تمتلك الدراما اليمنية آفاقاً نوعية في انتقاء الفكرة المناسبة التي تمس حاجة المجتمع، واللون المتفرد أو بالأحرى القالب الخاص الذي يمكن أن تقدم من خلاله الفكرة. وهذه النوعية في الأفكار المشار إليها بالإضافة إلى القالب المذكور خصال قليلاً ما تتوافر في دراما المجتمعات المجاورة للمجتمع اليمني، باعتبار أن المجتمع اليمني متخم بالمشاكل والقضايا التي تستحق أن تعالج درامياً، وتتوافر لها قوالب عديدة لتقديمها للجمهور المحلي أو حتى العربي – مستقبلاً -. وكمثال حي لذلك هو مسلسل همي همك "3" الذي تم عرضه في رمضان هذا العام حيث كان التألق فيه للمخرج والمؤلف بل وللأداء الذي سُحر به الجميع، وكلنا أدركنا فكرة المسلسل المتمثلة بما يعانيه المجتمع اليمني من نفوذ بعض الشخصيات والسطو على حقوق الناس دون وجه حق، فكرة جاءت لتطرق أبواب أرض الواقع وتحذر من عواقبه. الفكرة تجسدت في عناصرها الرئيسية حسب تحليلي الشخصي العنصر الأول وهو عنصر متسلط "طفاح وابنه عوض" وطفاح هو ذلك الشبح المزيف استطاع النجم حسن علوان بصوته وحجمه بل وبملامح وجهه أن يبرز تلك الشخصية الظالمة المحورية درامياً، وشخصية ولده عوض الذي لعب دورها الشاب الضائع والذي لا يفقه شيئاً وبنظري شخصية مثل ذلك كان لابد لها من تغليب الأمر الجاد وإبراز الحقد تجاه الأخرين والعمل الخبيث أكثر مما أظهره المبدع صلاح الوافي..فمثل تلك شخصية هي في الواقع قد تمزج بين ما تم عرضه وما أراه من وجهة نظري، لكن يغلب في بيئة هذه الشريحة "الشيوخ وأولادهم " الكبرياء والسطو وبشخصية جادة وصارمة تتشكل ملامح الإجرام والجبروت على وجوههم، بمعنى أن شخصية عوض من وجهة نظري الشخصية لا تتناسب مع شخصية كوميدية كصلاح الوافي الذي حول شخصية عوض إلى شخصية غير مبالية دون الاكتراث، سمات عشق الإجرام والعلو كونه تربى على ذلك، فواقع هذه الشخصية كنا يجب أن نرى فيها كل أعمال الخبث والإجرام بشخصية جادة تخلل فيها بعض الهزل، أي أن عوض كان لابد أن يغلب الجد والنظرات الخبيثة أكثر من الهزل والضحك. أما العنصر الرئيسي الثاني الذي تكون من شخصيتين من أهالي القرية "شوتر وزنبقة" تجسد فيهما غياب العلم وتفشي الجهل ورسوخ معتقد الرضوخ لجبروت الشيخ مما ولد الاتكال عليه والرجوع إليه بأي موضوع أو قضية سواء عامة أو شخصية، وهذا يبين مدى ظلم الناس أنفسهم بأنفسهم وأن العلم سراج لا بد منه مع وجود من يعرض ذلك إلا أن الاعتقاد بالشيخ يولد كل شيء لهم مع بيان اضطهاد هذه الأسرة للمرأة سواء بعدم تعليمها أو لاستنقاصهم معنى الأنوثة سواء للإبنة أو لزوجة الإبن، وعلى ذكر "زنبقة" فهي شخصية أعطاها المتألق "نبيل الأنسي" روعة الكوميدية بحركاته العجيبة ليؤكد أنه مبدع بحق. أما شخصية" نوري" ووالده "فتيني" فقد مثلا العنصر الرئيسي الثالث، حيث كانت شخصيات بارزة مضمونها الدفاع عن حقوق الآخرين وعدم السكوت عن الحق والرضوخ للظلم "هذه ظاهرة موجودة في المجتمع" فشخصية نوري المجتهدة والناجحة جسدت معاني الولاء للوطن والبلد بتقديم كل ما تعلمه لوطنه وأهله وأن العلم لا ينفع دون العمل به لخدمة البشرية، كذلك أظهرت شخصية نوري معاني التعايش والمشاركة مع الآخرين "المشاركة بالرقص في الأفراح" ومثل هذه المعاني لا يمكن أن يجسدها شخص ناجح كالطبيب أو المهندس – بحسب أعراف مجتمعنا - وهذا مفهوم خاطئ جدًا فبيان ذلك في هذه الشخصية يساعد على جعل الأمر طبيعياً وأن الشخص الناجح لابد له من المشاركة في الحياة العامة للجميع. الشخصية الثانية في هذا العنصر هو" فتيني " أوضحت معنى التربية السليمة للأولاد على الحق والوقوف ضد الظلم والاستبداد وبيانها بأن التربية للأولاد والوقوف ضد الظلم ليس للمتعلمين فقط كما يظن الكثير، ويبين هذا العنصر ضرورة التكاتف والوقوف يدًا واحدة ضد الظلم والقهر والذل. وهنا أضيف عنصراً أخيراً من العناصر الرئيسية هو شخصية الدكتور جمعة وأمه، كشخصيتين جسدتا معنى الأخوة العربية وكيف يشعر الأخ بأخيه وبألمه وفرحه...وبيان كيفية الاستعانة بأخيك العربي...وأن نموذج "طفاح" لا يقتصر على اليمن فقط بل هو مأساة تعيشها البلدان العربية بأسرها منذ فترة طويلة وحان لكل شعب عربي أن يقف ضد طفاح بلده "رئيسه" لتعود كرامة العرب وعزتهم. تأمل.. ختام المسلسل كان رائعاً جداً.. عند قيام أبناء القرية بالوقوف أمام طفاح وتقييده على النخلة كما يفعل هو، وإخراج عيوبه وربط "عوض" بجانبه، كأن أبناء القرية من قاموا بذلك هم من الذكور فقط....بظني كان سيكون أروع لو أن بعض النساء أتت في ذلك الوقت وقامت برميه والبصق عليه ليبرز عمل المرأة ودورها في الوقوف ضد الظلم خاصة وأن المسلسل يبين ثورة اليوم القائمة وبلا شك أن دور المرأة في الثورة كان بارز جداً. ليس هذا فقط بل وإن كان المسلسل يختتم بكشف أقنعة التمثيل للمشاهد بأن يتحدث كل شخص عن دوره ولماذا قام بتمثيله، مع اختتامه باسمه الحقيقي لكان أفضل..مثلا شخصية طفاح يبين الفنان/ حسن علوان لماذا قام بتمثيل هذا الدور خشية كره الجمهور له. لكن إظهاراً للظلم والاستبداد القائم اليوم وأن الظالم له نهايته المرّة، وأن يتم تعميم ذلك على أبطال المسلسل. عموماً.. فلاح الجبوري،فهد القرني،ونبيل الآنسي..أشعرتمونا بجد أن همكم هو همنا..وأثبتم للعالم بأن الفن اليمني متألق ومتميز جداً، وكنتم صورة طبق الأصل لواقعنا المعاش، وأكدتم أن الدراما اليمنية لها خصوصيتها التي تستطيع أن تقودها نحو النجاح والعالمية، من خلال واقعنا المتعدد الذي يمثل أرض خصبة للإبداع، وثقافاتنا المتنوعة التي تسمح بتنوع الأفكار وتقديمها بمختلف القوالب تهامية كانت أم صنعانية أم عدنية أم غيرها. " أتك أتك أتك،، يمين بالله يمين بالله وأنا حلفت يمين، إنكم مبدعون "... تحياتي جواهر الفن.