ما دلالة وقيمة المقاطعة على الجنوب وقضيته ؟ كنت أنتظر إجابة من فقهاء القانون والسياسة ؛ عن جدوى ومعنى أن تكون خارج العملية السياسية وفي بلد يعد خارج نسق العصر ، تجمع الإصلاح أعلن مقاطعته لدستور دولة الوحدة أبان الاستفتاء عليه عام 91م الحزب الاشتراكي ذاق مرارة مقاطعته لانتخاب البرلمان 97م وإذا بالسنوات التالية لهذه الانتخابات تؤكد خطأه الفادح الذي كنا في الأغلب قد اعتبرناه وقتها قرارا صائبا يمثل غالبية الجنوبيين ولمعاناتهم ولرفضهم لسياسة المنتصر . لا أريد من هؤلاء المتحمسين جدا لمقاطعة انتخابات أحادية هي أشبه باستفتاء اليمنيين على دستور دولة الوحدة وبعد أن صارت الدولة موحدة بتوافق سياسي بين النظامين أن يحدثونا عن معاناة الجنوبيين من النظام المتخلف والمتعجرف، فما جري في الجنوب منذ ما بعد حرب 94م لهو أسوأ مما فعله الاستعمار البريطاني الذي كان سلوكه متحضرا ومحترما مقارنة بممارسات النظام القبلي العسكري الجهوي الذي لم يبقي شيئا في الجنوب إلا وطاله العبث والنهب والفساد والفوضى والمصادرة والطمس والهيمنة والاستئثار وغيرها من صور المعاناة والقهر المقترفة طوال 17سنة . لكننا اليوم نريد أن نسمع ما هية الحلول والمعالجة وبدون عنتريات زائفة أو تزييف وتضليل للرأي العام أو وصاية على الجنوب ، نود معرفة ما هية المصلحة الجنوبية من مقاطعة انتخابات تحصيلية وتوافقية ستأتي برئيس جنوبي إلى سدة الرئاسة ؟ كيف صار انتخاب عبد ربه اعترافا بمشروعية النظام المحتل بينما انتخاب الرئيس صالح ولمرتين لم يكن ذا تأثير وفاعلية سلبية على القضية الجنوبية ؟ كيف أن مرشح الرئاسة عبد ربه بات إبليسا رجيما يستوجب قذعه ورفضه وبشتى الوسائل رغم كونه جنوبيا أولا وتاليا عانى من التهميش والإقصاء وجاءت به ثورة عارمة وليس باختيار ورضاء الرئيس المخلوع ناهيك عن وضعه للقضية الجنوبية في صلب المرحلة القادمة وفي أول خطاب رسمي له ؟ لماذا يستوجب علينا الاصطفاف الآن إلى جانب ذات القوى المناهضة للثورة الشعبية وللقضية الجنوبية ولحكومة التوافق ولمرشح الرئاسة المدعوم وطنيا وشعبيا وإقليميا ودوليا ؟ أعجب كيف نطلب من الآخرين الاعتراف بالجنوب وقضيته وشعبه ودولته التي تم ابتلاعها بقوة السلاح والقتل والدم والقمع والخوف ؟ أليس الأجدى أن نعترف نحن بأنفسنا قبل أن ندعو الجامعة العربية ودول الخليج ومجلس الأمن ! فهل من اللائق بالحراك الانسحاب من لقاء حضره ممثلي المشترك وشباب الثورة والمجلس الأهلي بعدن بحجة أن هؤلاء لا يمثلون سوى أحزاب المشترك وتحديدا الإصلاح ؟ ليكن هؤلاء مؤيدون للانتخابات بل ولبقاء الجنوب في ظل دولة موحدة بصيغة أقاليم متعددة أو إقليمين أو حكم محلي ؛ فهل يعني ذلك أنهم ليسوا من الجنوب ؟ وهل من العقل والحكمة إقصائهم ورفضهم لمجرد انتمائهم لأحزابهم السياسية؟ وهل قبول هذه المكونات بالتسوية السياسية التاريخية مسألة تستوجب رفضهم وإقصائهم من جغرافيا الجنوب ومن التحدث بقضيته ؟. حقيقة أريد أن افهم واستوعب كيف أن الثورة الشعبية ليست إلا ثورة معنية بإسقاط النظام العائلي في محافظات الشمال ؟ حين أسمع أحدهم يقول : هذه الثورة لا تعنينا في الجنوب وهذه الانتخابات أيضا ليست سوى مؤامرة على الجنوبيين الذي مطلبهم واحد هو استعادة الدولة وليس تغيير النظام القائم . ولكن المتحدث ذاته تجده يبرر دعوته لمقاطعته انتخابات الرئيس القادم نظرا لإغفال مبادرة الخليج لقضية الجنوب التي لم يشر لها صراحة في بنود الاتفاق إذ تم ذكرها وعلى استحياء وفي فقرة هامشية وردت في آخر بنود المبادرة ، لا أدري كيف الثورة لا تهم الجنوب وفي ذات الوقت المبادرة أهملت قضيته ؟ نتحدث بتعالي وجفوة وكأن الجنوب دولة وشعبا في المحيط الكاريبي لا جزءا من هذه الدولة البائسة والضعيفة التي يستلزمها الكثير والكثير كيما تصير دولة ونظام ومواطنة وتداول ديمقراطي للسلطة ، نعم من حق علي سالم البيض أو العطاس أو الحسني أو غيرهم من الأسماء والمكونات الجنوبية مقاطعة عملية الاقتراع . وفي أن يعبر هؤلاء عن القضية الجنوبية كيفما يحلو لهم ولا يتنافى مع حق الآخرين في المشترك أو الثورة أو غيرها من المسميات والأفراد الذين من حقهم أن يعبروا أيضا عن القضية الجنوبية وبالوسائل التي يرونها ممكنة ومناسبة ، على هذه القاعدة فقط يمكن تأصيل حق الأخر واحترامه إما أن يختزل الجنوب وقضيته بفك الارتباط أو الفيدرالية أو المشترك أو المقاطعة أو المشاركة فتلك هي الكارثة والمصيبة التي يراد فرضها وبمنطق القوة والعنف والترهيب .