الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    "الوية العمالقة" تُحذّر الحوثيين: لا عبث مع القبائل اليمنية!    محمد علي الحوثي: "غادري يا ميسون فهو الأفضل لش".. بمن يتغزل "الطبل"؟    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية مستقبلية....ملامح الحياة الإنسانية في 2030
نشر في عدن الغد يوم 14 - 09 - 2013


كتب/ مروان صالح وعمرو هنداوي

بات استشراف نمط الحياة المستقبلية الشغل الشاغل للعديد من الباحثين في مجال الدراسات المستقبلية، فضلا عن كون الاستشراف أصبح مهمة صعبة، في ضوء التغير السريع الذي يصيب المجتمعات، وتفاعل العديد من العوامل لصياغة ذلك المستقبل. إن قضايا هامة كتأثير الزيادة السكانية، والأزمات الاقتصادية، فضلا عن ندرة الطاقة، ومتلازمة الماء والغذاء، علاوةً على التغيرات المُناخية؛ كلها يمكن لنتاج تفاعلاتها واستراتيجيات التعاطي معها أن تنتج عوالم بديلة، يتحدد من خلالها شكل وملامح الحياة الإنسانية، تأزمًا ورخاءً، صراعًا وسلامًا.


وفي هذا السياق، أصدر مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكيWorld National Intelligence Council تقريرها لخاص بالاتجاهات العالمية المتوقعة بحلول 2030.Global Trends 2030: Alternative Worlds

تعتمد منهجية التقرير على تحديد مجموعة من الاتجاهات الكبرىMegatrendsالتي تُعنى بالقسمات الرئيسية لبنية المجتمع الدولي السياسية والاقتصادية والعلمية الديموجرافية والتكنولوجية، ومن ثم تحديد المتغيرات الرئيسية الفاعلة والمؤثرة في تحديد المسارات التي تأخذها الاتجاهات الكبرى، ويؤكد التقرير أنه لا يهدف إلى التوقع أو التنبؤ، وإنما يهدف بشكل أساسي لخلق إطار للتفكير في الاحتمالات المستقبلية الممكنة، وتداعياتها.

يستشرف التقرير أهم ملامح الحياة الإنسانية بحلول عام 2030 ، محددًا عددًا من الاتجاهات أهمها: توسع الطبقة الوسطى، وتغير الأنماط الديموجرافية، ومستقبل الماء والغذاء والطاقة في العالم والصراعات المستقبلية.

توسع الطبقة الوسطى وتداعياته:

تُعرَّف الطبقة المتوسطةThe Middle Classبأنها تلك الطبقة المنتجة بالمجتمع، كما تمثل حلقة الوصل بين الطبقات الكادحة الأدنى في مثلث الهرم الاجتماعي، وبين الطبقات العليا الأكثر ثراء ونعيمًا. وكلما اتسع حجم الطبقة المتوسطة؛ دل ذلك على توازن مجتمعي، وانخفاض في حدة الصراع بين الطبقات المختلفة.

ووفقًا للتقرير، تستعد معظم الطبقات الوسطى في دول العالم النامي للتوسع على نطاق كبير خلال السنوات ال 15 أو 20 القادمة، وحتى النماذج الأكثر تحفظًا التي يرصدها التقرير توضح ارتفاعًا في الإجمالي العالمي للطبقة الوسطى من حوالي المليار، إلى أكثر من ملياري شخص، بينما يتوقع البعض أن يصل العدد إلى ثلاثة مليارات بحلول 2030.

وتشير معظم التحليلات التي رصدها التقرير، إلى تركز النمو السريع للطبقة الوسطى في آسيا، فوفقًا للبنك الآسيوي للتنمية، فإن حجم الطبقة المتوسطة الصينية سيتجه إلى الزيادة، بينما تنخفض معدلات الفقر إذا ما نجحت خطة الصين الجديدة التي تهدف إلى زيادة الإنفاق المعيشي. وفي دارسة أجرتها جولدمان ساكس حول الطبقة الوسطى في العالم، أكدت أنه حتى بدون أخذ الهند أو الصين في الاعتبار، فإن الطبقة الوسطى سوف تشهد نموًّا بشكل غير مسبوق، كما يشير عدد من الدراسات إلى أن معدل النمو في حجم الطبقة الوسطى في دول إفريقيا سيكون الأسرع بين دول العالم النامي.

ولكن تبقى إشكالية قياس عدد المنتمين للطبقة الوسطى وعدد الذين يحاولون فقط الخروج من دائرة الفقر، خاصة وأن الحسابات تعتمد على استخدام القوة الشرائية، وبهذا المفهوم يصبح معظم المنتسبين الجدد للطبقة الوسطى بحلول عام 2030 في الطرف الأدنى من المقياس. كما سيعتبر تصنيف نصيب الفرد من الدخل على أنه دخل منخفض، حتى ولو بدا على هذا الفرد مظهر الطبقة المتوسطة.



وطبقًا للتقرير سيزداد نمو أعداد من يعيشون في النصف العلوي من نطاق الطبقة الوسطى الجديدة، والتي من المرجح أن تكون أكثر انسجامًا مع الطبقة الوسطى في الغرب، من 330 مليونًا في 2010إلى 679 مليونًا في عام 2030 ، مع العلم بأن من المرجح أن تكون هذه الطبقة مصدرًا لكثير من القادة في العالم.

ويعد ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية على نحو حاد على رأس تداعيات النمو السريع للطبقة الوسطى في العالم، حيث أشارت دراسة أجرتها غولدمان ساكس إلى أن القيود المفروضة على الموارد ستكون أكثر تشددًا مما كانت عليه في أواخر القرن 19 في أوروبا والولايات المتحدة عندما حققت الطبقات المتوسطة مكاسب هائلة.

كما ستشهد القيم المجتمعية تحولا يتزامن مع ازدياد مطالب التغيير الاجتماعي والسياسي التي تمثل الطبقة الوسطى المحرك الأساسي لها، فعلى مدى التاريخ كانت الطبقات الوسطى هي الحافز للتحول من النظم الشعوبية والدكتاتورية إلى الديمقراطية. هذا بالإضافة إلى تراجع نسب عدم التفاوت الحاد في الدخل، حيث ستبدأ بالتراجع بين دول العالم النامي، ولكنها لن تقترب من مستوى العديد من البلدان الأوروبية الحالية مثل ألمانيا وفنلندا حيث تنخفض الفروق في الدخل.

ويتوقع التقرير استمرار تصور عدم المساواة بين الحضر والريف، الأمر الذي سيحفز على الهجرة من الريف للحضر، بحثًا عن فرص معيشية أفضل، على خلفية الاعتقاد بأن فرص الثراء قد تكون أكبر بكثير في المدن. ولكن الهجرة المتزايدة إلى المدن تساهم في ازدياد عدد الأحياء الفقيرة، وخاصة إذا فشل أولئك النازحون في التخلص من الفقر، ما قد يؤدي إلى تكوين قوى ضاغطة على الحكومات، من أجل تغيير أوضاعها، حيث إن المحبطين اقتصاديًّا هم مصدر الاضطراب السياسي في معظم الأحيان.

تغيرات ديموغرافية واسعة النطاق:

يشير التقرير إلى أربعة أنماط أساسية، يحدد تفاعلها شكل وطبيعة التغير الذي يُتوقع أن يشهده العالم، وتُعد الزيادة السكانية الهائلة أولى هذه الأنماط؛ حيث سيتعدى تعداد سكان العالم بحلول 2030 حاجز ال ثمانية مليارات نسمة بالمقارنة بسبعة مليارات في 2012 . ويبدو ذلك منطقيًّا في ضوء تحسن الخدمات الصحية، وارتفاع متوسط الأعمار، إلا أن لتلك الزيادة تبعات، تتمثل في عالم أكثر ازدحامًا، وأكثر تبديدًا للموارد الطبيعية؛ إذ تزيد نسبة استهلاك الموارد، وخصوصًا الطبيعية منها التي تعد المصدر الأساسي للغذاء والماء والطاقة.

أما النمط الثاني فيتمثل في ارتفاع نسب الشيخوخة بين الدول والمجتمعات، مقارنة بنسب الشباب، فبحلول عام 2030 من المتوقع أن يرتفع متوسط العمر من 25 سنة أو أقل في 2012 إلى 42 سنة، وسيكون أغلب سكان شرق آسيا وأوروبا ممن تزداد أعمارهم عن 65 عامًا، ليرتفع متوسط الأعمار إلى 45 سنة في دول مثل ألمانيا واليابان، وذلك نتيجة للارتقاء بالخدمات الصحية، والتقدم في علاج الأمراض القاتلة، فضلا عن تحسين نوعية الحياة.

إلا أن للزيادة الكبيرة في نسب الشيخوخة آثارًا اقتصادية سيئة، منها على سبيل المثال، تقلص نسبة القوة العاملة، وبالتالي انخفاض حجم الإنتاج والناتج الإجمالي لدول الشيخوخة بشكل ملحوظ، مما سينعكس في صورة بطء في النمو الاقتصادي يؤثر سلبًا على مستوى المعيشة فيها. ولمواجهة تلك التحديات الاقتصادية، ستضطر دول الشيخوخة إلى اللجوء لعدد من الإجراءات الانكماشية، كفرض زيادة ضريبية، وتقليص حجم الإنفاق الحكومي، لا سيما على الخدمات العامة. كما سيتوجب على تلك الدول إجراء تعديلات، غير مسبوقة، على أنظمة العمل والتقاعد بها، بالإضافة إلى أنظمة المعاشات والخدمات الصحية، فمن المتوقع أن تمد هذه الدول سن التقاعد إلى ما فوق الستين عامًا.

ويجادل التقرير بأن آثار الأزمة الاقتصادية الناتجة عن زيادة نسب الشيخوخة، تمتد إلى تقليص نفوذ الدول الكبرى، إذ ستضطر تلك الدول إلى ترشيد إنفاقها العسكري، والحد من نشر قواتها خارج حدودها. ومن ناحية أخرى، يشير التقرير إلى التداعيات الخطيرة لانخفاض معدلات الخصوبة، وارتفاع معدلات الشيخوخة، في دول بعينها مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة. فإذا كان المورد البشري يمثل ميزة نسبية للاقتصاد الصيني، فإن انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع تلك الخاصة بالشيخوخة سيؤثر بالسلب على وضع القوى العاملة، ويزيد من نفقات الحكومة التي يغلب على سكانها الشيوخ، بينما الوضع في روسيا يزداد سوءًا في ظل نسب وفيات الشباب المرتفعة نتيجة للحوادث وتعاطي الكحول والمخدرات. وبالرغم من أن الولايات المتحدة أفضل حالا من الصين وروسيا فيما يتعلق بمعدلات الشيخوخة والخصوبة، فإنها ستواجه مصاعب كبيرة في الحفاظ على دورها الريادي في العالم، نتيجة المشاكل الاقتصادية التي ستواجهها من جراء انتشار الشيخوخة بها.

ويرتبط النمط الثالث ب الهجرة من الدول الفقيرة إلى الغنية ، فنتيجة قلة الإمكانات وغياب العدالة المجتمعية، وقمع الحريات، والتردي الاقتصادي؛ قد يجد مواطنو دول مثل أفغانستان وباكستان وجنوب شرق آسيا والصحراء الكبرى وأغلب دول إفريقيا، في الدول الغربية ملاذًا آمنًا لهم، خصوصًا وأن تلك الدول تعاني من ارتفاع معدلات الشيخوخة وندرة الأيدي العاملة بها. وفي المقابل فإن الدول المُستضيفة ستجد في هؤلاء المهاجرين فرصة ذهبية للاعتماد عليهم كقوة عاملة قليلة التكلفة، فطبقًا للتقرير، فلا سبيل لدول الشيخوخة سوى الاعتماد على المهاجرين بشكل أساسي في تحسين البنية الاقتصادية، وتعويض نقصان نسبة القوة العاملة والشباب فيها. فدولة مثل اليابان سينخفض تعداد الشباب بها بنسبة 25 %، بينما سيتراجع معدل الأعمار الشبابية في البرازيل والصين وألمانيا بواقع 5 ملايين نسمة، و 75 مليون نسمة، و 2.5 مليون نسمة على التوالي.

ولا مخرج لهذه الدول من هذه الشيخوخة إلا بالسماح بهجرة الشباب إليها من المناطق التي تعاني انخفاضًا طفيفًا في الخصوبة، وارتفاع تعداد الشباب فيها مثل دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وهو ما يتطلب سن قوانين جديدة للهجرة والإقامة والمواطنة والعمل بدول الشيخوخة، في حين ستعاني الدول المصدرة للعمالة من هروب الأيدي العمالة والمدربة منها، بدلا من الاعتماد عليهم لتحقيق الأهداف الاقتصادية.

ووفقًا للتقرير، من المتوقع أن تكون نسب الخصوبة في الدول التي يغلب عليها ارتفاع نسبة الشباب كبيرة نسبيًّا مقارنة بدول الشيخوخة، فمثلا سيكون معدل خصوبة المرأة في إسرائيل 6 أطفال، بينما أفغانستان وباكستان 5 أطفال للمرأة الواحدة، وستتوقف تركيا عند 4 أطفال للمرأة الواحدة. وأعلنت مؤسسة بيو الشهيرة في مجال البحث واستطلاع الرأي أن أعداد المهاجرين المسلمين إلى أوروبا ستتضاعف من 4.1 % من سكان أوروبا إلى 8% بحلول عام 2030.

ويشير التقرير إلى الانتقال للعيش في المدن كرابع الأنماط الديموجرافية، ويتوقع التقرير ارتفاع معدلات الهجرة من الريف للمدن، ليشكل إجمالي سكان المدن 60 % من سكان العالم بحلول 2030 أي حوالي 4.9 مليارات نسمة في مقابل 3.5 مليارات نسمة في 2012 . ويعد الإحساس بعدم المساواة بين سكان الريف والحضر الحافز الرئيسي لتلك الهجرات، كما أشرنا سابقًا.

كما يتوقع التقرير أن تساهم المدن والمراكز الحضرية في النمو الاقتصادي بواقع 80 %، حيث تتركز المراكز التجارية، والبني التحتية بها، فضلا عن توافر وسائل المواصلات والاتصالات، والتكنولوجيا الحديثة، والخدمات والمرافق العامة. وفي السياق نفسه، يلقي التقرير الضوء على التوقعات بشأن تزايد عدد المدن العملاقةMegacitiesخصوصًا في الدول النامية. وتعرف المدن العملاقة بأنها المدن التي تتسع لأكثر من عشرة ملايين شخص مثل مدن: نيويورك، ومكسيكو سيتي، والقاهرة، وغيرها، وتوجد حاليًّا 28 مدينة من تلك النوعية، وتكتسب هذه المدن أهمية اقتصادية وتجارية، خاصة لتمركز البورصات والأسواق التجارية الكبرى فيها. وعلى الجانب الآخر، تتعدد تداعيات تزايد أعداد تلك المدن العملاقة، كالازدحام الشديد، وارتفاع نسبة التلوث، وشيوع الجريمة، وندرة مصادر المياه.

رابطة الماء والغذاء والطاقة في العالم:

يتوقع التقرير أن ينتج عن الزيادة السكانية ارتفاع في الطلب على الماء والغذاء والطاقة بشكل كبير، فضلا عن أن توسع الطبقة الوسطى وتكتل السكان في المدن سيزيد الضغوط على الموارد، وبخاصة الحرجة منها كالغذاء والماء. إلا أن ظهور تقنيات جديدة في الزراعة مثل الزراعة العمودية في الهياكل الشاهقة قد تقلل من التكاليف.

ويبقى الأمن الغذائي معلقًا رهن تغير الظروف المناخية، على غير المتوقع. وفي حين يبشر التقرير بأننا لسنا بالضرورة متجهين إلى عالم من الندرة، إلا أن الأمر يتوقف على قدرة صناع القرار والشركاء من القطاع الخاص على التحرك لتجنب أي ندرة في المستقبل.

ويطرح التقرير سؤالا حول المدى الذي يمكن فيه للتكنولوجيا أن تخفف من وطأة تحديات أزمة الغذاء، خصوصًا وأن بلدانًا عديدة لن يكون بمقدورها تجنب نقص الغذاء والماء دون مساعدة خارجية، كما يُشير التقرير إلى أن مشاكل ضوابط التصدير والتي تؤدي إلى تفاقم نقص الغذاء هي نتيجة لغياب أطر دولية فعالة للتعامل مع هذه المشكلة، ويقترح التقرير زيادة تعزيز واردات المواد الغذائية بالدول التي تعاني من ندرة المياه لتخفيف الضغط على مصادر المياه بها.

وفيما يتعلق بالتغير المُناخي، تشير التحليلات إلى شدة تغير أنماط الطقس على نحو مستمر، حيث تزداد المناطق الرطبة رطوبة، والمناطق القاحلة جفافًا، ويرى التقرير أن الانخفاض في مستوى الأمطار سيتركز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك غرب آسيا الوسطى وجنوب أوروبا وجنوب قارة إفريقيا وجنوب غرب الولايات المتحدة. وبالنظر إلى الأدلة التجريبية وحدها، دون الإشارة إلى نماذج المناخ، يتضح أن الاحتباس الحراري يؤثر على الطقس والنظم البيئية في العالم، مما يتسبب في زيادة التأثيرات السلبية على البشر. وقد ازدادت وتيرة الأحداث الجوية غير المستقرة، والفيضانات، والجفاف، والأعاصير، كما حدث ارتفاع في مستويات المياه الساحلية، وانتشرت موجات الحر حول العالم، ويكاد يكون هذا نمطًا مستمرًّا خلال ال 20 سنة المقبلة.

كبير، على إمكانية الوصول إلى مصادر كافية من المياه، فضلا عن الأسمدة الغنية بالطاقة. وبالرغم من اعتماد بعض المناطق على الطاقة الكهرومائية كمصدر للطاقة، فإن ظهور أنماط جديدة من الطاقة مثل الوقود الحيوي تهدد بتفاقم نقص الغذاء، وعليه يرصد التقرير أن الإنتاجية الزراعية بخاصة في إفريقيا سوف تتطلب تغييرًا جذريًّا لتفادي أي نقص، على عكس آسيا وأمريكا الجنوبية اللتان حققتا تحسينات كبيرة في مجال الإنتاج الزراعي على أساس نصيب الفرد في الإنتاج.

ووفقًا للتقرير، فإن الإمدادات الغذائية عمومًا سوف تكون شديدة التأثر بمدى توافر الأراضي والمياه، وكذا مدى استخدام التكنولوجيات الجديدة، ونظرًا لأن الزراعة تستهلك 70 % من موارد المياه العذبة حول العالم، فإن التقرير يتوقع أن تكون إدارة المياه لتحقيق الأمن الغذائي طويل المدى حرجة، وخصوصًا فيما يتعلق بالتكلفة السياسية لتسعير المياه، ولكن تبقى مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء هي الأشد تأثيرًا في حياة الإنسان. وبشكل عام، فإن الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات تضخم أسعار الغذاء هي الدول الفقيرة المستوردة للغذاء بشكل كبير، مثل: بنجلاديش، ومصر، وجيبوتي، والسودان. وينصح التقرير هذه الدول بالحفاظ على/أو توسيع دعم المواد الغذائية الأساسية إذا لزم الأمر، إلا أن لهذه الاستراتيجية حدودًا، حيث إن الحكومات تضع قيودًا على ميزانياتها، أو تقطع التمويل عن برامج أخرى من أجل الحفاظ على بقاء أسعار المواد الغذائية الأساسية منخفضة.

أما بالنسبة للطاقة، فيؤكد الخبراء أن الطلب على الطاقة سيرتفع بشكل كبير بحوالي 50 % على مدى 15 أو 20 سنة القادمة، في استجابة للنمو الاقتصادي السريع في دول العالم النامي. وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفاعًا متزايدًا في الإنتاج العالمي خلال عام 2035 ، نتيجة زيادة إنتاج دول منظمة أوبك ، بالإضافة إلى مصادر غير تقليدية أخرى.

كما يُلقي التقرير الضوء على تكنولوجيات جديدة في توليد الطاقة، وأهمها النفط الصخري، حيث لا تزال هذه التكنولوجيا في مراحلها الأولى، ويبقى تحديد كامل إمكاناتها غير مؤكد، وتشير التقديرات الأولية لعام 2020 أن يتراوح الإنتاج النفطي باستخدام هذه التكنولوجيا ما بين 5 إلى 15 مليون برميل يوميًّا، وقد ينخفض سعر الإنتاج ليصل إلى 44 - 68 دولارًا للبرميل الواحد تبعًا للحقول. وبحلول عام 2020، يمكن للولايات المتحدة أن تصبح مصدرًا رئيسيًّا للطاقة، مما يغير خريطة الطاقة في العالم.

تنبع أهمية التقرير كونه يقدم إطاراً رحباً لاستشراف المسارات المستقبلية الممكنة، على ضوء تفاعل الاتجاهات العالمية المتوقعة خلال ال 15 – 20 عاماً المقبلة، ما يعمل على تحفيز التفكير والتحليل لملاحقة التغيرات الجيوبوليتيكية السريعة. إلا أن إهمال تلك الاتجاهات وما يصاحب تفاعلاتها من تداعيات، قد ينذر بعواقب وخيمة تدفع البشرية ثمنها، ما يتطلب زيادة اهتمام صانعي القرار داخل وخارج الحكومات بمثل تلك الجهود العلمية لتأمين مستقبل أكثر أمناً، ومعيشةً أكثر رخائاً، وموارداً أكثر استدامةً، وتنميةً أفضل عائداً للإنسانية جمعاء.

عن/ المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.