في الصيفِ تصحو الشمسُ مبكرةً ، جَمْرٌ مُسَّاقطٌ من أفقِ البحر .
لا أعلمُ هل قام رفاقُ الليل من مَرْقَدهم ؟ كنَّا نبحث عن سمكٍ عدنيّ ، فطوينا الساعات على شطئان القمرِ ، المضْطَرِبِ بين شِبَاكِ الماء ،
نامت كلُّ قواربنا جائعةً ، والأمواجُ تعِبتْ من صمت الليل الناشف وامتدَّت فوق الرمل المتبدِّدِ من هضباتٍ ، كُنَّ على مقربةٍ منَّا .. هاجر نصفُ العمر على مقعده في عربات الليل والنصف الآخر متلبِّث فوق مواجِعِه ، ينكمشُ في الساعات الأولى قبل الفجر ، ثم يتمدَّد تحت نهار الصيف .
منذ زمنٍ ما ، في القرن العشرين ، لم نأكلْ ، في صيره ، سمكاً عدنياً لم نلبسْ تلك القمصان الكاكي ، أو نجلس في الطرقات ، نصطاد الحبَّ وعطر الفتيات ، لم نشرب كأسَ الليمون البارد في ناصية الشارع ، لم نسمع أغنيةَ البحَّارِ الآتي من جُزرِ الهند الشرقيه ، والرايات الحمراء انشقّت عنها قممُ الريح .
في الصيف تصحو الشرفات مبكرةً ، والصبح يعاقر أقداحَ الشاي على المقهى ويبوحُ بآهتِهِ في الأسواقِ المكتظة ، ورفاقٌ مازالوا في مرقدهم ، يشوون أضغاثَ السمكِ الفضِّي ، حيث الأجساد تقلِّبُها ساعات الظهر الرطبة في الحارات بين البحر وبين الجبل القاطن في الناحية الأخرى