نظرت إلى الوطن من نافذة الأحداث بعد مرور تسع سنوات على ثورة الحادي عشر من فبراير التي تمناها الجميع مجيدة لكنها كانت عجافا فلم أر منها إلا زيادة للطين بلة تحطم منها ما بقي من مقومات الوطن والوطنية وحين أردت أن أتأكد من هذه الحقيقة كذبت نظري وفكري وحاولت أن أغير زاوية الرؤية فنظرت من كل الاتجاهات لكن للأسف فعيناي لم تر إلا خرابا يفت في عضدي ويوهن همتي المثخنة بالأحزان جراء ما يحدث وهو بلا شك عكس ما أراده رواد الحادي عشر من فبراير 2011 للميلاد إذ طالت يد الخيانة روح الوطن وغيرت مسار ثورته حتى اعتلاها أعداؤها. لميكن ذلك مفاجئا لي لكن المفاجئ أنني شعرت أن روحي وسط ركام متناثر تبحث عن ذاتها الممزقة وأدركت أنني تائه ولم أعد أفهم ما يجري أو يدور في أروقة وطن يغوص كل يوم في وحل الخيانة والارتزاق الذي طال مقدراته حتى نأى بعيدا في الزمان والمكان عن أحلامنا الوردية في يمن آمن سعيد ميمون وتاهت خطواتنا نحو المستقبل في أتون حرب لا تبقي ولاتذر وقودها الدماء البريئة من مدنيين وعسكريين فلم توقر كبارا ولم ترحم صغارا والجميع يدفع الثمن . ولو تفحصت هوياتهم لوجدت السواد الأعظم ينتمون إلى الأسر الفقيرة والبيوت الجائعة التي لم تعد صالحة إلا للفقر والحرمان بين جدرانها المتهالكه فاضطرت لدفع فلذات أكبادها في وسط اللهيب وتحت رحى الحرب دون تفكير في الوقت الذي تحتضن الفنادق والسفارات والقنصيليات والشقق الفاخرة أبناء الذوات ومن ظنوا أنفسهم أوصياء على الثورة فضلا عن عدد كبير منهم قيدت أسماءهم على صفحات الكشوفات يحظون بالرتب والامتيازات .. لا شك ستنتهي الحرب يوما ما وستذكرون ما أقول لكم وستعلمون من دفع الثمن ومن قبض .. اعرف جيدا أن الوهن ملأ جسدي و يكاد يجبرني على رفع رايتي البيضاء لكن هيهات فهناك بصيص أمل أراه من بعيد وأظنه السبب الذي جعلني متماسكا حتى اللحظة وبه أجدد ثقتي بربي أولا وبتاريخي الإسلامي الذي يشهد بمجد الأباء والأجداد . ومع ذلك لم يغادر الوهن عظامي وكأن أحدا أرسل إشعاعات إلى روحي أثناء نومي فحطّم المناعة في جسدي وروحي ومعها أتساءل ما الذي يجري يا قوم أهي مؤامرة كونية على الوطن أم فوبيا العجز وحدها تهيئ هذا الشعور وتصنع منه مؤامرة اقتصادية ومؤامرة ثقافية ومؤامرة اجتماعية ومؤامرة أخلاقية ثم بعد مراجعة لهذا التفكير يأخذني إلى ما كنت أعتقده مؤامرات فأقول علام التآمر إذن؟! وكل شيء بات محطما فالبيوت متهالكة وتكتنف أجسادا عارية وبطونا طاوية وأرواحا جريحة والوطن برمته ممزقا بين المذهبية والمناطقية .. فأعود لألعن السياسة الملطخة بقانون العهر ودستور الخساسة والتي معها الوطن ينقص ولا يزيد وهو يزدحم بعفن الخلاف والاختلاف وبكامل حريّة السباب وبكل ألوان الشتيمة .. و"لا حياة لمن تنادي":تشهد بذلك أرواح الشهداء ومعاناة العوز والفقر الماثلة أمام الجميع والتي تختفي معها الكرامات وتنتج كل أنواع المذلة والخنوع والتي لا ينكر وجودهأحد ولم تقتصر على أرواح الفقراء وأرواح المهمّشين التي طالما اكتنفتها الخيبات المتتالية ومعها تزهق روح الشعب وغالبيته باستثناء ثلة بسيطة تقتات على أشلاء الجرحى وتنام على صرخات الثكالى.. ومع ذلك أثق أن شرفاء هذا الوطن وإن كانوا قلة لن يسلموا أمر هذا الوطن الجريح إلاّ إلى الطمأنينة و الأمن والإستقرار! كم كنتُ أظنّ بأنني أمتلك من الطفولة ما يجعلني أعيش ولو مساحة صغيرة من السعادة ولكن بعد تداعيات الأحداث شعرتُ بأني شخت وضعفت همتي ولم يعد للسعادة مساحة في مسرح قلبي الذي طالما رقص فرحا بوطنه .. المهم ما استخلصته من فيض ذاكرتي وبعد سنوات تسع إن هناك مؤامرة على تفكيري وأنني دخلت عالم آخر في مرحلة إلا وعي فأ هرف بما لا أعرف وعليه التمس من الجميع العذر فيما طف مني أو فتر !!