تهل اليوم الذكرى المئوية لمصرع شهيدي الطبقة العمالية "روزا لكسمبورغ" و "كارل ليبكنخت" روزا لكسمبورغ ولدت في 5 مارس 1871 - 15 يناير 1919) هي منظّرة ماركسية وفيلسوفة واقتصادية واشتراكية ثورية من أصول بولندية يهودية عملت بالتجارة وأصبحت مواطنة ألمانية. كانت عضوا في كل من الحزب الديمقراطي الاشتراكي لمملكة بولندا وليتوانيا. انتبهت روزا باكراً إلى فكرة الهوِّيات الاجتماعية المتقاطعة (أو الإنترسيكشنالتي)، وأنَّها دافعت بشراسة عن حقوق هذه الفئات عبر "رابطة إسبارتاكوس"، ولاحقاً من خلال الأحزاب السِّياسية اليسارية الكبيرة في بولندا وليتوانيا وألمانيا؛ كما أنَّها وقفت ضد اندفاعِ بلدانِ أوروبا الرَّئيسية نحو الحرب (العالمية الأولى)، وانتقدت مساندة بعضِ الأحزابِ اليسارية لحكومة بلدانها التي كانت تمضي معصوبةَ الأعينِ نحو أتونِ حربٍ لا تذر، أولُ ضحاياها همُ الفئاتُ الاجتماعية التي يجمعُها الفقرُ والاضطهادُ العرقيُّ والجنسيُّ في بوتقةٍ واحدة أو مصيرٍ اجتماعيٍّ مشترك. كما أنَّها خِلافاً لقادةٍ كبار في الحركةِ اليسارية العالمية، قد شكَّكت في إمكانية نجاح الثَّورة في بلدٍ أوروبيٍّ منفرد؛ فلا غرابةَ إذاً أن حمَّلها جوزيف ستالين مسؤولية رواج فكرة الثَّورة الدَّائمة. إلَّا أنَّ وقوفها ضد الحرب العالمية هو الذي قاد حكومة فريدريش إيبرت في ألمانيا إلى اغتيالها، ورميِّ جثَّتها في قناة لاندفير. لعلَّ ما تحمله روزا من أفكارٍ راسخة وقوية، موجَّهةً في معظمها ضد التيَّارات السَّائدة أو المهيمنة، قد أكسبها سمعةً يمكن وصفها بالشَّراسة وحِدَّة الطَّبع، حتَّى أنَّ أقرب أصدقائها كان يخشى من التَّقدُّم إليها أو إسماعها كلماتٍ يُمكن تفسيرها بالإطراء الذُّكوريِّ المتعالي أو الغزل البريء. ويحكي أوغست بيبل أنَّه اُضطُرَّ إلى أن يدُسَّ في جيبِ معطفها كلماتِ تشبيبٍ وتغزُّل، حينما تلاقت أكتافُهُما وهُما يدخلانِ عبر ممرٍّ مزدحم إلى اجتماع الكمنتيرن. إلَّا أنَّ كلَّ ذلك لم يكن إلَّا مجردَ مظهرٍ خادع، واستيهامٍ ذكوري، يسعى لتصوير المرأة وفقَ معاييرِ سائدةً في مجتمعٍ بعينه فعندما ينكسرُ القالبُ المألوف، يميلُ المرءُ عادةً إلى تصويرِ الوقائعِ المُشاهدة وفقَ ما تهوى مُخيَّلته أو يُصادفُ هواه. ففي حقيقةِ الأمر، كانت روزا امرأةً مشبوبة المشاعر، كرَّست قدراً من عواطفها للعمل العام، إلَّا أنَّ حياتها الخاصَّة كانت مبذولةٌ لأصدقائها من النِّساء (كلارا زيتكن) والرِّجال (كارل ليبنخت)، وزوجها (ليو لوغيخس)؛ كما تشهد رسائلُها التي نُشرت بعد موتها بنزاهتها ودماثة خلقها، مقارنةً مع تدافعها اليوميِّ مع رجالِ عصرِها لانتراعِ الاعترافِ بها كمُنظِّرةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ لا يُشقُّ لها غبار؛ فالحريَّةُ عندها هي دائماً حريَّة من يفكِّر بشكلٍ مختلف تبنت الاشتراكية وانتسبت للحزب الماركسي البروليتاري منذ حداثتها. غادرت بولندا الروسية سنة 1889 لتنضم إلى الثوريين المنفيين الروس بزعامة بليخانوف في زوريخ حيث درست العلوم ونالت شهادة الدكتوراة. هاجرت إلى ألمانيا وتزوجت عاملا ألمانيا واكتسبت بذلك الجنسية الألمانية لكي تتاح لها فرصة العمل في صفوف أكبر الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا. وعندما اندلعت الثورة الروسية لعام 1905 عادت إلى وارسو لكي تشارك بها فقبض عليها وأفرج عنها في العام التالي. عادت إلى برلين حيث كتبت "تراكم رأس المال" سنة 1913 الذي يعتبر مساهمة فكرية ماركسية رئيسية. تزعمت مع كارل ليبنيخت الجناح الراديكالي من الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني وعارضت الحرب العالمية الأولى. عارضت نظرية لينين حول كون الحزب الشيوعي أداة البروليتاريا المطلقة لتحقيق دكتاتورية البروليتاريا على أساس أن ذلك يفسد الديمقراطية والتي اعتبرتها الوسيلة الوحيدة لتحقيق حكم البروليتاريا. كما عارضت نظرية لينين في حق القوميات في تقرير مصيرها. أسست مع ليبنيخت "عصبة سبارتاكوس" عام 1916التي شكلت بعد سنتين نواة الحزب الشيوعي الألماني وكتبت برنامجه بنفسها. استنكرت "الإرهاب البلشفي" في روسيا سنة 1918-1919. في مطلع سنة 1919 أي بعد شهرين من إعلان ليبكنخت للجمهورية الاشتراكية الألمانية اغتيلت معه من قبل جماعة يمينية عسكرية متطرفة وبذلك قضي على ثورتهما في المهد. سهير السمان