يبدو أن بعض المستشفيات الخاصة في محافظة عدن لا تلتزم بواجباتها المهنية بصورة دقيقة، وربما تفتقر لأبسط مقياس للذوق في تعاملها ، كما أنها لا تغمر مرضاها بأدنى مشاعر الرحمة والعطف. لا شك أن الطب مهنة إنسانية سامية، فيستوجب على الطبيب والطاقم الطبي مرعاة الجانب الإنساني، والتعامل بضمير حي، ويقع عليهم تشخيص حالة المريض بدقة متناهية، وكذلك ينبغي أن يكونوا حجاب ساتر على ما قد يسبب حرجا للمريض عند الآخرين. لقد سمعت عن بعض الرويات المحزنة التي حدثت لبعض المرضى في بعض تلك المستشفيات والتي إما أودت بحياتهم أو تسببت في تفاقم حالتهم المرضية، والسبب في ذلك حسب الرويات هو تقصير واضح أو خطأ طبي يرتكبه الطبيب أو فرد آخر من طاقمه الطبي، وكانت تساورني الشكوك حول غالبيتها، ويغلب علي ترجيح حسن الظن، واقنع نفسي بأن حالة المريض هي التي أدت إلى ذلك المآل. ولكن قبل أيام قليلة حكى لي أحد جيراني عما حدث معه وما شاهده بأُم عينيه، وذلك عند اصطحابه لقريبه إلى أحد المستوصفات في محافظة عدن، والذي كانت قد أعترته الحمى وشعور بالتعب الشديد، وكان ما يتوقعه هو إصابته بالملاريا أو حمى الضنك لوجود كثير من البعوض في موقع عمله، وعند المعاينة لحالته طلب الطبيب ترقيده بالمستشفى، حيث كانت الصفائح الدموية للمريض هابطة، وتم إجراء فحوصات للتأكد من العلة، وعند ظهور نتيجة الفحوصات، توجه الدكتور مباشرة للمريض، دون علم أي أحد من أقاربه، واخبره أن عنده مرض الإيدز ، فوقع عليه الخبر كالصاعقة وتحطمت نفسيته، وزادت حالته سوءا، وفضلا عن الرفق بحالته النفسية بعد أن نقل إليه خبر الشؤم، بادره الطبيب بسؤاله هل مارست الجنس بطريقة غير شرعية؟، حينها شعر المريض بأن من يقف أمامه ليس بطبيب، وإنما عدو يترصد له بالبلاء، ولم يكتف بأشارته بإصبع الاتهام، بل واصل هجمته عليه بنشر خبر مرضه بين الطاقم العلاجي والاداري في المستوصف، وعند علم قريبه بكل ذلك، وما قام به الطبيب، لم يصدق وجود ذلك المرض بقريبه، ولم يخطر بباله أن يصدر مثل ذلك التصرف القاسي من الطبيب والمستوصف، فطلب عينة من الدم وأخذها إلى مختبرات العولقي وهي مختبرات دقيقة وأكثر شهرة، وكانت النتيجة هي عدم وجود هذا المرض بشكل مطلق، ومع ذلك قام المستوصف بالتشكيك بفحص ذلك المختبر الكبير، فارسل قريبة عينة أخرى إلى مختبر في صنعاء، وجاءت النتيجة لتؤكد سلامة المريض وعدم تلوث دمه بهذا المرض، وعلى الفور نقل المريض إلى مستشفى آخر، وهناك تم علاج حالته التي كانت قد تدهورت بشكل كبير بسبب التشخيص الخاطئ، بل التزوير الخطير لحالته في ذلك مستوصف!، وتم أيضا تزويده بأكثر من ستة أرطال دم، وكان العلاج الشافي لحالته هو جرعة علاج الملاريا فقط فهي أساس مرضه. لقد سلك هذا المستوصف سلوكا مقيتا، أدى إلى تفاقم وتشتيت الوضع الصحي، وبالتالي ارتفعت تكاليف العلاج، حيث بلغت مليون وثلاثمئة ألف ريال يمني، عوضا عن الصدمة النفسية التي وقعت على المريض، والهموم الشديدة التي أحاطت بأسرته. فهل يعقل ما حدث لهذا المريض في أحد مستوصفات عدن؟، يبدو أن مثل تلك الأمور تحدث كثيرا وبدون محاسبة!، فلو حدث مثل ذلك مع أسرة ظروفها المادية صعبة لكانت عادت بمريضها الذي تتوقع أنه مصاب بالإيدز إلى بيته، لتفتك به الملاريا والتي لا علم لهم بها، وسيدفن جسده مع سر مرضه الحقيقي، ويدفن أيضا سر المستوصف الذي تسبب بقتله ولا حول ولا قوة إلا بالله.