيانة بحق الكلمة القاتلة التي تستهويكم، توقفوا عن الجري وراء شهوة المال.. تذكروا أطفالكم إن صرت إلى ما صار إليه صديقي.. إن عدالة السماء لن تغفر لكم.. توقفوا..