لو أن المشكلة هنا مقتصرة على رئيس مهووس مجنون بعضال العظمة لهان الأمر ولما أعطيناه أية قيمة أو أهمية.. على الأقل كنا سنقول: دعوه يخطب فينا كالحجَّاج، أتركوه ليعبر عن مكنوناته الدفينة، فهذا أفضل لنا وله. لكننا في الحقيقة إزاء هوس وجنون لا يقتصر على شخص لم يستوعب بعد حقيقة أنه بات من الماضي وإنما يكاد أن يكون هوسا وجنونا قد أصاب عديد ممن نشاهدهم الآن وهم في حضيرة المجنون الأكبر. رجل حكم وطنا وشعبا كزعيم عصابة لا كرئيس يحترم ويجل منصبه.. البعض يستغرب كيف أن واحدا بلا مؤهلات عسكرية أو مدنية وفوق ذلك بلا تقدير لذاته ولشعبه- ومع افتقاره لهذه الأشياء- حكم ولفترة نيفت ثلث قرن؟ كيف انه- وبعد كل ما حدث من غليان شعبي- لم يسلم منه عتاة الطغاة مثل القذافي ومبارك وبن علي والقائمة لا أظنها ستنتهي عند الطاغية بشار مازال الرئيس المخلوع يسمي نفسه زعيما تاريخيا. والمحزن جدا هو أنه- وبعيد كل ما جرى- مازال فينا من يستسيغ الكذب والفهلوة والمغالطة والإفساد كأدوات لطالما أفلحت في تدمير وطننا ومجتمعنا.. الوحدة الوطنية التي يحدثنا عنها الرئيس المخلوع وسدنته كانت أول ضحايا حكمه الشيطاني، المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه اليوم لم ولن يستطيع أن يكون حزبا سياسيا ما بقي زعيمه مريضا مهووسا لا يفكر بغير كيان هش وضعيف وشكلي. نعم.. أشعر بمرارة وألم كلما رأيت الفساد ورجاله وقد صارا في هذه البلاد من الثوابت المقدسة التي لا ينبغي التفريط بها. فمن أضاع البلاد والعباد ثلاثة عقود نراه الآن وقد صار شخصا ورعا ووطنيا ووحدويا وحريصا على وطنه وشعبه ووحدته! ومن سرق ونهب ودمر دولة وجيشا ونظاما ودستورا واقتصادا وأحزابا ومجتمعا لا يجد غضاضة أو حرجاً في أن يخطب ويشجب ويستنكر وينقد! ومن خلعته ثورة شعبية عارمة وغير مسبوقة في تاريخنا القديم أو الحديث مازال يستكثر علينا رؤية وطننا وشعبنا وهما يمضيان دونه؛ بل لقد وصل جنونه لحد الثأر والانتقام ومن شعبه ووطنه اللذين تحملاه ثلث قرن ويزيد ومنحاه مكانة وسطوة وثروة ما تجعله يعيش وأبنائه وأحفاده وأقاربه ملوكا وقياصرة. أعلم أيها الرئيس المخلوع أنك لن تفلح هذه المرة بالذات، فإذا كنت محظوظا وساعدتك ظروف مجتمعية ووطنية ودولية كيما تستأثر بالسلطة زمنا طويلا، وكي تنتصر في حرب داخلية، وكي تضلل الداخل والخارج بكونك زعيما وطنيا ووحدويا؛ فإنك الآن أعجز من أن تقنع مخبولا أو معتوها بكونك الزعيم الأوحد الذي بمقدوره إعادة اليمن واليمنيين إلى ما قبل ثورة فبراير الخالدة. الجنوب ليس الجنوب الذي انطلت عليه خديعتك ولؤمك، كما والشمال ليس الشمال الذي اعتبرته حقبة ذخرك وفي جيبك، فقل ما شئت واخطب قدر ما استطعت؛ فإنك لن تنل مبتغاك مهما تراءى لك أن ذلك ممكنا وسهلا. نعم.. عدن وتعز واليمن ليست مثلما كانت عليه في السنون الماضية السابقة أو التالية لحرب 94م كما وصنعاء ليست بصنعاء الأمس بحيث يمكنك التغرير ثانية وثالثة. أيها الزعيم.. ألا تدري أن خطابك الأخير قد أشعرنا بالقرف والوجع معا، قرف بكونك لا تتوقف عن هوسك وجنونك للسلطة، أما الوجع فبكونك رئيسا سابقا لا نعلم كيف طال صبرنا عليه؟ وكيف وصل به جنونه لحد إثارة واستفزاز غالبية اليمنيين؟.