مع كل زيارةٍ لعدن الحبيبة قبل سقوط المقلوع كان لا يُثير غثياني أكثر من طول الطريق سوى رؤيتي لصور (المخلوع المقلوع)، أراهُ بزيّه العسكريّ قائداً لميليشيا الفوضى والنهب، وأقرأ في ملامح وجهه الشاحب قوّاداً لقطعان الفيد والعنجهيّة. واليوم وأنا أتجوّل في أنحاء عدن الحرّة ، وإن كانت قد تطهّرت من صوره ، أشعر بالألم والأسى من وجوده في نفوس أبناء عدن ، أجده في لعناتهم ، في احتقانهم ، في آلامهم ، في مظالمهم ، في آهات المظلومين منهم ، في أنّات المقهورين في عهده البائد. نجح هذا الكائن المخلوع في أن يزرع بذور الفرقة كما تمكّن في استنساخ الفساد ، ستلحظ أن كل فاسدٍ مستبدٍ متسلطٍ في أيّ موقعٍ وكأنه يتقمّص شخصية صالح في التعامل مع الرعيّة. تتعزّز قناعتي بضرورة اجتثاث كل ما يتصل بصالح.. السلوك، السياسة ، الأخلاق ، الاحتقار ، التجاهل ، اللامبالاة بآهات المظلومين. وأرجو ألا يفهم شرفاء المؤتمر وعقلاءه كلامي عن الاجتثاث معنى الإقصاء ، والإلغاء ، الذي مارسه زعيمهم. أقول والأسف يعتصر قلبي أنّ بعض إخواننا أبناء الجنوب (المظلوم) باتوا ينظرون لكل قادمٍ من الشمال المطحون المغلوب على أمره، وكأنه نسخة من نفسية "صالح" ونواياه ، لمكره خبثه. سُبّ (صالح) والعن حقبته وعصبته، افعل ما تريد ، لكنك ستبقى في نظر البعض "دحباشي" ، وإن كنت بريئاً من الظلم وأسبابه ، عندهم يكفي أنّ تكون "شمالي" لتكون "دحباشاً" تستحقّ السخرية. يا إخواننا في عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وحضرموت والمهرة .. لا تجعلوا من (صالح) أفعاله وأذنابه سوطاً تجلدون به جسدنا اليمني الواحد ، ولا تجعلوا من غضبكم خنجراً تقطّعون به أوصال وحدتنا الإنسانيّة والتاريخية. أقسم بالله العظيم أن حال (الحزم) مركز مُحافظة (الجوف الأبيّة) أشدّ وأقسى من قُرى نائية في (وادي حضرموت وصحرائها)، فكلّنا بالظلم والقهر والحرمان في عهد المخلوع قد اكتوى. ولا تنسوا أننا أقدم منكم في جحيم الصالح ب13 عاماً ، ولا تغرّكم "هنجمة" بعض المشائخ والمسئولين الفاسدين الذين استباحوا كرامة (الشمال) قبلكم ، فكلّهم راحلون، وستبقى اليمن الأرض والشعب. مسكين آدم سيف "دحباش" الفنان الرائع الذي كان أول مُمثلٍ يمنيٍ يجهر بأوجاعنا ومآسينا وسلبياتنا الاجتماعيّة على الشاشة. كان يُؤلمنا ويُضحكنا في آنٍ واحد بمشاهد عن مُعاناتنا ، من آلامنا ، بعد أن كان (أبو الريش) يُضحك الأطفال في فترة الطفولة. طمرت الذاكرة فكاهات (أبو الريش) الطفوليّة ، وخلّدت (دحباش) في الأذهان كوميدياه الواقعيّة ، حُفرت لهجته المقتبسة من لهجات شمال الشمال في الذاكرة الجنوبيّة ، وعمّق من حفرها تكالب النهّابة والظلمة والمستبدّين المتحدثين بنفس اللهجة، وجهلاً عمّم الناقمون مصطلح "الدحبشة" على كل أبناء الشمال . لم يستثنوا حتى "تهامة" أكثر ضحايا الحكم في صنعاء وأقدم وأكبر جراحات الوطن. هل تعلمون أن 80% من مظالم السطو والنهب للأراضي هي في تهامة بحسب اعتراف رئيس اللجنة البرلمانية الخاصّة بتقصّي حقائق نهب الأراضي في تهامة النائب سنان العجي -وهو دحباشي حسب تعبيركم-. خلاصاتٌ لا بدّ منها: - دعونا نتّفق أن وحدتنا أسمى من أن يطالها أقزام الظلم والاستبداد السياسي ، وأقوى من أن تنالها معاول الفرقة والعنصرية النتنة ، وأقدس وأطهر من أن تشوّهها براغيث الانفصال. - دعونا نتّفق أن لكل مظلوم من الجوف إلى حوف الحقّ في استعادة كرامته أولاً ثمّ حقّه ، وأنّه لا بدّ من معاقبة كل متطاولٍ على كرامة أي يمنيٍ مهما كان مستواه وأينما كان زمانه ومكانه. - دعونا نتفق على أنّ (عفّاش) هو المسيء بحق اليمن العظيم ، وهو من يتحمّل تاريخياً وأخلاقياً آثار سوأته ، وأن (العفششة) هي السرطان الذي نخر وحدتنا دون إرادتنا ، وعمل صانعها على تجذيرها في النفوس. - تعالوا لنجعل (العفششة) لعنةً يمنيةً تاريخيةً تطارد هذا المطرود إلى مزبلة التاريخ. - دعونا نحمّل المرتزق (البيض) مسؤولية حرمان (عدن) من أن تكون عاصمة دولة الوحدة بدلاً من صنعاء ، كاستحقاق لشعبٍ تنازل لأجل الوحدة عن دولة. لماذا لا نبدأ من اليوم حملةً وطنيةً كبرى تعمّ الشمال قبل الجنوب تحت شعار لتكن (عدن) العاصمة.