لقد عكست وفاة الفنان المبدع رائد طه يوم الأربعاء الماضي، الواقع الذي يعيشه جميع المبدعين في بلادنا ومنذ زمن طويل، فهذه هي الحقيقة المرة التي لا تظهر جليا إلا بعد أن يعتزل المبدع الدنيا وتختفي أنفاسه منها. لقد كان رائد رائدا في إدخال البهجة في نفوس الناس ورسم البسمة على شفاههم، وذلك من خلال ما قدمه من أعمال كوميدية متميزة، ولكنه رحل سريعا عن أسرته وجميع محبيه، فقد توقف قلبه عن النبض وجسده واقف يقاوم الألم، حيث تعود على إخفاء مرضه، لمعرفته بتجاهل الجميع لحاله، ومع ذلك ظل واقفا كي يستطيع مواصلة عمله الذي يجد فيه ما يقيم أوده. أمر طبيعي أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام بحادثة الوفاة للتعبير عن الحزن والصدمة بخبر فقدانه، ولكن غير الطبيعي اهتمام السلطات بمختلف أطيافها ومشاربها، بالظهور وتقديم التعازي بوفاته ومشاركة بعض القيادات في جنازته أو بعثهم من يمثلهم، ومع ذلك فأن غالبية الناس تدرك أن الشعار الدائم للسلطة في مثل هذه الحالة هو سبق السيف العذل، وتعرف الناس أيضا أن شعارها ليس في محله، وإنها لم تحرك ساكنا، قبل أن يحل القضاء، فذلك الأمر قد عهده الناس، فهو يحدث وبشكل مستمر مع بقية المبدعين في بلادنا، فهم منسيون وقت الأزمات ولا يجدون رعاية من السلطة أثناء تدهور حالتهم الصحية أو حين يواجه البعض ظروف معيشية قاسية أثناء أو بعد مشوار حياتهم العملي، وحين يموت المبدع ويغادر مسرح الحياة، تظهر الأحاسيس المرهفة للمسؤولين، ومشاعر الحزن وندم الخسارة، ولكن ذلك بعد فوات الآوان، فالمؤلم أن المبدع قبل وفاته لم يجد عند أحد من هؤلاء القادة ما يشي شيء من ذلك الاهتمام والتقدير !. هناك كثير من المبدعين في مختلف المجالات، لا تزال معاناتهم ومشاكلهم الصحية التي يلزمها علاج وسفر إلى الخارج لم تجد آذان صاغية من السلطة، فهي لم تعبأ بحالهم ولم تمد يد العون نحوهم، رغم نشر مناشدات بضرورة اهتمام ورعاية السلطة لأوضاعهم، وذلك في منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام، ولكن لا حياة لمن تنادي، فربما السلطة قد تعودت على الصمت وانتظار الرحيل، لتثير حينها الضوضاء وتركب موجة الحزن وشديد الأسى على فراقهم، وهي في الحقيقة لم يرتجف لها جفن، فقد كان في موت غيرهم حياة لها، حيث أنها صعدت وبلغت المناصب العليا، على حساب الموتى من الشهداء الأبرار. واليوم نرى السلطة وقد أصدرت عقوبتها الجماعية على الشعب بكامله، من خلال تعمدها على عدم الايفاء بواجباتها، فتعثر بعض المرتبات وعلى وجه الخصوص رواتب العسكريين، يمثل للمستحقين الحرمان من لقمة عيشهم وعيش أسرهم، وكذلك إهمالها للخدمات الأساسية والهامة لحياة الناس، فانقطاع الكهرباء المتواصل على العاصمة عدن معظم ساعات اليوم هو نوع من العذاب الجسدي والنفسي، وأيضا ضعف وانقطاع إمدادات المياه عن غالبية سكان عدن وبصورة دائمة هو عذاب أشد وجعا من عذاب الكهرباء، فهل ترمي السلطة من كل ذلك لقتل كافة الناس؟! هيهات أن تبلغ ذلك، فلن يعدم الناس وسائل الدفاع عن أنفسهم، ولن يتوسلوا لها للبقاء على قيد الحياة!!.