هلَّ علينا شهر رمضان ودلف من نافذة الزمان ليحل علينا ضيفاً كريماً تنشرح له النفوس وتطمئن له القلوب وتحن وتتألم حينما يكمل إقامته ويرحل مودعاً كل الذين أحبوه وكل الذين يهفون له وينتظرونه.. رحل شهر رمضان بطابعة الروحاني والرباني وبحلته التي اعتدنا عليها والتي لم تتغير منذ أن شرعه الله واوجب على الخلق صيامه وقيامه، فمراتب الأجر والثواب لم تتغير، وطريقة صيامه وقيامه هي هي لم تتبدل رغم مرور دهور وأعوام ورغم كل المستجدات الحياتية والكونية التي شهدتها البشرية وتشهدها كل لحظة، إلا أن رمضان احتفظ بكل شيء ولم تغيره الأيام ولم يحفل بكل ما يطرأ على حياتنا، فهو شهر حبب فيه المولى الطاعات والأجور وفتح أبواب الفضل والخير لكل من أراد أن يطرقها ويبتغي أن يناله من خيرها وفضلها. * استهلال رمضان اعتاد الخلق في زمننا أن يعدوا له العدة وأن يعمروا موائده بكل ما لذ وطاب، وأن ينوعوا المأكل والمشرب، فيشمر كل رب أسرة ويوفر كل متطلبات هذا الشهر قبل حلوله بشهر كامل مهما كلفه ذلك من مبالغ، فمائدة رمضان يجب أن تكون مختلفة عن سائر الموائد ولا ينقصها شيء.. الكل اعتاد هذا وواظب عليه الناس رغم اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ولكل منطقة طريقتها في استقبال هذا الشهر المبارك والتحضير له من كافة الأصناف.. وبعيداً عن الأكل فرمضان له ميزة خاصة في النفوس وله خصوصية تفرد بها عن سائر أشهر السنة وفيه الفرحة والتسامح والسرور والتجاوز والصفح وفيه يشعر الإنسان بقربه من الله ويشعر بالأمان والاطمئنان ويجد كل ما يرجو من ربه ويتمناه أن أحسن الصيام والقيام ولم يخالف الرحمن.. وأبين رغم اتساعها وتعدد مناطقها، إلا أنها كسائر مدن اليمن تستقبل رمضان وتعد له العدة فهو ضيفاً ربانياً يختلف كثيراً عن الضيوف الآخرين، ويجب أن يلقى الترحاب والسرور والفرحة مهما كان ضيق الحال وتكدر العيش، فجزيل الأجر والثواب يضاعف من رب العباد، ولكن بما أن أبين تعاني من ويلات الحرب الضروس التي تدور رحالها والتي على أثرها نزح أهلها وشدوا الرحال عنها وتركوها خاوية على عروشها هرباً من الموت والحرب الشعواء التي تشهدها المحافظة والتي أتت على كل شيء ولم تخلف سوى الدمار والرعب والذعر والتنكيل بالمواطنين الذين لم يجدوا يداً من الترحال والنزوح إلى المحافظات المجاورة ليسكنوا في المدارس والمخيمات وعند بعض الأقارب في حالة لا تحتمل ويرثى لها، بعد أن كانوا أعزة في محافظتهم التي أحبوها رغم كل ما فيها من ضنك العيش وقسوة الحياة.. ولكن رغم كل ما يعانيه نازحو أبين من تقلبات الحياة ومرارة الترحال، إلا أن لهم رب يحميهم وسيخلصهم من البلاء الذي حل بهم.. يبقى السؤال الأهم كيف ينظر أهل أبين إلى رمضان؟ وما هي أوجه الخلاف بينه وبين سائر أشهر رمضان الفائتة؟، هل رمضان الحالي في نظرهم لم يتغير ولم تتغير طريقة استقبالهم له وفرحتهم به؟، أم أن الأوضاع قد غيرت نظرتهم لشهر رمضان ولم يعد لرمضان في دواخلهم تلك البهجة والفرحة والسعادة؟ وأن كانت كذلك فمن هو السبب؟ ومن أوصلهم إلى هذا الحال من عدم الرضا والترحيب بشهر رمضان؟، اعتقد وقبل أن يجيب المتحدثون أن رمضان لا يزال يحمل طابع رمضان ولكن ما تغير هو سبل الحياة المعيشية التي أتت الأزمات عليها وحولتها إلى جحيم وكابوس يراود الناس ليل نهار، في حلمهم وترحالهم وبدد بداخلهم فرصة استقبال هذا الشهر الفضيل وصعب من الحصول على كل متطلباته ومقوماته وجعل من رمضان هماً وعناء يخشاه الناس لكثرة المتطلبات التي تكثر فيه. رمضان الذي اعتاد الناس على استقباله بحفاوة وفرحة في ظل الأمن والأمان وراحة البال وتوفر بعض المتطلبات والاحتياجات والاستقرار النفسي والمادي ولى وسيسه البعض وجعلوا منه فرصة لقصم ظهور المواطنين ولأخافتهم ولترويعهم وبث الرعب بداخلهم بعد أن عاثوا في البلاد والعباد فساداً وأحالوا الحياة إلى جحيم، حينما خلقوا الأزمات والنكبات وجرعوا البسطاء ويلات هذه الأزمات والحروب، وإلا لما تشائم البعض وخاف من قدوم شهر رمضان في ظل هذه المشاكل والمحن التي تعصف بالوطن وبأبين خاصة. روحانية رمضان الأخ/ حسان زيد شاب كان لرمضان في دواخله وقعاً خاصاً ومكانة جعلته من الأفضل والأرجح بين سائر الشهور وذلك لم يجد في رمضان من روحانية ورخاء وسلام وأمان وهذا كله في السابق بعكس اليوم حيث قال: "من منا لا يرحب برمضان ولا يرجوه؟ ومن منا لا يحب شهر الغفران؟ ولو عدنا إلى الورى قليلاً لأدركنا صحة كلامي ففي الماضي كنا نستقبل رمضان بفرحة وسعادة لأن كل سبل الحياة متوفرة وسأذكر لك شيء واحد فقط وهو الأمن والاستقرار الذي تفتقر إليه اليوم في ظل كل المستجدات التي زرعت الذعر والرعب في النفوس.. فنحن مثلاً في لودر لم نعرف قط الحياة العسكرية ولم نعرف الحرب والاحتراب والقتل والتدمير، بل كانت حياتنا مدنية بحتة لا تعرف من لفة السلاح شيء ولكن أنظر اليوم إلى حالنا، فالجيش يحيط بالمديرية والقصف والاقتتال لا يهدأ له بال والخوف من أن تتجدد ا لمعارك وتحتدم المواقف وينالنا مانال أبناء زنجبار ونزح كما نزحنا في رمضان الماضي.. فبالله قل لي كيف نستسيغ طعم وحلاوة رمضان ونحن نقارع المشاكل والحرب وأصوات المدافع ليل نهار، ورمضان كما تعلم يحتاج إلى راحة بال واطمئنان. أما الدكتور/ يسلم القاضي فقال: يبدو أن الكل هذه المرة يجد فرقاً كبيراً بين أشهر رمضان وبالذات شهرنا الحالي، حيث أن الحياة المعيشية باتت صعبة ومحالة وأصبح من المستحيل أن يوفر المواطن متطلبات شهر رمضان واحتياجاته التي لا تأتي إلا بشق الأنفس، خصوصاً مع هذه الأزمة المالية التي ارتفع بسببها كل شيء ارتفاعاً جنونياً لكل السلع الاستهلاكية التي يتطلب من المواطن اقتنائها في سائر الأشهر، فكيف بشهر رمضان الذي تتنوع فيه صنوف الأكل وتكثر طلباته.. يا أخي نحن اليوم نعاني الأمرين جراء ارتفاع الأسعار وجراء الاستغلال الجائر من قبل التجار الذين لا يخافون الله ولا يراعون ظروف المواطنين المعدمين الذين لا يجدون قوت يومهم ويجدون صعوبة كبيرة في اقتناء بعض الحاجيات، بصراحة رمضان أتي في وقت تتقاذفنا فيه الهموم والمشاكل من حدب وصوب وهذه المشاكل كلها هي من جعلت المواطن ينظر إلى رمضان من الهم والأسى والضيق بعكس السابق الذي كانت فيه الحياة تقبل على الإنسان فيجد في رمضان اللذة والراحة والاطمئنان. وهناك هم آخر يرى فيه الأخ/ الخضر عبدالله البوباء معضلة تؤرق الجفون وكابوس يوقض المضاجع، خصوصاً في شهر رمضان وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف والذي يتمثل في انقطاع التيار الكهربائي بشكل دوري ومستمر عن المنطقة، بل يصل الأمر إلى انقطاعه لأربعة وعشرين ساعة وأحياناً لعدة أيام كما يحدث في أيامنا هذه حيث دخل انقطاع التيار عن المنطقة والمديريات المستفيدة منه أسبوعه الثاني بسبب عدم توفر مادة الديزل وقطع الطريق الرابط بين عدنوأبين بسبب الحرب الدائرة هناك، حيث كانت تتغذى المحطة بمادة الديزل من شركة النفط بعدن، ولو فرضنا أنه تم تغذيتها بمادة الديزل فهل ستشتغل الكهرباء بنظام الأربعة والعشرين ساعة؟، أم أنها ستسمر على نفس برنامجها الحالي؟ الذي لا يتعدى ال"6" ساعات في المساء فقط، وأنت تعلم أن رمضان له متطلباته أهمها شربة ماء باردة ونسائم هواء باردة تخفف من حدة الحر ولهيبة خصوصاً في هذا الصيف.. إذن كيف تريد منا أن نستقبل رمضان بنفس الفرحة والسعادة ومقومات الحياة معدومة.. أما الأزمة التي أثرت على الوطن برمته، فهي انعدام المشتقات النفطية، فيرى فيها الأخ/ عمار أحمد أنها الأكثر تأثيراً على كافة المناحي الحياتية، حيث سبب انعدامها شللاً تاماً في حركة الحياة الآدمية والصناعية فقال: نحن الآن مقبلون على شهر رمضان في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية خانقة لا ترحم، عطلت كافة المصالح وشلت كلياً حركة الحياة بعد أن انعدمت مادة المشتقات النفطية من الأسواق وركدت الحياة وتوقفت أغلب المصانع عن العمل والإنتاج ولم ترفد السوق بالمنتجات التي اعتدنا عليها بسبب شحة مادتي الديزل والبترول، كما واكب انعدم هذه المشتقات ارتفاع غير طبيعي في أغلب الأشياء، مثلاً المواصلات ارتفعت بنسبة "100 %" من وإلى المحافظات، وكذلك في إطار المدن نفسها، كما ارتفع سعر الماء، حيث وصل سعر الوايت "البوزة" إلى "7000" ريال كحد أدنى وذلك بحجة انعدم الديزل، ناهيك عن استغلال تجار السوق السوداء الوضع ورفضهم لأسعار الديزل والبترول، حيث وصل سعر البرميل الواحد إلى "70000" ريالاً وكل هذا يحدث دون رقيب أو حسيب، وطبعاً هذا العامل وغيره هو من جعلنا لا نشعر بالفرحة في شهر رمضان لأن كل شيء فيه بالذات الأشياء الاستهلاكية وصلت إلى الذروة وهذا فوق طاقة المواطن وتعدى حدود إمكانيات البسطاء والمعدمين، لأننا اعتدنا على أن نستقبل رمضان وسبل الحياة متوفرة بنسبة معقولة لا بأس بها، أما الآن تبدل وتغير كل شيء وما عدنا نحتمل تلك التقلبات التي تحدث بين الفينة والأخرى. رمضان ضيف رباني من جهته قال المحامي/ جلال عامر رمضان ضيف رباني وشهر روحاني والله عز وجل جعل فيه الخير والصلاح أن ابتهلنا إليه بصدق وإخلاص، لأن وضع الوطن برمته لا يسر صديق ولا حبيب ولا يبشر بالخير، بل ينذر بفاجعة ومصيبة أظنها ستقضي على كل شيء جميل وستحول اليمن إلى أثر بعد عين.. أنظر يا أخي إلى حالنا وأنظر إلى تلك التيارات والنكبات التي تتقاذف الوطن ونحن نتفرج ولم نحرك ساكناً، بل إن البعض يحاول أن يستغل الوضع الحالي لصالحه ويسخره لمصلحته الذاتية غير مكترث بوضعنا المادي والأمني والنفسي وهذه مصيبة يجب أن نتداركها ونحاول أن نجتثها ونقدم مصلحة الوطن الذي جعله البعض وسيلة للانتقام ووسيلة لتدمير الآخر، نعم نحن مقبلون على هذا الشهر وفي أنفسنا من الحسرة والألم ما فيها على كل الوطن وعلى حال البسطاء والمعدمين والمعوزين فيه.. أما الأخ/ علي محمد عامر فكان لانقطاع الاتصالات عن المحافظة أثره البالغ في نفسه كونه صاحب محل اتصالات فقال: ماذا تريد منا أن نقول عن رمضان في ظل ما نعاني؟ وبأي حال سنستقبل رمضان؟، فمصالحنا تعطلت وأحوالنا تكدرت، فالاتصالات مقطوعة عن المحافظة منذ حوالي شهرين وترتب على انقطاعها الكثير من المشاكل والأضرار، فهي تعتبر مصدر دخل وكسب لنا نحن العاطلين عن العمل، لأننا نجد فيها الوسيلة الوحيدة للعيش ومجابهة متطلبات الحياة، ونحن في هذا الشهر علينا التزامات مادية للمؤجرين ومتطلبات لمنازلنا، فكيف نستطيع أن نلبي هذا ونحن قد فقدنا مصدر رزقنا، وحتى شبكات الهاتف النقال لم تسلم هي من عبث العابثين ولم تستقر على قرار، فأيام تنقطع وساعات تعود.. ولكن نسأل الله أن يغير الأحوال ويصلح البلاد والعباد.. والأخ/ محمد أحمد الكازمي لم يختلف كثيراً عمن سبقوه وعبر عن استيائه وسخطه من كل شيء جراء ما يعانيه المواطنون من انعدام الضروريات التي يحتاجها المواطن كمادة الغاز التي تشهد مداً وجزراً فقال: لعلك سمعت عن انعدام مادة الغاز واختفائها المفاجئ من السوق والمعاناة التي تكبدها المواطنون في الحصول عليها التي تشهد مداً وجزراً واختفاءً وظهوراً وارتفاع غير مسبوق في سعر الأسطوانة الواحدة، مما أجبر المواطنين على استبداله بالحطب كحل بديل يرجا منه تلبية الغرض، ولكن ما يؤلمنا ويحز في أنفسنا هو كيف تستطيع النساء الطبخ في رمضان بالحطب وهن صائمات؟ وكيف سيتحملن لهيب النار والدخان المتصاعد منها؟ حقيقة بتنا في حيرة من أمرنا وفي حالة قلق دائم لأحوالنا بالذات في هذا الشهر الفضيل ولا نملك إلا أن نسأل الله أن يصلح ما أفسده عطارو الزمن. خاتمة إذن أجمع الكل على أن رمضان في هذا العام قضى على حلاوته وجماله الأزمات التي حلت بالبلد وأتت على كل شيء ولم تفرق بين أحد وسعت بكل قوتها وغطرستها وجبروتها للقضاء على المواطن تارة بالجرعات، وتارة بالأزمات، وتارة بالحروب التي تدور رحاها في أبين وبعض المحافظات.. أبناء الوطن يستقبلون هذا الشهر وهم يرزحون تحت وطأة المعاناة والقهر والظلم الذي لحق بهم والذي قضى على كل أحلامهم ودمر آمالهم، ولكنهم رغم كل ذلك يثقون ثقة كبيرة في الله جل وعلا في أن يصلح أحوالهم وأن يعيد المياه إلى مجاريها وأن يزرع الفرحة والابتسامة التي سرقها الحزن والآسى من شفاهم..