في 17 ديسمبر من العام 2009 أشرقت شمس ذلك اليوم وأشعتها ملطخة بدماء ضحايا قرية المعجلة، كانت عبر إطلاق صواريخ من سفينة حربية أميركية الساعة 6 صباحاً، مخترقة الحدود والجغرافيا والقوانين الدولية، منفذة هجمات على إحدى القرى اليمنية وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى أغلبهم من أسر واحدة، وكما هو الحال فإن الغموض هو سيد الموقف والتكتم هو الحاصل بعد كل عملية انتهاك وسقوط أبرياء.. تلك السرية تكفل بفك شفرتها للرأي العالمي صحافي دفع ثمن تلك الجرأة ثلاث سنوات في زنزانة انفرادية. ذلك الهجوم الصاروخي أصاب مخيم قبيلة "آل حيدرة" وخلّف مقتل 14 من أفرادها بينهم نساء وأطفال، بعد ذلك أطلقت بارجة أميركية صاروخاً آخر محملاً بقنابل عنقودية انفجر فوق مساكن قبيلة "العنبوري", سقط إثر ذلك 55 شخصاً ضمنهم 14 امرأة، 7منهن حوامل و 21 طفلاً، حسب تقرير لمنظمة الكرامة لحقوق الإنسان. ضحايا أبرياء وتبريرات الدولة صرّحت السلطات اليمنية بعد الحادثة أن الهجوم استهدف رجالاً من تنظيم القاعدة، وذلك فقط بعد ثلاثة أيام من إدراج تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كمنظمة إرهابية. كان الموقف الرسمي يخّيم عليه التكتم والصمت الرهيب، وتم إظهار الحادثة للرأي العام على أن القوات اليمنية استهدفت عناصر إرهابية، ولم تكتف السلطات بذلك، بل سارع نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن آنذاك رشاد العليمي ليقول للسفير الأميركي إن الحكومة اليمنية راضية عن هذه العملية وأنها تأمل مواصلة تعاونها مع الولاياتالمتحدة في مجال مكافحة الإرهاب!.. لم تصم الولاياتالمتحدة الأميركية آذانها واستفادت من الترحيب والتبرير المثير لمثل هذه الهجمات من مسؤولين كبار في الحكومة حينها على رأسهم رئيس الدولة/ على عبدالله صالح، فواصلت سلسلة القتل خارج نطاق القضاء، وبعد كل هجمة تسارع الجهات الحكومية اليمنية لخلق مبررات لتلك الهجمات، حتى وإن كان الغالبية العظمى من الذين سقطوا جراء القصف أبرياء بينهم أطفال ونساء، بشهادة "دينيس كوسينيتش" العضو في الكونغرس الأميركي والذي عبّر بقوله" لم نعلن الحرب على أية من هذه الأمم) باكستان، اليمن، الصومال (لكن أسلحتنا قتلت مدنيين أبرياء، فقد أظهر باحثون مشهورون أن عدد المستهدفين القياديين من القاعدة, الذين قتلوا يمثل حوالي 2% من العدد الكلي للضحايا". معجلة البيضاء مجزرة قرية المعجلة في أبين لا تقل بشاعة عن المجزرة التي وقعت الخميس 12 ديسمبر 2013م في منطقة قيفة رداع مديرية ولد ربيع محافظة البيضاء والتي استهدفت موكب عرس سقط فيه 12 قتيلاً و13 جريحاً. الشيخ القبلي لمنطقة "يكلأ" عبدالله بن محمد التيسي, كان أحد الضحايا المصابين والذي نجا من الموت في القصف، كانت آثار الشظايا متوزعة على جميع أنحاء جسمه، قبل حديثه عن المأساة وفقده اثنين من أولاده في ستة أشهر فقط، يتحدث عن ثورة الشباب بلهجته التي تحمل عزة القبيلة المغدورة في كرامتها.. قال" إنه كان من الرجال الذين ساندوا ثورة الشباب السلمية وأصيب أحد أبنائه في تلك الاحتجاجات؛ آملاً في التغيير إلى وضع أحسن ينتشلهم من مستنقع التخلف الذي يعيشون فيه ولم يعرف حسب تعبيره أنه يناضل ليأتي رئيس يمتهن كرامته بطائرة دون طيار أميركية دون أدنى اعتبار لحرمة الدم اليمني". يروي الشيخ/ عبدالله التيسي, الحادث بقوله "إن من عادات القبائل في أي عرس أن يذهب مع العريس موكب، هذه المرة كان موكب العرس مكوناً من 14 سيارة ومجموعة من الرجال بعدد 70 شخصاً يسمون "شواعة" تحركوا من قرية "ذي كالب" بمديرية القريشية والتي تنحدر منها العروسة.. بعد وصولهم أسفل منطقة "عقبة زَعْج" والتي تبعد عن مدينة رداع بحوالي 40 كم, وعن قرية "يكلأ" التي منها الضحايا بحوالي 30 كم- في تلك العقبة تعطلت إحدى السيارات فاضطر موكب العرس الانتظار حتى يتم تصليح السيارة، أثناء الانتظار- يقول الشيخ عبدالله- إن صوت الطائرة بدون طيار بدأ يرتفع فيما يبدو أنها كانت تحلق بشكل منخفض لتنفيذ الهجوم. وأضاف" بعد لحظات حدثت الكارثة.. إطلاق الصاروخ الأول والذي استهدف السيارة الرابعة في الموكب وهي عبارة عن طقم "لاند كروزر شبح موديل 2012".. شاهد السائق دنو الطائرة وإشارة الليزر فهرب مع مجوعة آخرين, بعد ثواني ضرب الصاروخ في مقدمة السيارة فقتل أربعة أشخاص وجرح عدد خمسة إصابتهم بليغة كانوا على متن السيارة، ومن ثم تم إطلاق صاروخين بشكل مباشر أحدثا حفرة عميقة قرب سيارة حبة موديل 2008 كان فيها السائق "فهد ناصر علي التيسي" الذي نجا وأصيب ثلاثة أشخاص أحدهم قطعت شظية قدمه اليمنى وفقعت إحدى عينيه وأربعة آخرون قتلوا". كان من ضمن القتلى "علي عبدالله التيسي" أحد أبناء الشيخ/ عبدالله التيسي!. لم تترك الصواريخ لأحد استعادة نفسه حتى تفجر صاروخ رابع في الجو.. يقول أحد الضحايا إن الهدف من تفجيره في الجو هو إصابة العديد من الناس بالشظايا التي ستتطاير, وأصيبت سيارة الشيخ عبدالله وسيارة أخرى وكذلك السيارة التي كان على متنها العريس والعروسة. موكب زفاف بلون الدم بعد توقف ضرب الصواريخ كانت الطائرة بدون طيار, تحلق بانخفاض شديد.. هرع الجميع من أجل انقاذ الجرحى إلا أن الانخفاض الشديد للطائرة منعهم وأخافهم من الاقتراب لفترة معينة. العريس الحاج/ عبدالله مبخوت العأمير الذي يظهر في الصورة مع حفيده نجا وكانت إصابته طفيفة، وحاول حماية العروسة التي أصيبت في خدها, ترجّل من جوار العروسة سريعاً، ليشاهد جريمة إصابته بحالة نفسية شديدة وأنسته فرحة العرس، نظر إلى القتلى فإذا منهم ابنه الوحيد والذي كان مغترباً في السعودية وهو من صمم على أن يزوج والده تنفيذاً لرغبة الأب بمزيد من الأولاد، احتضن العريس ابنه المقتول وهو مقطع الأطراف وقدماه مبتورتان، وهو يصرخ لماذا تتركني هنا.. لماذا لا تأتي معي؟. المأساة لم تتوقف هنا بل كانت هناك مأساة أخرى عندما أصيب المواطن/ محمد علي أحمد العأمير بشظية افقدته ذكورته, حيث تم استئصال جهازه التناسلي وهو يرقد في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء. منحتهم كيس دقيق ولم تمنحهم فرصة لأكله قدمت الولاياتالمتحدة الأميركية سلة غذائية من حبوب وغيرها إلى فقراء تلك المناطق, ويقول أحد اعيان المنطقة "إن أميركا اعطتهم كيس دقيق ومع كل كيس صاروخ! بل لم تمنحهم فرصة لطحن ذلك الحبوب، فبعد ايام قليلة من اعطائهم تلك السلة كانت حادثة قصف موكب العرس". رغم سقوط مدنين، لكن الحادثة تناولتها وسائل الإعلام بشيء من الظلم والتوظيف السياسي، فبعد الحادث نشرت الوكالة الرسمية اليمنية للأنباء "سبأ" عن مصدر مسؤول باللجنة الأمنية العليا بأنه في إطار الجهود التي تبذلها الأجهزة العسكرية والأمنية لملاحقة وتتبع عناصر تنظيم القاعدة تم تنفيذ ضربة جوية استهدفت سيارة تخص أحد قيادات تنظيم القاعدة في منطقة "يكلا" بمديرية رداع بمحافظة البيضاء وعلى متنها عدد من قيادات وعناصر التنظيم!. لكن وكالة سبأ اقترفت خطأ فادحاً إذ انها نسبت الهجمة لقوات الجيش وتجاهلت أن من نفذ القصف طائرة أميركية بدون طيار ولم تشير الوكالة إلى استهداف موكب عرس. وحاولت الولاياتالمتحدة عبر مسؤولين تبرير استهدافها للمدنيين، بأنها استهدفت "شوقي على أحمد البعدانى" والذي قالت بأنه القيادي المدبر للمؤامرة التي أدت إلى إغلاق تسع عشرة بعثة دبلوماسية أميركية في أفريقيا والشرق الأوسط في وقت سابق من هذا العام. وأضافت "إن القيادي أصيب فقط ونجا، بينما قتل نحو عشرة آخرين". غابت المدارس والخدمات الأساسية وحضرت طائرات الدرونز في بيئة وعرة وأرض جدباء خالية من ابسط مقومات الحياة يعيش أبناء قرية "يكلأ" مع قرى أخرى مجاورة، بتعبير أحد ابناء هذه المنطقة, وكان يكفي أهل هذه المناطق ما يعانونه من غياب أدنى الخدمات الأساسية التي يتمتع بها بنو البشر، لا وجود لمصطلح الكهرباء في تلك المناطق وهناك مركز صحي تم إنشاؤه قبل سبع سنوات ولكن تم غلقه من قبل أن يفتح! ولم يتواجد فيه لا أطباء ولا أدوية". أحد الشباب من أبناء المنطقة استطاع أن يكمل دراسته الثانوية خارج جغرافيا "قيفة" قال إنه قرأ قليلا عن الأدوية فقرر فتح دكان صغير يوجد فيه أدوية, معتبراً ذلك الدكان صيدلية!. كان يتمنى أن تلتفت إليه الدولة ليصبح على الأقل صيدلانياً مؤهلاً. التقيت بكثير من الشباب والأطفال في المنطقة وكان سؤالي الموجهة لكل شاب" أنت الآن في أي صف تدرس"؟.. كان الجواب صادماً ولا يناسب القرن الواحد والعشرين إذ أن أغلب الشباب لا يستطيعون القراءة والكتابة!.. حيث توجد مدرسة في منطقة "يكلأ" بثلاثة فصول فقط! وهي مدرسة ابتدائية, وتعتبر هي الوحيدة لعدد 6 قرى في المنطقة, لكن المدرسة خالية من المدرسين! وفي إجازة دائمة حسب تعبير أحد الشباب. يحدثنا الأهالي أن المدرسين فروا خوفاً من التحليق المستمر للطيران الأميركي بدون طيار.. يقول علي العأمير وهو من أهالي المنطقة "إن الطيران الأميركي بدون طيار يحلق فوق رؤوسهم منذ أكثر من 3 سنوات". الأهالي تعودوا على ذلك الصوت المخيف، لكن بعد حادثة استهداف موكب العرس ارتفعت وتيرة الخوف ليدهم، وأصبحوا يعيشوا في قلق ورعب دائم. كان الطلب الوحيد من أبناء تلك المناطق هو مغادرة ذلك الشبح المخيف والكابوس المحلق فوق رؤوسهم عن قراهم؛ ليعيشوا في أمان. تحكيم القبائل.. وتعويض ضحايا لكوبري بعد أخذ الجثث إلى مسجد السنة في رداع، قام أهالي المنطقة بعمل احتجاجات ووضع القتلى على قارعة الطريق، منددين ببشاعة الجريمة، وحضر قائد المنطقة السابعة "على محسن مثنى" ليعلن تضامنه وينقل تعازيه لأهالي الضحايا، وحضر المحافظ الظاهري الشدادي وأعطت القبائل 24 ساعة للدولة لبيان موقفها. تعاطف القبائل مع القاعدة يبدو واضحا للجميع وبشكل مؤلم، باستثناء الرئيس أوباما، أن هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن تتسبب بضرر أكبر بكثير مما تنفع".. هذا ما تقوله المديرة القانونية لمنظمة "ريبريف"، كات كريج التي عبّرت عن خيبة أملها من موقف أوباما. وحسب تقرير دولي لمنظمة "الكرامة لحقوق الإنسان" يقدر عدد العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الأميركية في اليمن منذ 2002 وإلى غاية 2013 ما بين 135 و 235 عملية تشمل القصف بالطائرات والدرونز وإطلاق الصواريخ من بارجات حربية تبحر بخليج عدن.. وحسب المصادر خلفت هذه العمليات ما بين 1000 و 2000 قتيل, ولم تقدم السلطات اليمنية ولا الأميركية لغاية الآن أي جرد بعدد القتلى. ومع هذا العدد الهائل من المدنيين الذي تخلفه الطائرات بدون طيار فإن المتعاطفين مع تنظيم القاعدة يرتفع مع كل ضربة تنفذها الطائرات بدون طيار, حيث أبلغ الآن غرايسون وهو عضو ديمقراطي في الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا رويترز أنه وفقاً لمسؤول أميركي خدم في اليمن ‘تؤدي كل غارة بطائرة بدون طيار إلى انضمام 50 إلى 60 عضوا جديدا للقاعدة'.. ووصف غرايسون الذي شارك مؤخراً في جلسة بالكونغرس ضمت أقارب ضحايا غارات طائرات بدون طيار وصف هذه السياسة بانها ‘غير فعالة'. في هذه الحالة تبدو وسائل معالجة مشكلة الإرهاب إرهابا بحد ذاته ومشكلة في نفس الوقت، تساهم في ارتفاع اتباع الجماعات المسلحة, لا سيما في اليمن البلد القبلي الذي تتحكم فيه العصبية القبيلة، فمقتل شخص من القبيلة عن طريق الطائرات الأميركية بدون طيار معناه تحول القبيلة بأكملها لمناهضة السياسة الأميركية والالتحاق بتنظيم القاعدة