العاصمة عدن تشهد فعالية الذكرى ال7 لاعلان مايو التاريخي    الحرب القادمة في اليمن    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    خبير اقتصادي بارز يطالب الحكومة الشرعية " بإعادة النظر في هذا القرار !    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    تحديث جديد لأسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    ماذا يجرى داخل المراكز الصيفية الحوثية الطائفية - المغلقة ؟ الممولة بالمليارات (الحلقة الأولى)    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    ترتيبات الداخل وإشارات الخارج ترعب الحوثي.. حرب أم تكهنات؟    مأرب قلب الشرعية النابض    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    الكشف بالصور عن تحركات عسكرية خطيرة للحوثيين على الحدود مع السعودية    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقة عمل تناقش: القضية الجنوبية بين الاستقطاب المحلي والبعد الدولي والاقليمي
نشر في عدن الغد يوم 03 - 05 - 2013

تتجه أنضار العالم الى صنعاء وتتابع الدوائر الدولية والإقليمية سير عملية الحوار الوطني الجاري حالياً وفقاً للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية والتي يرى المجتمع الدولي بان هذه المبادرة هي ما أمكن التوصل إليه بين الإطراق السياسية المتصارعة على السلطة في اليمن والتي تمكن من خلالها المجتمعين الدولي والإقليمي تجنيب اليمن ويلات حرب طاحنة .
ولذا فان الراعي الدولي والإقليمي حريص كل الحرص على إنجاح الحوار فالنظام الحالي في صنعاء والذي يقوده هادي يحصى بدعم وتأييد دولي وإقليمي غير مسبوق فبالإضافة إلى المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية هناك قرارين لمجلس الأمن الدولي رقم 2014و2051 وعدد من البيانات المعززة لنظام هادي ناهيك عن الدعم المادي والمعنوي للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والدول العشر عبر سفراها في اليمن هذا الدعم الذي لولاه لما تمكن هادي من الإطاحة برؤوس الكبار ولما قبلت بعض القوى التي تعرف سلفاً بان نتائج الحوار ليست بصالحها الدخول في الحوار ولما حدت هذه القوى من نشاطها المحموم لعرقلة الحوار.
إن الإشراف المباشر لمجلس الأمن الدولي وفتح مكتب للممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر ومثله للسيد عبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي له دلالة واضحة بان اليمن يقع تحت الرعاية الدولية ،وهذا يعطي أهمية بالغة للحوار وسعي المجتمع الدولي إلا إن تمثل مخرجاته خطوة متقدمة في بناء الدولة.
ومع كل ما شرنا إليه سلفاً فان البلاد تمر في مرحلة صعبة وخطيرة حيث بدأت المرحلة الأولى للحور وسط حقل من الألغام والأسلاك الشائكة فالإطراف المتحاورة كلاً منهم يتربص بالأخر ويعمل قدر الإمكان على تحقيق مكاسب سياسية على حساب الطرف الأخر، ووسط هذه الأجواء المشحونة والملبدة بالغيوم تفرض القضية الجنوبية نفسها على الجميع الأمر الذي جعلها بين حالة الاستقطاب المحلي لكسب ود الجنوبيين على أشدها ليس بهدف حلها وإنما بهدف الاستفادة منها أو استخدامها كورقة يجري التلويح بها كلاً بطريقته سعياً إلى وائدها واستثمار نتائج ذلك الوأد،وبين البعد الدولي والإقليمي الذي تعامل مع القضية الجنوبية كقضية وطنية يمنية مثلها مثل قضية صعدة أو أي قضية يمنية أخرى ، ولكون القضية الجنوبية هي المحور الرئيسي للحوار كما يقول القائمون عليه وهي أس المشكلة كما يقول بعض الجنوبيين وان حل مشاكل اليمن واستقرار المنطقة مرهون بحل القضية الجنوبية فان أي محاولات لتميعها سيكون مصيرها الفشل فشعب الجنوب الذي خرج في ثورة شعبية سلمية عارمة منذ ستة أعوام خلت وقدم الآلاف الشهداء والجرحى وإضعافهم من المعتقلين وخرج بمليونيات متتالية للمطالبة باستعادة دولته لا يمكن إن يقبل بإنصاف الحلول فقد بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر جراء التهميش والقمع والتنكيل وغيرها من صنوف القهر والإذلال التي تعرض لها الجنوبيين منذ 7/7/1994م، ومع هذا وذاك نسمع بين الحين والأخر من كثير من النخب الشمالية من ينكر بان هناك قضية جنوبية وهناك من يتسأل بخبث ما هي القضية الجنوبية ، وهناك من يحلق عليها ويصر على أنها قضية حقوقية ولا يريد إن بغوص في أعماقها ، ويجري كل هذا بقصد الهروب من حل القضية الجنوبية يتلاءم مع حجم المشكلة وطبيعتها وبالتالي فان أي حلول تنتج عن الحوار الجاري حالياً في صنعاء وفقاً للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية لا يمكن إن يكتب لها النجاح دون ان يتم الرجوع الى جذر المشكلة ومعالجتها وفقاً لذلك.

ان اللفتة التي حضت بها القضية الجنوبية من المجتمع الدولي والإقليمي لم تكن بحجم التضحيات التي قدمها شعب الجنوب ولا ترتقي إلى أماله وتطلعاته إلا إننا نستطيع القول بأنها كانت ثمرة من ثمار ثوره الكرامة الشعبية السلمية المباركة في الجنوب التي ولجت عامها السادس بنجاح منقطع النظير ، تحققت خلالها الكثير من النجاحات على صعيد القضية الجنوبية ونستطيع القول بأن الحراك الجنوبي أو ثورة الكرامة الجنوبية كما يحلو للبعض تسميته لم يعد ذلك الحراك الذي بداء بالمطالبة بالحقوق المالية والوظيفية لآلاف المتقاعدين ، فالحراك الذي كسر حاجز الخوف أصبح له شهداء وجرحى ومعتقلين وملاحقين وكل يوم يمر تتضاعف الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها السلطة بحق الفعاليات الاحتجاجية في الجنوب إلا إن شعب الجنوب يرى بان ذلك أمراً طبيعياً لحركة شعبية أخذت على عاتقها مسؤولية استعادت دولة الجنوب وقد رافق تلك التضحيات اهتمام إعلامي غير مسبوق وأصبحت القضية الجنوبية حقيقية ساطعة كسطوع الشمس في كبد السماء لا يستطيع أحد تجاوزها أو القفز عليها وقد تمكن الحراك الجنوبي أن يضعها على الطاولة ، إلا أنه وللأسف الشديد لم يستطع البعض من السياسيين والمثقفين أن يواكبوا ذلك التطور الذي شهده الحراك الذي تتسع قاعدته كل يوم ولم يعد المتقاعدين لوحدهم هم جمهور الحراك فهناك التفاف شعبي واسع حول الحراك من مختلف المشارب والانتماءات السياسية والاجتماعية لكافة ألوان الطيف الجنوبي وصار للحراك جيل ثاني وثالث فمعظم إن لم يكن جل من سقطوا شهداء وجرحى خلال الخمس السنوات الماضية هم من الشباب.

إن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية هي نتاج طبيعي لحرب 1994م لا يساعد على حل القضية لأن القضية الجنوبية التي كان للحراك شرف إظهارها وجعلها حية في أروقة الدول والتجمعات والهيئات الدولية والإقليمية لا يمكن حلها بإزالة آثار حرب 94م لأن حرب 94م هي نتاج طبيعي لفشل الوحدة ، ومما يؤسف له أن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية كانت نتاج لحرب 94م هذه الحرب التي تعد بحد ذاتها نتيجة وليست سبب لم يقتصر على البعض المثقفين والنخب بل تعززت تلك
القناعة لدى الكثير من القوى المشاركة في الحوار وهذا اعتقاد خاطئ
لأن فشل الوحدة هو الذي أدى إلى حرب 1994م وطرح كهذا يجعل الحوار يحلق على القضية الجنوبية ولا يغوص في أعماقها وبالتالي يستحيل إيجاد حلول للقضية الجنوبية دون العودة إلى جذر المشكلة أي فشل الوحدة.
ازمة الوحدة
إن تراكمات النضال الوطني للحركة الوطنية اليمنية قد أدت إلى إعلان الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية سليمة فقامت الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م باتفاق دولتي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية / الجمهورية العربية اليمنية) بقيادة كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني . وبدعم وتأييد كافة فئات الشعب وتنظيماته وشخصياته الوطنية الأخرى .وشكل ارتباط إعلان الوحدة بالديمقراطية كخيار لتطور النظام السياسي في اليمن الموحد عنوانا لانعطاف جديد في تاريخ الشعب.

لقد حددت اتفاقيات الوحدة عددا من المهام التي يمكن إنجازها خلال المرحلة الانتقالية لتحقيق الاندماج الكامل لمؤسسات الدولتين وتذويبها في الدولة الديمقراطية الحديثة التي كانت تعلق عليها آمال عريضة من قبل كافة فئات الشعب إلا انه وللأسف الشديد لم يتم ذلك وفشل شريكا اعلان الوحدة في انجاز مهام المرحلة الانتقالية ، هذا الفشل اعتبره البعض فشلا لمشروع الوحدة فلم تمر على الوحدة سوى بضعة أشهر إلا وبدأت بوادر الأزمة بين شريكي الوحدة في الظهور وعلى وجه الخصوص مع نشوب حرب الخليج الثانية والتي تم فيها احتلال العراق للكويت وما نتج عنها من صعوبات ومشاكل اقتصادية جمة تعرضت لها البلاد بعودة المغتريبن اليمنيين من دول الخليج ، هذا القرار جاء كرد فعل على السياسة الخاطئة التي انتهجتها الجمهورية اليمنية في الموقف من احتلال العراق للكويت.
ففي الوقت الذي كان فيها على عبدالله صالح وأركان نظامه السابق يؤيدون صدام حسين ويكيفون السياسة الخارجية وفقا لهذه القناعة كان علي سالم البيض والحزب الاشتراكي اليمني لهم موقف مغاير حين كانوا يقفون إلى جانب الشعب الكويتي ويرفضون احتلال أي بلد من قبل بلد آخر.
لقد كانت الفرصة مواتية لشريكي الوحدة للاستفادة من حجم التأييد الجماهيري الواسع الذي أظهرته عملية الاستفتاء على الدستور لإيجاد آلية وأسس متينة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة النظام والقانون.
إن قيام دولة الوحدة الديمقراطية الحديثة قد مثل هدفا رئيسيا لجميع القوى السياسية والفئات الاجتماعية حاملة المشروع النهضوي الحديث، غير أن هذه المهمة اصطدمت بالعديد من الكوابح على المستوى الوطني منها سيطرة تحالف القوى التقليدية والطفيلية على جهاز الدولة الذي تم تسخيره لخدمة هذا التحالف المتناقضة مع مصالح غالبية الشعب كما اصطدمت هذه المهمة بعدد من العراقيل المرتبطة بالاختلاف الاقتصادي والاجتماعي بين أجزاء البلاد واختلاط المفاهيم المعاصرة المختلفة حول الدولة والمواطنة وضعف الموروث الديمقراطي والاستسلام المتوارث لمفهوم غلبة القوة على الحق والخضوع لحكم الفرد والتناقض المستمر بين النص الدستوري والقانوني وبين الممارسات في الواقع المعاش.
ففي الوقت الذي دخل فيها الجنوب الوحدة الذي كان يعتبرها وسيلة للالتحاق بركب التطور والرقي وفرصة مواتية لتوفير حياة كريمة للمواطن الذي ظل يحلم بالوحدة ويعتبرها ملاذه الأول والأخير . وكان يحذوه الأمل في بناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون دولة عنوانها الأمن والاستقرار والتقدم والرقي والعيش الرغيد.
كانت القوى التقليدية في الشمال تعتبر الوحدة غاية تم فيها إعادة الفرع إلى الأصل وبالتالي حرصت على إبقاء الأوضاع علىه ما هي عليها، و أخذت الأزمة بين شريكي الوحدة في الاتساع وبشكل متسارع وعلى وجه الخصوص عند تعرض العشرات من كوادر الحزب للاغتيال واستهداف قياداته التي طالت ال...آر..بي...جي منازلهم، وكانت هذه الأعمال هي البدايات الأولى للالتفاف على اتفاقيات الوحدة وتجميد العمل لبعض مواد الدستور حيث ظل الجيش جيشين والأمن مؤسستين والعملة عملتين والتعليم نظامين ، وتم فرض النظام المالي والإداري للجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئه خلافا لاتفاقيات الوحدة التي نصت على الأخذ بما هو أفضل من تجربة النظامين ، وجرى تشويه سمعة الاشتراكي وتسفيه تجربة حكمه للجنوب وتم تأليب خصومه السابقين من خلال استدعاء الصراعات التي شهدها الجنوب قبل الوحدة ، ورافق ذلك إيواء الجماعات الإرهابية المتطرفة العائدة من أفغانستان ( الأفغان اليمنيين والأفغان العرب ) واستخدامهم ضد شريك الوحدة كما شهدت الوحدات العسكرية حملة تحريضية واسعة ضد الاشتراكي بوجه خاص وسكان الجنوب بوجه عام حيث تم التعامل مع الجنوب كدار كفر.
خلاصة القول كانت هناك قوى ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح ومعه المؤتمر الشعبي العام والتحالف القبلي قادرة على تغيير شكل دولة الوحدة بما يلبي آمال وتطلعات الجماهير وتؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي والاجتماعي وغيره من المجالات لغالبية الشعب ... نعم، قادرة ولكنها لا ترغب.
وقوى أخرى ممثلة بعلي سالم البيض ومعه الحزب الاشتراكي اليمني وكافة قوى التحديث ترغب في بناء الدولة ولكنها غير قادرة.
إن الفشل الذر يع الذي منيت به المرحلة الانتقالية في انجاز وبناء دولة الوحدة دفع شريكي الوحدة إلى تمديد المرحلة الانتقالية ستة أشهر وهذه المدة لم تكن كافية لتنقية الشوائب العالقة في جسد الوحدة.
جاءت انتخابات 1993م وتزداد معها الأمور تعقيدا ووصلت الأزمة ذروتها بمنع حيدر العطاس رئيس الوزراء آنذاك من دخول صنعاء . وقد مثلت هذه الحادثة بمثابة إعلان الانفصال من قبل الشمال الذي كان يستعد للحرب ومهد لها بشكل واضح حيث تم إعلان الحرب من قبل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من ميدان السبعين في 27 أبريل 94م وكانت عبارته الشهيرة ( إنها حبلى وستلد قريبا ) كلمة السر التي أشعلت فتيل الحرب في محافظة عمران ، ولكون الجنوب كان ساحة لتلك الحرب العدوانية الظالمة فقد تعرض للاجتياح العسكري في 7/7 / 1994م وكان هذا الاجتياح وما رافقه من سلب ونهب حولت الجنوب إلى غنيمة حرب وحولت الوحدة الى احتلال كانت كفيلة بوضع بذرة القضية الجنوبية.

الآثار التدميرية لحرب 94م
لقد أفرزت حرب 1994م المزيد من الصعوبات أمام بناء دولة الوحدة والخيار الديمقراطي المعلن في البلاد ، نتيجة لاختلال موازين القوى الداخلية وتحولت الوحدة والتعددية الحزبية إلى شكل دون مضمون وغطاء لسيطرة الحزب الواحد وأصبح التبادل السلمي للسلطة أمرا مستحيلا لأن الديمقراطية لا يمكن أن تأتي أكلها إلا في ظل دولة تحكمها المؤسسات ، وليس في ظل دولة الدستور فيها لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب عليه ، دولة تحكم بقوة القانون لا بقانون القوة وتراجعت إمكانية البدء في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ، كما ضاعفت نتائج هذه الحرب من فرص تنامي الفساد وسوء استخدام السلطة بل وتفاقم نفوذ القوى التقليدية الطفيلية وتراجع بالمقابل نفوذ قوى التحديث.
لقد أدت حرب صيف 1994م المشئومة إلى نتائج مأساوية على وحدة 22 مايو 1990م ومضمونها الوطني السلمي الديمقراطي فدمرت الكثير من الموارد الوطنية المادية والبشرية وأحدثت تصدعات خطيرة في وشائج الوحدة وأخلت بالتوازنات الاجتماعية ومكنت القوى الاستبدادية المتخلفة المسيطرة على مقدرات الشعب والانفراد بالسلطة وإعادة إنتاج الماضي الشطري وتعرضت السيادة الوطنية للمخاطر.
لقد أظهرت نتائج حرب 1994م بأنه لم تكن تستهدف الحزب الاشتراكي اليمني و إقصائه من السلطة وإخراجه من مسرح الحياة السياسية فحسب بل استهدفت الجنوب الدولة والأرض والإنسان والثروة واتضح جليا بأن السلطة 7 يوليو أرادت من الوحدة الأرض والثروة دون الإنسان فما تشهده المحافظات الجنوبية من أعمال سلب ونهب للمرافق الحكومية والبسط على أراضي المواطنين وتسريح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين من أعمالهم قسرا وتدمير الأشكال الاقتصادية التي كانت قائمة في الجنوب والاستيلاء على ممتلكاتها وخصخصة القطاع العام وطرد العاملين من مصانعهم وصرف الأراضي لغير أبنائها والنهب المنظم للثروة وتزوير التاريخ وطمس الهوية وسرقة الآثار وتهريبها واستبدال الثقافة ، وتخلت الدولة عن القيام بواجباتها تجاه سكان الجنوب الذين خسروا الدولة وخسروا معها حقوقهم المكتسبة كالنظام والقانون والتعليم المجاني وتوفير وسائل النقل لطلاب المرحلة الابتدائية والسكن والتغذية للمرحلتين الثانوية والجامعية كما خسر العلاج المجاني وتوفير السكن والوظيفة والأمن الغذائي وتم القضاء على المنجزات التي تحققت لشعب الجنوب قبل الوحدة حتى المنجز الذي كان يفخر به أبناء الجنوب المتمثل بالقضاء على الفقر والجهل والمرض تم تدميره هو الآخر وعادت هذه الآفات بأبشع صورها وارتفعت نسبة الأمية والبطالة وتفشت الأمراض والأوبئة.

كما برزت بعض العادات والتقاليد الاجتماعية الدخيلة على المجتمع في المحافظات الجنوبية مثل إحياء دور القبيلة وإذكاء الصراعات والفتن وعودة الثأر والاقتتال القبلي، وهناك الكثير من السلوكيات المختلفة التي لم تكن مألوفة في الجنوب مثل نظام الرهائن وأجرة الطقم وأجرة العسكري والقيود والرسامة والهجر والمهجم والحفاظة والزقارة وغيرها من العادات المتخلفة التي لا تمت لوحدة 22 مايو بصلة.
إن ما عرضناه وغيرها من السياسات الخاطئة تم تبنيها بشكل رسمي من أعلى المراكز في الحكم بهدف طمس الهوية السياسية والتاريخية والثقافية للجنوب ليس هذا فحسب بل تعداها إلى ما هو أبعد من خلال قيام السلطة بممارسة العديد من السلوكيات الانفصالية ابتداء من الاحتفالات في 17 يوليو يوم تولي علي عبدالله صالح الحكم في الجمهورية العربية اليمنية إلى عزف النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية عند زيارة الرئيس لبعض البلدان ، والتمييز بين رواتب أسر شهداء انقلاب 26 سبتمبر وشهداء ثورة 14 أكتوبر ، ففي الوقت الذي يتسلم فيه أسر شهداء انقلاب 26 سبتمبر راتب ضابط يتقاضى أسر شهداء ثورة 14 أكتوبر 900 ريال.
إن هذا النموذج من السلوكيات تؤذي مشاعر أبناء الجنوب وقد أدت وخلال 19 عام إلى إبراز العديد من الأشكال المناهضة لوحدة 7/7/ ابتداء من حركة موج التي كانت تدعو إلى حوار من أجل وحدة قابلة للاستمرار إلى حركة حتم التي كانت تنادي بحق تقرير المصير إلى اللجان الشعبية وملتقى أبناء المحافظات الجنوبية وتيار إصلاح مسار الوحدة والتجمع الوطني الجنوبي (تاج) وقد كانت السلطة تقابل الدعوات إلى إزالة آثار حرب 1994م وإصلاح مسار الوحدة وإجراء مصالحة وطنية شاملة تؤدي إلى إنهاء آثار كافة الصراعات وإصلاح النظام السياسي وإقامة الحكم المحلي كامل الصلاحيات وإعادة جميع المبعدين والمفصولين إلى أعمالهم ووظائفهم بإذن من طين وأخرى من عجين ولم تأبه بالتحذيرات التي كانت تطلقها بعض القوى ، واستمرت في التعالي والغطرسة والتعامل بلغة المنتصر والتباهي بالوحدة المعمدة بالدم وأمام وضع كهذا غدا إصلاح البلاد من قبل هذه السلطة أمرا مستحيلا وأصبح في الوقت الراهن الحديث عن إصلاح النظام يعد خيانة وطنية عظمى لدى جمهور الحراك السلمي في الجنوب ، ومع ازدياد حجم المعاناة وتعدد وتنوع أشكالها كانت القضية الجنوبية تنمو وتتشكل وسط هذا الكم الهائل من المعاناة لتبرز إلى السطح وبقوة لا تقبل الكبح أو الفرملة
الثورة الشعبية السلمية في الجنوب
ومع استمرار تهميش وإقصاء الجنوب وإلغاء شراكته شعر الجنوبيين بأنه لا مجال للصمت فقد مضى خمسة عشر عاما على حرب 94م العدوانية الظالمة وهم يشاهدون بأم أعينهم دولتهم تتدمر وتاريخهم يزور وثرواتهم تنهب وأرضهم تستباح وحقوقهم تغتصب وهويتهم تطمس وثقافتهم تستبدل وآثارهم تسرق وتهرب وكل يوم يمر تزداد الأوضاع سوءا فقرروا الخروج عن دائرة الصمت والانخراط في الحركة الاحتجاجية السلمية التي يشهدها الجنوب منذ مارس 2007م وكان هذا الحراك السياسي تتنامى وتيرته يوما عن يوم متخذا شكل الاعتصامات والمسيرات السلمية والمهرجانات وكانت طليعة هذا الحراك هي جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين التي كانت تتولى الدعوة إلى هذه الفعاليات من منطلق ممارسة النضال السلمي الذي كفله الدستور والقوانين والتي تعد الإعتصامات والمسيرات والمهرجانات أحد أشكال هذا النظام ، وخلال فترة زمنية قياسية ليشمل كل فئات المجتمع وتصاعدت وتيرة الحركة الاحتجاجية بشكل غير مسبق.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه جمعية المتقاعدين في محافظة الضالع في أول مهرجان لها في مارس 2007 بدء الاعتصام المفتوح ، هذا الاعتصام الذي حظي بالتفاف جماهيري واسع ، كانت المحافظات الجنوبية الأخرى قد بدأت بتشكيل جمعيات المتقاعدين الواحدة تلو الأخرى ولم تمض على أول فعالية احتجاجية سوى بضعة أشهر إلا وأعلن عن تشكيل مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين هذا المجلس الذي ترأسه العميد الركن ناصر النوبة بدأ بتنفيذ أول فعالية مركزية للمحافظات السبع التي تشكل منها المجلس في السابع من يوليو 2007م في ساحة الحرية بحي حور مكسر نجح نجاحا كبيرا بالحضور المميز للمتقاعدين من المهرة إلى الضالع والتضامن الواسع من قبل الفئات والشرائح السياسية والاجتماعية الأخرى وقد شكلت الفعالية الاحتجاجية التي شهدتها محافظة عدن منعطفا جديدا حيث بدأت وسائل الإعلام المحلية بتغطية الفعاليات التي تنفذها الجمعيات قي بعض المحافظات وجرى التركيز والاهتمام بما أطلق عليه حركة المتقاعدين وقد ساعد في ذلك إقدام السلطة على منع إقامة فعالية الثاني من أغسطس في ساحة الحرية بخور مكسر وفشل وأقيمت الفعالية في ساحة الهاشمي وقد أدى التعامل الهمجي من قبل أجهزة الأمن التي واجهت الفعاليات السلمية بالرصاص الحي وسقوط الشهداء والجرحى واعتقال المئات إلى اتساع شعبية حركة المتقاعدين كما أدى إلى تشكيل أشكال جديدة لمناهضة الأوضاع القائمة ومن هذه الأشكال جمعية شباب بلاعمل وجمعية مناضلي الثورة وأسر الشهداء وجمعية الأكاديميين المهمشين والدبلوماسيين المتقاعدين.

بدأ الخطاب الإعلامي يرتفع تدريجيا بالمطالبة ببعض الحقوق مثل إعادة من سرحوا خلافا للقانون إلى تسوية الأوضاع والترقيات ورفع الرواتب إلى الشراكة في السلطة والثروة ومع دخول أشكال جديدة أرضية الملعب واستكمال تشكيل هيئات ملتقيات التصالح والتسامح في المحافظات التي تحولت في ما بعد الى المجلس الوطني الاعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب ارتفع سقف الخطاب الإعلامي للفعاليات ولم يعد يطلق على هذه الفعاليات حركة المتقاعدين ليحل محلها مصطلح الحراك الشعبي السلمي في الجنوب.

لم يكن يدور بخلد السلطة ان مطالب المتقاعدين تتطور ولم تكن جمعية المتقاعدين تتوقع دخول لاعبين جدد إلى الملعب وبالتالي تنامى وتعاظم الحراك واتسعت قاعدته وأخذ منحنى سياسيا آخر يتجذر بطريقة متسارعة وغدا الأمر أكبر بكثير من القضايا المطلبية للمتقاعدين وتبنى الشارع الجنوبي الهائج طرح القضية الجنوبية كأمر واقع وغدت مطالب الشارع أكبر من قدرات وإمكانيات قادة الحراك.
قابل ذلك تصرفات انفعالية متشنجة من السلطة التي واجهت تلك الفعاليات بالرصاص الحي والقنابل الغازية و الدخانية المسيلة للدموع راح ضحيتها الالاف الشهداء والجرحى والالاف المعتقلين شملت رموز وقيادات الحراك الذين تم اعتقالهم خلال مداهمة منازلهم عند ساعات الفجر الأولى من يوم 31/مارس 2008م تم نقلهم إلى معتقل الأمن السياسي بصنعاء وجرى محاكمتهم وسط حضور إعلامي وسياسي ومدني واسع ولم تنكسر عزيمتهم من هذه الأعمال ولكنها خدمتهم وخدمت القضيةالجنوبية ولم تفلح أساليب السلطة في إخماد جذوة الحراك ولكنها زادته اشتعالا وقوت عوده وصلبت بنيته ، ويمكن القول ان ما يجري في الجنوب هو انتفاضة شعبية سلمية مطالبة باستعادة الحق المسلوب جراء حرب 94م ، ويمكن أن يعرف بأنه ثورة شعبية ، والثورة كما يقول علماء الاجتماع (تنشب حين لا تستطيع الطبقة الحاكمة أن تحكم ولا تستطيع الطبقة المحكومة أن تعيش)
ويمكن تعريفه بأنه ردة شعبية عارمة على الاندفاع السريع نحو الوحدة الفورية الاندماجية الغير مدروسة .. وهذا الشعور سببه الهزيمة النفسية التي يعيشها المواطن الجنوب منذ ما بعد حرب 94م.
ومن قراءة ما سبق نرى بأن الأمر سيظل هكذا مهما مارست السلطة من أساليب الترقيع لأشلاء النسيج الاجتماعي الداخلي لكيان الوحدة ستضل المعادلة التالية هي السائدة : حراك يتنامى وتتسع قاعدته ويرتفع سقف مطالبه وأصوات تعلو تدعو إلى استعادة الوضع الذي كان قائما قبل الوحدة يعزز ذلك الطرح قناعة أصحابه بأن دعواتهم هذه تستمد مشروعيتها من قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحرب 94م (قراري مجلس الأمن رقم 924 و 931) وكذلك قناعتهم بعدالة قضيتهم التي يعتقدون بأن المجاهرة بها لا تضعهم تحت طائلة القانون كونها تدخل في نطاق حرية الرأي وليس هناك خطوط حمراء في دائرة حرية الرأي والتعبير في كل المقاييس والقيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا.
وسلطة لا تريد أن تعترف بأن هناك قضية اسمها القضية الجنوبية و ليست على استعداد للتخلي عن السياسات الاستعلائية القائمة على الاستقواء والإقصاء والتهميش وعدم الاعتراف بالآخر ولا زالت تستخدم شعار الوحدة المعمدة بالدم وتستمر في ممارسة السياسات التدميرية لكل ما هو جنوبي من حرب 94م العدوانية الظالمة وفي الوقت الذي تبدي فيه السلطة انزعاجها من الدعوة إلى استعادة دولة الجنوب وضعها الطبيعي إلى ما قبل 22 مايو 90م ، فإن تلك الدعوة لها رواجا واسعا وتلقى قبولا مباشرا لدى الشارع من قبل كافة المتضررين من النتائج الكارثية لحرب 94م وممن يكتوون بنار الغلاء ومن الأسر التي لا تجد تكاليف الدواء ولا نفقات التعليم ومن الشباب العاطلين علن العمل وطوابير الأميين الذين يشعرون بأن لا مستقبل لهم مع هذا النظام.
ثورة التغيير

مثلت ثورة الربيع العربي فرصة حقيقية لليمنيين للتخص من نظام الحاكم المستبد ففي فبراير 2011م خرج احرار وحرائر اليمن الى الشارع للمطالبة برحيل النظام حيث رابطوا في ساحات التغييرعاماً كاملاً نفذوا خلالها الالاف الفعاليات الاحتجاجية الغاضبة سقط خلالها الشهداء والجرحى وشهدت البلد خلالها صراعاً محموماً بين شباب يريدون اسقاط النظام ونظام يريد إسقاط مظاهر الدولة فلم تنجح الثورة في اسقاط النظام ولم ينجح النظام في اسقاط مضاهر الدولة الامر الذي دفع بالقوى الرجعية المتخلفة من لصوص الثورات وناهبي الارض والثروة الى اقتحام صفوفها واعلان تاييدها للثورة لكي يسهل لهل احتواءها وافراغها من مضمونها الحقيقي ونجحت في ذلك فجاءت المبادرة الخليجية لتغيير راس النظام حيث نتج عن هذه المبادرة صعود هادي الى سدة الحكم في انتخابات اشبه بالبيعة حيث تم مبايعة على رئاسة الدولة لمدة عامين وكذا جاءت حكومة الوفاق هذه الحكومة التي فشلت في اسقاط النظام ولم تنجح في استعادة مظاهر الدولة.
وهذا امر طبيعي فالمبادرة الخليجة التي رفضها شباب الثورة لم تكن ملبية لامال وتطلعات احرار وحرائر اليمن بل جاءت لتفتح افقاً جديدة للقوى التي اوصلت البلاد الى حالة انسداد في الافق السياسي هذا الانسداد انتج ثورة تطالب بالتغييروتعطيها فرصة للمناورة مرة اخرى واعادة الصراع على السلطة الى المربع الاول،وقد ادى هذا الى حالة من الانكسار جعلت الشمال اكثر تمزقاً من ذي قبل.
وسط هذا التعقيد وضبابية المشهد لم يجري تسوية الملعب السياسي للدخول في حوار جدي يفضي الى انتاج حلول حقيقية لكافة المشاكل التي تعاني منها البلد والتي ياتي في مقدمتها القضية الجنوبية وتم تشكيل اللجنة الفنية للحوار وفقاً لاسس المحاصصة بين طرفي الصراع المشترك وشركاءه والمؤتمر وحلفاءه ولم تستطع اللجنة الفنية من انجاز مهامها على اكمل وجه وتم تمديد عملها اكثر من مرة ،ولكنون اليمن خاضع للوصاية الدولية كان الحاح المجتمع الدولي على الاطراف المتصارعة على السلطة بضرورة التقيد بالالية التنفيذية المزمنة فتم الاعلان عن انتهئ اللجنة من انجاز مهامها تحت ضعط عامل الوقت
حيث تم تجاهل اجراءات استعادة الثقة التي تقدمت بها بعض القيادات الجنوبية في الخارج والمتمثلة في:
1- يصدر بيان سياسي موثق دولياً من قبل الحكومة وكافة القوى السياسية التي شاركت وباركت اجتياح الجنوب في 1994م , يعبر عن إدانة حرب 1994م والاعتذار لشعب الجنوب عنها, وعن كل ما تعرض له من أذى , والاعتراف والقبول الصريحين بحقه في تقرير مصيره , عبر الوسائل الديمقراطية , وبطريقة حرة وشفافة , وبما يصون وشائج الإخاء والمحبة والتعاون والتكامل والشراكة ويضمن انسياب مصالح الشعب شمالاً وجنوباً ويعزز أمنه واستقراره ونماءه كحق شرعي تكفله كافة المواثيق الدولية وبنود القانون الدولي.
2- البدء بتشكيل لجان حيادية متخصصة لإزالة اثأر الحرب بكافة إشكالها.
3- إلغاء الفتوى سيئة الصيت التي صدرت بحق الجنوبيين في حرب صيف 1994م وما تلاها من فتاوى وكذا الإحكام الصادرة بحق قيادات جنوبية بالإضافة إلى الإحكام التي صدرت بحق المناضلين الجنوبيين في الحراك السلمي الجنوبي والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ورعاية اسر الشهداء ومعالجة الجرحى وتعويضهم.
4- سحب القوات العسكرية من المدن.
5- إطلاق حرية الصحافة وفي مقدمتها صحيفة (الأيام) , مع الإفراج عن سجينها المحكوم عليه ظلماً , وتعويضها تعويضاً كاملاً بما يمكنها من إعادة الإصدار.

الإجراءات الضامنة :-
المرجعية :-
1- محلياً :- شعب الجنوب.
2- إقليميا :- بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بابها في 5 / 6 / 1994م.
3- دولياً :- قراريّ مجلس الأمن الدولي " 924 " و " 931 " للعام 1994م.
التمثيل :-
1- يمثل الشمال والجنوب في الحوار بصورة ندية ومتساوية , وبالصيغة التي يتفق عليها.
2- سيمثل الجنوب بوفد موحد تحت مضلة الحراك الجنوبي السلمي , بتمثيله الشامل لكل الأطياف السياسية والاجتماعية.
رعاية ومكان الحوار :-
1- يعقد الحوار في مقر مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية أو في احد مقرات الأمم المتحدة.
2- يعقد الحوار تحت رعاية وضمانة إقليمية ودولية.
ناهيك عن عدم تنفيذ العشرين نقطة التي قدمها الاشتراكي ووافق عليها تكتل اللقاء المشترك واقرتها اللجنة الفنية للحوار وقد أضهر هذا التجاهل او الرفض عدم جدية الاطراف السياسة في صنعاء لتعاطي مع القضية الجنوبية بشكل جدي وما زاد الامور تعقيداً هو تناسل مكونات جنوبية جديدة تتبنى القضية الجنوبية خلافاً لقناعات شعب الجنوب التي عبر عنها بمليونيات متتالية فكل طرف من اطراف الصراع ضم في قائمة شخصيات جنوبية مولية له ولذا تعددت وجهات النضر بتعدد وفقاً لقناعات مراكز القوى في صنعاء فهناك من الجنوبيين المشاركين في الحوار والمحسوبين على التجمع اليمني للاصلاح وعلي محسن الاحمر من يتبنى الحكم المحلي الكامل الصلاحيات كحل لكل المشكلات بما فيها القضية الجنوبية وهناك جنوبين محسوبين على هادي وبقايا النظام يرون بان الفدرالية من عدة اقاليم هي الحل واخرين محسوبين على الاشتراكي يتبنون مشروع الدولة الاتحادية باقليميين جنوبي وشمالي دون ان يعرف حل هي مزمنه تنتهي باستفتاء ام لا.
كل هذه التناقضات تغرد خارج السرب ولا تحضي بتايد شعب الجنوب وصار الجنوبيون المشاركون في حوار بين مطرقة شعب الجنوب وسندان مراكز القوى في صنعاء فما ان ينحازوا الى شعبهم ويتبنون خياره الجامع المتمثل باستعادة الدولة واما ان يلتزمون بتوجيهات الجهات التي تتبناهم فهم في وضع لا يحسد عليه.
صعوبة الوضع في الجنوب

على الرغم من ان المزاج السائد في الجنوب مع مشروع استعادة دولة الجنوب لوضعها السابق الا ان هناك من يرى بان الجنوب لا يستطيع ان يقف في وجه المجتمع الدولي المؤيد للحوار الوطني لحل كافة القضايا الوطنية وفقاً للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذة بما فيها القضية الجنوبية، واعتبار القضية الجنوبية قضية وطنية مثلها مثل قضية صعدة وغيرها من القضايا الأخرى المطروحة على طاولة الحوار امر مرفوض من قبل كل هيئات ومكونات الثورة الجنوبية الفاعلة.
ان استقوى القوى المناهضة للقضية الجنوبية والتي لا تريد ان تعترف بانها قضية سياسية بامتياز قضية دولة دخلت في مشروع وحدة مع دولة اخرى وان هذا المشروع قد فشل لا يؤدي الى حل القضية الجنوبية بل يزيدها تعقيداً.
تمر القضية الجنوبية بمرحلة من اصعب المراحل خطورة وتعقيداً، فالأوضاع التي انتجتها ثورة الشباب على ضوء تطورات المشهد السياسي ودخول العامل الدولي والإقليمي كلاعب اساسي، وتحكّمه بمفاتيح وقواعد اللعبة، جعلت الجميع يقف على رمال متحركة يصعب على المرء معرفة نتائج تحركها او الإتجاه الذي تتحرك فيه، ووسط هذه التعقيدات تظل القضية الجنوبية هي المستهدف الأول لإبتلاع تلك الرمال اذا لم نحسن التقدير ومكان الوقوف.
ظل الحراك عصي المنال حيث كان تماسك جماهيره أشبه بالكتلة الصخرية الكبيرة التي يصعب زحزحتها فكان لا بد من تفتيتها من الداخل، حيث سعى نظام الإحتلال إبان الرئيس المخلوع علي صالح إلى إتباع اساليب عديدة لوأد الحراك من ترهيب وترغيب الى استخدام القوة المفرطة تجاه الفعاليات الاحتجاجية، إلا إن تلك الوسائل باءت بالفشل فلجاء إلى إختراق الحراك عبر بعض القيادات وتمكن من تمزيق القيادات وجرى دفعها للعمل ضد بعضها البعض، ولم يفلح في شق الجماهير على الرغم من تشجيع الأعمال الإجرامية الدخيلة على المجتمع الجنوبي، ونسبها للحراك بهدف الإساءة للحراك وتشويه أهدافه وغاياته إلا أن الحراك الذي كان يدين تلك الأعمال تمكّن ومعه مواطني تلك المناطق التي جرى استهدافها من التصدي الحازم لمرتكبي تلك الأعمال الإجرامية.
ان حجم التحدي الذي تواجهه القضية الجنوبية كبير فبالاضافة الى ضبابية المشهد السياسي ياتي اصرار القوى المشاركة في الحوار على حل القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة ليضاعف حجم المشكلة وتضخمها فاذا ما نضرنا الى المحاور التي حددت للقضية الجنوبية ( المحور الاول :محتوى القضية / الحور الثاني كيفية حلها / المحور الثالث ضمان عدم تكرار ما حدث) نجد بان المتحاورن قد اعدوا الطبخة سلفاً وهو ما افصح عنه الرئيس هادي في احد المناسبات عندما اشار الى ان البلاد سيتم تقسيمها الى ستة اقاليم وان عدن ستكون اقليم اقتصادي لحالها، وهذا عزز قناعة الجنوبيين بعدم جدى الحوار المعروفة نتائجه سلفاً ولم يقتصر الامر على ذلك فقط بل تعداه الى ما هو ابعد ويمكننا ان نشير الى السيناريوهات المحتملة للجنوب، فعلى الرغم من ضبابية وتعقيدات المشهد، وإختلاط الأوراق وإمتزاج الألوان إلا اننا نحاول قراءة الجزء الأهم من المشهد وهي القضية الجنوبية، وسنضع عدد من السيناريوهات المحتملة للجنوب، وكيف يتم التعامل معها من قبل الحراك ونوجزها على النحوالتالي:
السيناريو الأول
ويتمثل في التفتيت من الداخل، ويأخذ هذا السيناريو مسارين محلي واقليمي، فالمسار المحلي آخذ على عاتقه تفتيت المجتمع الجنوبي، فوجد بقايا النظام في بعبع التجمع اليمني للاصلاح ضالتهم وتم تكليف بعض القيادات الجنوبية المعروف عنها ولاءها المطلق للرئيس المخلوع علي صالح بالثأر من التجمع اليمني للإصلاح الذي يتهمه صالح بالوقف وراء ثورة الشباب والاطاحة به، فتم دغدغت مشاعر بعض قوى الحراك وجرى تحريضها ضد التجمع اليمني للإصلاح مذكّرين بمواقفه ضد الجنوب في حرب 94م العدوانية الظالمة، وتم استحضار فتوى الديلمي لتاجيج روح العداء للإصلاح ،وقد نجحت هذه الخطة من خلال الدفع بالحراك لخوض حرب بالإنابة عن المؤتمر الشعبي العام، وشهدت عدن والمكلا العديد من المصادمات بين شباب الحراك وشباب الإصلاح، وكان ضحايا تلك الصدامات جنوبيين، وكذلك الحال فعل الحوثيون حيث ردوا على حشد الإصلاح لبعض الجماعات السلفية لخوض حرب ضدهم في دماج فاتجهوا جنوباً وعلى وجه الخصوص حضرموت، و بطبيعة الحال خسر التجمع اليمني للإصلاح الكثير من شعبيته إلا ان المجتمع الجنوبي كان الخاسر الاكبر، فبوادر الحرب الأهلية لا زالت قائمة وهناك إحتمال للدفع بها في أي وقت لاسيما في محافظة عدن التي يوجد فيها لاعبيين كُثر وكل طرف منهم يريد ان يصفي حسابه مع الطرف الآخر ولكن بأدوات جديدة ولباس جديد هو القضية الجنوبية.
التجمع اليمني للإصلاح الذي يشتغل بصمت ودون ضجيج لا يمكن ان يظل مكتوف الأيدي ولن يسمح للآخرين ان يخرجوه من الجنوب خالي الوفاض، فلديه الكثير من الأوراق والقوى الجنوبية التي يمكن استخدامها ومنها الجماعات السلفية الجنوبية والتي يتم تجنيدها لقتال الحوثيين في دماج يمكن استخدامها في الجنوب لمواجهة المد الشيعي الذي تجري التهيئة الإعلامية لها، وفي اعتقادي أن حرب دماج بمثابة فترة تدريب لتلك القوى لخوض الحرب القادمة ضد اخوانهم الجنوبيين، ناهيك عن النشاط المحموم للواء "علي محسن الأحمر" والنفوذ والتاثير الكبيرين الذي يتمع به لدى فئات واسعة في الجنوب سياسية عسكرية وقبلية ودينية.
المسار الاقليمي أخذ على عاتقه تمزيق الحراك وتعد السعودية اللاعب المحوري فيه حيث تنامى دورها وبشكل ملحوظ بعد ان لوّح "علي سالم البيض" باللجوء الى إيران حيث دفعت بخروج السلطان القعيطي ودفعت ببعض القوى المعروفة بارتهانها التاريخي للسعودية وجرى دفعها الى داخل الحراك وعملت تلك القوى على تبني الهويات والكيانات المحلية التي كانت قائمة في الجنوب قبل الإستقلال وعاد علم الجنوب العربي للظهور مرة اخرى الى جانب صور بعض السلاطين وبرز ذلك بوضوح في جمعة "باعوم" من خلال تبني بعض الأطراف في الحراك الجنوبي رفع العلم السعودي وصور "الملك عبدالله" وولي عهده الأمير "نايف بن عبدالعزيز" والتصدي لذلك من قبل البعض الآخر.
السعودية التي أرادت ان توجه رسالة ل"علي سالم البيض" ومن خلاله إلى ايران تمتلك الكثير من الأوراق يمكن استخدامها في حربها ضد إيران من خلال الدفع بأطراف جنوبية لخوض حرب بالإنابة عنها تكون الجنوب ساحتها، وقد ساعد في ذلك تصريحات بعض قيادات الحراك وترحيبها بدور إيراني في الجنوب وقيام بعض الوسائل الإعلامية تبضخيم ذلك الدور حيث ذهبت للحديث عن الكفاح المسلح وتلقي بعض الجماعات لتدريبات عسكرية في لبنان على يد حزب الله وفي صعده على يد خبراء حوثيين، وغاب عن تلك الوسائل بأن الجنوبيين إذا ما قرروا الإنتقال إلى الكفاح المسلح ليسوا بحاجة للتدريب لا في لبنان ولا في صعده فلديهم جيش مؤهل في مختلف التخصصات جرى اقصائهم وتسريحهم قسراً وهم في الميدان يخوضون نضال سلمي منذ خمس سنوات خلت.

السيناريو الثاني
عودة نشاط تنظيم القاعدة وتسهيل مهمته للسيطرة على المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها الحراك الجنوبي ويتزامن ذلك مع خطة لدفع الحراك إلى العمل المسلح لكي يظهر للعالم بان رفضه للغة الحوار قد تم استبدالها بلغة البندقية، وقد بدأ ذلك واضحاً من خلال حملة الإساءة والتشهير بالحراك ووصفه بالحراك المسلح تارة وبمسلحي الحراك تارة اخرى، وبالتالي يتم إقناع المجتمع الدولي بأن الحراك غير مؤهل ليكون شريكاً فاعلاً وقادراً على إستيعاب المتغيرات الدولية، لتأتي قوى أخرى تتحاور بأسم الجنوب وستكون طرفاً في شراكة المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب وسيؤدي ذلك إلى تحرير المناطق التي يسيطر تنظيم القاعدة كما جرى تحرير مناطق ابين من انصار الشريعة ، وسيعمل الفاتحون الجدد.
وبدعم أقليمي ودولي على تكريس الوضع القائم في الجنوب والذي يصفه الجنوبيين بالاحتلال بأدوات جديدة.
السيناريو الثالث
السعي لتحويل عدن إلى عاصمة سياسية للجمهورية اليمنية بهدف تغيير التركيبة السكانية في الجنوب وإستكمال الإستحواذ على ما تبقى من أراضي وثروات، وبالتالي يصبح خيار الاستفتاء على حق تقرير المصير لا يشكل أي خطورة على بقاء اليمن موحداً وقد أخذ معدوا هذا السيناريو بعين الإعتبار ضغط المجتمع الدولي على المتحاورين للقبول بالفيدرالية الثنائية بين الشمال والجنوب وقد بدأ بالفعل مناقشة هذا الأمر مع جمال بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن حيث يضع أنصار هذا الطرح مبررات عديدة منها توفير شروط ومقومات بناء الدولة المدنية الحديثة ومنها نقل العاصمة من صنعاء الى عدن، وبطبيعة الحال تحويل عدن إلى عاصمة سياسية سيؤدي إلى نمو اقتصادي وتحسن مستوى الخدمات وتوفير العديد من فرص العمل كما أن قرب محافظات الجنوب الأخرى من مركز صناعة القرار سيكون له تأثير على تلك المحافظات وسيحل الكثير من المشاكل.
ومع مرور الوقت تتلاشى دعوات فك الارتباط، وفي اعتقادي الشخصي بأن هذا السيناريو لا يكتب له النجاح وفرص نجاحها ضئيلة جداً لأن قرار كهذا لوكان أتخذ عقب حرب 94م يمكن أن يكون علاجاً ناجعاً لمشكلات الجنوب، اما اليوم وبعد خمس سنوات من الثورة الشعبية السلمية لا يمكن تحقيق هذا السيناريو على الأرض لأنه سيواجه بمقاومة من كل فئات المجتمع الجنوب ولذا سيكون الرهان على هذا الأمر خاسر.
السيناريو الرابع

تحيير الدعوة التي برزت من حضرموت والمتمثلة في اعتماد حضرموت كإقليم سواء كان في إطار الوحدة او في إطار دولة الجنوب بعد فك الارتباط حيث تم استغلال مثل هذا الطرح لتبني خيار الفيدرالية من عدة أقاليم يكون حضرموت أحداها، ويراهن هذا السيناريو على تجاوب بعض القوى في حضرموت حيث تم الترويج لمثل هذه الدعوات من قبل وسائل إعلام النظام وهذه احد الأوراق التي تستخدمها المملكة العربية السعودية .
يبدو أن القوى النافذة قد استوعبت المتغيرات التي أنتجتها ثورة الشباب والتي جعلت الشمال أكثر انقسام، لذا لا يروق لهم تفكك الشمال دون إن يتم تقسيم الجنوب، لأن تقسيم الشمال إلى أقاليم لا يمكن أن يتم وفقاً لأهواء الأطراف التي تعتقد أنها خرجت منتصرة في صراعها مع نظام صالح فهناك الحوثيين اللذين يسعون لإقامة ولاية الفقيه واللواء علي محسن الأحمر ومع الكثير من القوى القبلية يخططون للعودة إلى الحكم وأحزاب المشترك تريد تبادل سلمي للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة وحقوق وحريات، والشباب اللذين خرجوا في ثورة وتم وائدها يرون بان الفرصة لازالت مواتية لإقامة الدولة المدنية الحديثة ، ودعوات إقليم تعز وأب والبيضاء والقضية التهامية وغيرها من الانقسامات أي إن الشمال مجزئ الهم ومجزئ الهدف عكس الجنوب الموحد الهم والهدف .
ولذا لا يوجد مخرج للشمال من هذا الانقسام إلا رفض الجنوب لفدرالية الأقاليم والقبول بالفدرالية الثنائية وهو الخيار المناسب للحفاظ على الشمال من التفكك .


لماذا يرفض الجنوبيون الحوار؟
إن الجنوبيين لا يرفضون الحوار من حيث المبدأ ولكنهم يرون بان إغفال للقضية الجنوبية والتي لم تشير إليها المبادرة الخليجية ولا آليتها التنفيذية إلا بجملة فضفاضة – الحفاظ على وحدة اليمن وحل القضية الجنوبية في الإطار الوطني ، ومثلها القرارين الدوليين رقمي 2014و2051 اللذان أشارا إلى نفس التأكيد ، وكلاهما لم يأتيا بما يعول عليه الجنوبيين أو اعتباره لفته إقليمية ودولية لقضية شعب يقاوم سلميا وضع احتلالي وقع تحت قبضته في 7/7/1994م ويخوض ثورة سلمية عارمة منذ 2007م وواجه القمع البشع بصدور عارية وقدم في سبيلها الآلاف الشهداء الجرحى والمعتقلين ، وفوق تجاهل قضية هذا الشعب المغلوب على أمره منذ تلك الحرب العدوانية الظالمة التي قضت على وحدة 22مايو 1990م وألغت شراكة الجنوب وحولته إلى غنيمة حرب أرضا وثروة وإنسان وفرضت عليه بالقوة نظام الجمهورية العربية اليمنية وقوانينها وولت عليه موظفيها لإدارة شؤونه بالطرق التي تحلوا لهم ، ولم يبقى للوحدة اثر يذكر ، حيث حل محلها حكم الجمهورية العربية اليمنية ، وتحولت الجنوب إلى بلد مستعمر من قبل الجمهورية العربية اليمنية وباعتراف الرجل الثاني لنظام الرئيس المخلوع علي صالح بل ويقال انه الرجل الأقوى بالنظام المذكور – الجنرال – علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع الذي أكد علناً في خطابه بمناسبة أعياد سبتمبر وأكتوبر نشرته صحيفة الأولى العدد 259 في 8/11/2011م ان النظام حكم الشمال بالاستبداد وحكم الجنوب بالاستعمار ، لذلك فعن أي وحدة يا ترى تؤكد المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن الدولي رقم 2014و2051 الذين ما كان لهما إن يؤكدا على وضع مات منذ قرابة 18عام وقد شبع موت ولم يعد له أثر في ذاكرت الشعب الجنوبي الذي تجرع طيلة هذه السنوات ويلات الإباحية والاستحلال التي أهدرت كل الحقوق الإنسانية بما في ذلك حق الحياة والتي ما زالت تلقي بضلالها حتى اليوم
الذي كان يتطلع إن يأتي قراري مجلس الأمن الولي 2014و2051 بخارطة طريق لتنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 924و931 الخاصة بحرب 1994م الذين نصا على رفض الوحدة بالقوة والحوار بين طرفي النزاع ومحاكمة النظام على جرائمه بحق لجنوب ، وان تأتي المبادرة الخليجية بخارطة طريق لقرار أبها رقم (51) الصادر عن مجلس

التعاون الخليجي إبان حرب صيف 1994م وكذا بيان الكويت حينها اللذان أكدا إن الوحدة جاءت بالتراضي وان استمرارها يجب إن يكون بالتراضي 0
لكن ذلك لم يحصل للأسف الشديد وما يمكننا قوله إن القرارين والمبادرة لم يلامسا السبب الأساسي والرئيسي للازمة اليمنية المستحكمة لا من قريب ولا من بعيد وان ما تضمنته لن يحل الازمة0
نرى بإن حل هذه الأزمة مرهون بحل القضية الجنوبية ، وكون شعب الجنوب صاحب الشرعية الوحيد في تحديد خياراته وتقرير مصيره بنفسه كسائر شعوب الارض0
فان الحل الجذري والنهائي للقضية الجنوبية يمكن فقط من خلال العودة إلى شعب الجنوب نفسه وتنظيم استفتاء شفاف ونزيه وبإشراف دولي ليتخذ شعب الجنوب القرار الذي يرتضيه بإرادته الحرة ودون أي ضغوط او وصاية من احد ، وان ينفذ قراره فورا ، هذا هو الحل الأفضل والسليم لإخراج البلاد من الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وما يوجد إمكانيات حقيقية قوية لتعاون حقيقي قوي في مكافحة إعمال القرصنة وفي الحرب ضد الإرهاب 0
كيف يتم التعامل مع هذا الوضع من قبل قوى الحراك؟

نستطيع أن نقول بأن الحراك الجنوبي كان حدثاً تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولذا فان مرحلة ما بعد الحراك ليست كمرحلة ما قبله وكذلك الحال مرحلة ما بعد 21 فبراير ليست كما قبلها، ويجب علينا أن ندرك بأن القضية الجنوبية تمر بمرحلة من أصعب المراحل فالمخاطر والمؤامرات تحدق بها من عدة نواحي، ولكون الحراك الجنوبي السلمي هو من أخذ على عاتقه تصدر النضال وتمكن من إخراج القضية الجنوبية إلى النور وجعلها رقم صعب، فأمر طبيعي ان أي محاولات تهدف إلى ضرب القضية الجنوبية لا يمكن إن تتم إلا من خلال ضرب الحراك،ولذا تم اختراق الحراك بشتى الطرق والوسائل وأدى هذا الاختراق إلى تعدد المكونات وتناسل الهيئات وبشكل مخيف وعلى وجه الخصوص خلال فترة ثورة التغير وبعد صعود هادي إلى سدت الحكم ، وكان هذا الاختراق واضحاً وجلياً من خلال انتشار بعض المظاهر الفوضوية وإعمال القتل والتقاطعات وغيرها من المظاهر المسيئة بهدف تشويه سمعت الحراك ورافق ذلك حملة إعلامية منظمة استهدفت الحراك وعملت على تشويه سمعته وهزة ثقة الناس فيه إلى إن عدالة القضية التي يحملها الحراك كانت الحصن الحصين ولم تستطع إضعاف معنوية الجماهير ولم تؤثر على قناعاتهم لإدراكهم بان من يقوم بمثل هذه الإعمال لا يمت للحراك بصلة وان أجهزة امن واستخبارات النظام هي من يدعم تلك الإعمال وإذا كانت الاختراق في هذا الجانب واضح للعيان فان هناك اختراق أخر اخطر منه هو وجود بعض القيادات في هيئات ومكونات الحراك أخذت على عاتقها مهمة تجزئة المجزئ ومنع إي تقارب أو اتفاق جنوبي ووسعت الشرخ حتى في إطار المكون الواحد إلا إن أصبح في الساحة الجنوبية مجلس الحراك (أ) ومجلس الحراك (ب) والمجلس الوطني (أ) والمجلس الوطني (ب) وتاج (أ) وتاج (ب) وكذلك المكونات الشبابية فهناك اتحاد شباب الجنوب (أ) واتحاد شباب الجنوب (ب) والحركة الشبابية والطلابية وحركة 16 فبراير ، وغيرها من المكونات الشبابية التي لا تحصى ولا تعد .
ولذا فان على هيئات ومكونات الحراك لملمت شعثها وتحصين الحراك وتنقيته من الشوائب العالقة في جسده لأنه لم يعد إمامهم متسع من الوقت لاستمرار العبث في مسار الثورة الجنوبية الشعبية السلمية التي كانت رائدة ثورات الربيع العربي.
إن من يعتقد بأن انتصار القضية الجنوبية بالأمر الهيّن، وان فعالية هنا وأخرى هناك هو أقصى ما نستطيع ان تعمله اعتقاداً خاطئ ، فالمرحلة التي نمر بها اليمن تختلف تماماً عن سابقاتها، لذا فنحن بحاجة إلى نمط جديد من النضال وأدوات جديدة يكون السياسي فيها هو المتصدر، ولا نقلل من القيادات الميدانية ولا من دورها الذي سيكون بطبيعة الحال معززاً للدور السياسي، ولكي نستطيع إن ننتقل بأدائنا إلى الأفضل بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة ونجيد تقدير الأمور فإننا نرى بأن على الحراك إذا أراد إن يواجه حجم الأخطار والمؤامرات إن يقرأ ماذا يلوح في الأفق؟ وإذا ما افترضنا صحة السيناريوهات التي أشرنا إليها سلفاً فانه يتبادر إلى أذهاننا سؤال: كيف ستتعامل هيئات ومكونات الحراك مع مستجدات الأوضاع؟
وللإجابة على هذا السؤال فإننا نطرح جملة من المقترحات وهي عبارة عن خطوات ضرورية وملحة يجب القيام بها لكي تتمكن هيئات ومكونات الحراك من مواجهة المخاطر التي تحدق بالثورة الشعبية الجنوبية السلمية وهي تتمثل في الأتي:
ا*لحفاظ على سلمية الحراك وعدم السماح له بالانجرار إلى دائرة العنف
* الإيمان بأن الحوار ضرورة لا يجب الهروب منها لما له من أهمية قصوى وعلى وجه الخصوص أن هناك راع دولي بيده مفاتيح القرار، فهل نستطيع أن نقدم أنفسنا للمجتمع الدولي كشريك فاعل في رسم آفاق المستقبل في الجنوب مستفيدين من حالة التمزق والشتات التي يعانيها الشمال لكي يعرف العالم اجمع بأنه لا يوجد شريك حقيقي في صنعاء ليدخل معه الجنوبيين في حوار ندي .
*البدء بالحوار الجنوبي - الجنوبي والانخراط في حوار جدي مع كل قوى ومكونات الحراك السلمي الجنوبي بهدف إيجاد شكل من إشكال التحالف او التنسيق بما يمكن من عقد مؤتمر وطني جنوبي تشارك فيه كل القوى الجنوبية بمختلف انتماءاتها ومشاربها السياسية الفكرية والاجتماعية لاختيار قيادة سياسية وأخرى ميدانية تكتسب شرعيتها من خلال هذا المؤتمر تكون قادرة على انجاز مهام وأهداف الثورة وهذا سيمكننا من الانتقال من الرمال المتحركة ألي أرضية صلبة وحينها نستطيع ان نقدم أنفسنا للمجتمع الدولي كشريك حققي وفاعل.
*قيام بتحرك دولي وإقليم لكسب أصدقاء وتغيير موقف الأشقاء من القضية الجنوبية لمساعدة شعب الجنوب في الخروج من وضعه الحالي.
*العمل على إيجاد تحالفات تؤدي إلى تعزيز موقفنا التفاوضي وتكسبنا أنصار وتضعف الطرف الآخر، ولذا علينا عدم استعداء كل الشمال.
*عدم الانجرار إلى إي مصادمات مع أي أطراف جنوبية مهما كانت خلافاتنا معها، ورفض الدخول في حرب بالإنابة عن الآخرين يكون الجنوب ساحتها.
*مناصرة مطالب أحرار وحرائر الشمال وعلى وجهة الخصوص الحراك التهامي وحراك أبناء المناطق الوسطى وتأييد مطالبهم في أن يكونوا لهم أقاليم في إطار الشمال تمكنهم من حكم أنفسهم، وكذلك الحال بالنسبة للحوثيين ، بمعنى أدق نقل الصراع إلى الساحة الشمالية لأن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.
*معرفة اللاعبين الفاعلين في الساحة الجنوبية وتقييمهم تقييم حقيقي ومعرفة حجم كل طرف وارتباطاته الداخلية والإقليمية والدولية ،وهذا ينطبق على اللاعبين الخفيين في الحراك والأيادي التي تحركهم وما هي مصلحتها في ذلك لأن ارتفاع أعلام بعض الدول وصور زعماءها ومواليها من الجنوبيين لم يأت اعتباطا، وعلينا فضح الأشخاص والهيئات المتورطة بهذا العمل.
*النأي بالقضية الجنوبية عن أي صراع إقليمي وعدم السماح باستخدام القضية الجنوبية للابتزاز السياسي من أي طرف كان.
وبعد إن استعرضنا كل تلك الأمور فأنني أريد ان اطرح رأيي كباحث بان الرهان على بناء الدولة رهان خاسر لان الشمال لا يستطيع ان يعيش داخل الدولة بحكم تركيبة القبيلة وعقيدة السياسية السائد التي بني عليه النظام تكرس المفهوم القبلي ويغذي روح التملك والاحتواء وتمجيد الرمز القبلي والعسكري ومنطق القوة مع عدم قدرة الشريحة المثقفه من العمل بإيجابية لتغيير هذا المفهوم.
الجنوب لا يستطيع إن يستمر في العيش خارج الدولة ، إن كل المؤشرات تدل بان مخرجات الحوار لا يمكن تنفيذها على ارض الواقع في الجنوب، وان سير وإجراءات الحوار بنفس الشاكلة التي تمت لا تحل القضية الجنوبية فأي خيارات ما دون استعادة الدولة قد أسقطتها النخب الشمالية من خلال موقفها السلبي من كل الأطروحات التي طرحها الجنوبيون بما فيها خيار الفدرالية واستمرار تعامل الشمال مع الوحدة وكأنها مقدس لا يجب محاكاته فما بالك بالمساس به .
ولذا فان استعادة دولة الجنوب بات ضرورة وليس خيار لأنه سيمثل عامل امن واستقرار لدولة المنطقة وسيؤدي إلى علاقة متميزة مع الشمال تضمن انسياب المصالح لكلا الشعبين
الكاتب والمحلل السياسي
احمد حرمل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.