مثلت خمسينيات وستينيات القرن الماضي ذروة النهضة والأزدهار لمدينة عدن، حيث شهدت عدن نشاط معماري تأسست فيه مدينة المعلا بين سفح الجبل ولسان البحر وشيد شارعها الرئيسي والذي كان حينها من أجمل شوارع البلاد بل والبلدان المجاورة، وكذلك شهدت كريتر والتواهي توسع في شوارعها وبناء عمارات على أحدث طراز البعض منها يشرف على البحر فرسمت لوحة غاية في الجمال لمدينة حديثة جاثمة على أطراف مياه البحر، كما تم بناء مصفاة عدن، لتكرير النفط الخام، تلك المنشأة الاقتصادية الهامة والعملاقة، وتأسست معها مدينة البريقا لعمال وموظفي المصفاة، وتم بناء ميناء النفط في البريقا، كما شهد ميناء عدن خلال تلك الحقبة بناء مباني ومنشآت لشركات خدمات البواخر والسفن بالتواهي والمعلا دعمت رفع معدل حركة الملاحة في ميناء عدن الاستراتيجي الهام، كما رافق كل ذلك، نشاط تجاري وسياحي ملحوظ ساهم في نمو عدن ورفعة إسمها عاليا، ليس هذا وحسب وإنما شهدت عدن في نفس الوقت ذروة نشاطها الثقافي والسياسي، حيث واكب تلك الفترة بروز كثير من الادباء والمفكرين والنجوم في الموسيقى والغناء والتمثيل، كما تأسست أحزاب سياسية أدت إلى حراك سياسي ووطني أندلعت على إثره ثورة الرابع عشر من اكتوبر، وهنا يجب أن لا ننسى أو نتغافل عن العنصر الهام والمحفز الذي لعب دور حيوي في بلوغ هذه النهضة الثقافية وذاك الوعي السياسي إلى أوج علوهما، وهو الصرح الإعلامي الهام المتمثل في جهازي إذاعة وتلفزيون عدن، فقد كان السبق لإذاعة عدن في الإبحار في سماء مدينة عدن، حين انطلق مجدافها في رحلة بثه الأولى بصوته الصادح وعباراته الرخيمة والمؤثرة في عباب أثير عدن في السابع من أغسطس عام 1954م، ثم لحقها بعد عقد من السنين تلفزيون عدن والذي جمع بين الصوت والصورة فأضاف معان أخرى في رسالته الإعلامية والتوعوية، حيث قدّمت الصورة إيحاء جديد فيه شيء من الواقعية، كما دعمت سهولة استيعاب مضمون الرسالة الإعلامية وأضفت عليها مزيد من المصداقية والمتعة، فكان ميلاد الشاشة الصغيرة الساحرة في عدن يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 1964م. لقد كان لإذاعة وتلفزيون عدن دورا هاما في رفع وعي الجمهور وفي الدفع بالنشاط الأدبي والفني الذي سطع نوره في تلك الحقبة في عدن، إلى المزيد من الازدهار، وكان لهما إسهام فاعل في تسليط الضوء على المبدعين ونشر إبداعاتهم على الجمهوز، فكان عرضها على الجمهور على المستوى المحلي وكذلك الخارجي وبالأخص على دول الجوار، فذلك منح المبدعون مكسب كبير، حيث أنعش في نفوسهم روح التنافس الشريف، وحفزهم على بذل المزيد من الابداع من أجل كسب الشهرة والمزيد من تقدير الجمهور. صحيح أن ما آلت إليه كثير من الاوضاع في عدن في ظل هذه الحرب المدمرة والتي لم تنته بعد، تثير الكثير من الحزن والحسرة، فوضع إذاعة وتلفزيون عدن هو جزء من تلك الأوضاع المتردية في عدن ، بل أكثرها ترديا، حيث مرت خمس سنوات على اغلاقهما وهجرهما وكأنهما مجرد عفش عتيق فاقد للحياة، لقد طمس صوت إذاعة عدن وأختفى من الوجود، بينما تلفزيون عدن، تم تزوير إسمه وتزييف موقعه، وكسوه بثوب خادع، في الوقت الذي موقعه الأصلي في متناول اليد، واستديوهاته الحقيقية سليمة، كما أهملت أستديوهات إذاعة عدن، والتي كانت تنتظر إشارة فقط من القيادة، لتعود للعمل، ولكن للأسف كان قد صدر الحكم على إسمها بالموت، فلم تظهر لها نسخة مزورة، ولم يعد يذكر إسمها على الإطلاق!.