في بلاد الكفار يكون الخريف مدخلا إلى الشتاء والثلوج بينما هنا في هذا الوطن المجازي الخريف باب للقيظ والحر وأنطفاء الكهرباء وإنقطاع الماء وإرتفاع الأسعار وإنهيار العملة وتلاشي ما تبقى من ريحة الدولة المنتنة
في بلاد الكفار حيث يسود العدل تكون أبرز علامات الخريف إصفرار الأوراق إيذانا بتساقطها وكأن الأشجار تطمث إستعدادا لموسم الإخصاب القادم بينما في بلاد الإيمان التي يكون أبرز المفقودين فيها هو العدل تتساقط الأجساد جوعا ووجعا وقهرا ويأسا وإحباطا وقتلا وخنوعا وذلة وتبعية وتتهافت الأرواح المثقلة بالهموم والغموم والكربات على أبواب السماء راجية الخلاص ومكتفية بالعمر الذي مضى وإن كان قليلا في مدته فقد كان طويلا بعذاباته وطوابيره وأزماته وحروبه وأوبئته
أصبحت كل أعمارنا خريف وكل ألواننا صفراء وكل أيامنا أوراق تتساقط فتصبح هشيما تذروه الرياح
من نحن؟
لم نعد نميز أنفسنا هل نحن أنس أم جان؟هل نحن حيوانات أو جمادات أو صخور أو خلق آخر لا يوجد ما يميزه سوى الحروب والقتل والأمراض والجوع والفقر والظلم والجهل . هل نحن مسلمين أم كفار؟
نحن كتلة صماء على هامش الحياة نقلق حين نبتسم ونخاف حين نضحك ونقول اللهم ضحكة خير وكأن من خلقنا حرم علينا الضحك والسعادة وأمرنا بالتجهم والقلق والخوف من المستقبل الذي لن يكون أهون من الحاضر ولن يكون أشد وطأة أو هكذا يبدو
ظللنا ثلاثين سنة نعاني الوجع ولا نتوجع ونمارس الألم ولا نصرخ وحين هبت عواصف الحزم والأمل من جيراننا أستعدنا القليل من الأمل وأصبحنا نتنفس القليل من سعادة ولبرهة من الزمن لاح لنا نور باهت في نهاية نفقنا المظلم من لحظة إنهيار السد وبدأنا نشعر لوهلة أن لنا أرواح ومشاعر وأحاسيس وبدأنا نقدر ما تبقى من أعمارنا لكن وما أصعبها (ولكن) تحول الحزم إلى وهن وفشل عريض وتحول الأمل إلى صحراء من القنوط واليأس وأكتشفنا كم كنا بلهاء وسذج وأغبياء حين وثقنا أن للثعلب دينا وحين كنا على يقين أن الفاشلون يصنعون النجاح وأن الأتباع والذيول يمكن أن يصيروا بين عشية وضحاها متبوعين ورؤوس
هانحن بعد ست سنوات عجاف مظلمة دامية ومؤلمة نكتشف أننا مازلنا في نقطة البداية وأننا طوال هذا الزمن البائس لم نبارح مكاننا نعيش في تيه طويل دون من ولا سلوى ولا تنبجس لنا العيون بمجرد ضرب الصخر بعصا
مزيدا من السقوط ومزيد من الإصفرار ....أليس الخريف قد صار دهرا