في الحقيقة لقد كانت أمام الجنوبيين أول فرصة من أجل إستعادة دولة الجنوب المطموسة في كيان دولة الوحدة بالجمهورية اليمنية .. فقد كانت الفرصة الأولى في العام (1994) حينما أعلن علي سالم البيض فك الإرتباط لكنها ضاعت لأنه لم يتصالح مع الفرقاء الجنوبيون الذين جرتهم حماقة الخصومة أن يكونوا في صفوف قوات عفاش .. وعلى الرغم من إن إعلان فك الارتباط آنذاك ومسألة فرضة كواقع على الأرض بقوة جيش جنوبي يمتلك الدبابة والمدفع والصاروخ والطيران الميج فكل تلك الترسانة العسكرية قابلتها الخصومة الجنوبية في صفوف الشمالية وأجبرتها على جر ذيول الهزيمة بفرض دولة الوحدة اليمنية .. ومن تلك الحقبة التاريخية تتجلى لنا حقيقة تحتم علينا أن نعترف بها وعدم المكابرة عنها بالقفز على الواقع بأن إستعادة دولة الجنوب لن تتحقق بقوة السلاح وما زال هناك فرقاء وخصوم جنوبيين يصتفون إلى جانب الشماليين .. أما الفرصة الثانية التي أتت على طبق من ذهب عندما إنقلب الحوثي وعفاش على شرعية الرئيس الجنوبي هادي في صنعاء ومن ذلك الإنقلاب الشمالي كفر كافة الجنوبيين الذين كانوا في صفوفهم بدولة الوحدة وزاد كفرهم طغيان بعد اجتياح أراضي المحافظات الجنوبية وملاحقة الرئيس هادي وجميع جنوبي الحكومة الشرعية وإجبارهم على الرحيل إلى العاصمة السعودية الرياض. . وقد كانت فرصة إستعادة الجنوب متاحة بعد تحرير المحافظات الجنوبية بتضحيات أبطال المقاومة المسنودة من دول التحالف العربي أمام الجنوبيين من خلال تفعيل المصالحة الوطنية الشاملة قولا وفعلا برص الصفوف بين جنوبي الحراك والمقاومة وعناصر الشرعية الجنوبية بتنسيق الاعمال وتبادل الأدوار السياسية على خطى إستعادة الجنوب بعقل سياسي بعيد عن العواطف الثورية والعمل على إستغلال غطاء الشرعية المعترف بها دوليا .. لكن بكل أسف نقولها بكل حسرة وألم بأن العواطف الثورية ظلت هي الحاضرة وتتصدر المشهد وغيبت العقل السياسي الجنوبي وقضت على المصالحة الوطنية الجنوبية ودفعت بجمهور العاطفين إلى المصادمة المسلحة في يناير الماضي وكررتها في أغسطس المنصرم وعمقت جروح الخصومة وأجبرت عناصر جنوبي الشرعية إلى الاصطفاف بجانب شمالي شرعية مأرب ولم تترك لهم أي بصيص أمل نحو التقارب الجنوبي الجنوبي وضاعت الفرصة الثانية مجددا .. فحتى من يغردون اليوم على أنغام اتفاق جدة ويعتبرون إن قوة السلاح من قبلهم ضد جنوبي شرعية قد منح الجنوب حق الحصول على نصف السلطة فإنهم في فلك الوهم يسبحون و لم يدركوا أن هذا الحق بشأن مناصفة السلطة ليس بجديد فقد حققه الحراك الجنوبي بالصدور العارية بالسلم حيث انتزع ذلك الحق السلطوي مكون مؤتمر شعب الجنوب بقيادة (ابوسند) من عقر دارهم الصنعاني وقد تضمنته المرجعيات الثلاث التي تتمسك بها الشرعية اليمنية اليوم وعلى كافة المغردين المغرر بهما أن يعلموا علم اليقين بأن فرصة إستعادة الجنوب ذهبت ولن تعود !! الا بالمصالحة الوطنية الجنوبية الشاملة وليس بقوة توجيه فوهات البنادق صوب الصدور الجنوبية قبل الشمالية ..