لم يعد المشهد غريبا وأنت تتنقل في شوارع العاصمة صنعاء، حين تقابلك وجوه عابسة لأطفال تتمنطق الكلاشنكوف في نقاط أمنية تابعة لجماعة الحوثي لتفتيش المارة.. بيد أن هناك حكايات تبدو موجعة أكثر لأطفال رمت بهم الظروف التي تمر بها البلد منذ أكثر من ثلاثة أعوام إلى صفوف المتحاربين، ولم يتبق من ذكراهم سوى صور فقدان معلقة في جدران المدن وحيطان منازلهم وماسي مبكية في قلوب ذويهم. يقول أحد المدرسين الذين فارق طلاب له من صغار السن بعد أن تركوا مدارسهم وانخرطوا في صفوف المقاتلين: إن لون الدم صار أقرب للطفل من علبة الألوان، والكلاشينكوف بدلا عن الألعاب، وساحة التدريب والمعسكرات بدلا عن المدارس ومرح الحدائق والمتنزهات.. في حين تتحدث معلمة أخرى، وهي مشرفة اجتماعية في إحدى مدارس صنعاء، عن فقدانها أكثر من 30 طفلا من التعليم الأساسي تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما، وأن هؤلاء الأطفال قتلوا بالمعارك.. ظاهرة خطيرة تؤرق المحيط الاجتماعي في البلد، وتنذر بجيل أكثر وحشية وقساوة على مجتمعه ومحيطه، حد تعبير أخصائيين.. وكان التحالف المدني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في أحدث تقرير له وثق تجنيد (424) طفلاً خلال النصف الأول من العام الجاري 2017م، وذلك من قبل مليشيا الحوثي صالح، تركزت أغلبها في محافظاتصنعاءوذمار وعمران. وفي تقريره الفصلي حول حالة حقوق الإنسان خلال الفترة يناير- مايو 2017 وانتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها أطراف النزاع في اليمن، سجل التحالف اليمني مقتل (440) ضحية قتلتهم مليشيا الحوثي صالح، بينهم (78) طفلاً. كما سجل مقتل (39) مدنياً بينهم (5) أطفال بسبب الألغام الفردية والألغام المضادة للمركبات. وما يلاحظ خلال الفترة المعد لها التقرير ازدياد الهجمات والانتهاكات التي تستهدف النساء والأطفال، سواء فيما يتعلق بالقتل والإصابة أو حرمانهم من التعليم. فقد سجل التحالف اليمني مقتل (127) طفلاً وإصابة (229) آخرين، في هجمات وأعمال عدائية استهدفت الأحياء والتجمعات السكانية وهجمات موجهة، كانت اغلبها في محافظة تعز والبيضاء وصنعاء. وتصدرت مليشيا الحوثي صالح الرقم الأكبر في ممارستها لتلك الانتهاكات فقد قتلت (73) طفلاً، وجرحت (201)، بينما قتل طيران التحالف (30) طفلاً. ساحات حشد وقال مسئول وحدة الرصد والتوثيق في التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان رياض الدبعي إن عدد الأطفال الذين قتلوا من الأطفال المجندين أثناء مشاركتهم في المعارك بلغ (424) طفلا من أصل (1529) ضمن ما تم رصده، بينما أصيب منهم 61 طفل بإعاقات دائمة. وذكر الدبعي في ندوة نظمها، مؤخراً، التحالف اليمني في مجلس حقوق الإنسان بجنيف إن الأطفال المجندين ينتمون غالبا لمحيط اجتماعي قبلي وفقير. وأشار إلى أن جماعة الحوثي جندت واستخدمت الأطفال في المعسكرات ونقاط التفتيش، إما لتقديم الخدمة والمساعدة في الأمور غير العسكرية، أو لتفتيش سيارات المارة والناس في نقاط التفتيش في شوارع المدن. وأضاف: "هو ما يجعلهم بذلك لأن يكونون عرضة للقصف والاشتباك، ولا يغفل هنا المعاملة الفظة التي قد يكون من ضمنها تعرض الأطفال المجندين للاعتداء الجسدي والتعنيف، كما أن بعض الأطفال الصغار يتعرضون للتحرش جراء حشرهم في المعسكرات مع مقاتلين يفوقونهم عمرا". وأورد مسئول وحدة الرصد والتوثيق في التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان إن جماعة الحوثي استخدمت المساجد ودور العبادة والخطب الحماسية لتجنيد الأطفال (تكريس خطب الجمعة للحديث عن الجهاد والخطاب الطائفي في جوامع تابعة للجماعة مثل جامع الكبسي حي التحرير شارع الزراعة) بالعاصمة صنعاء. وذكر أن الجماعة استغلت المدارس لحشد الأطفال إلى المحرقة في انتهاك صارخ لحرمة التعليم والمرافق التعليمية كما حدث في مدرسة الكويت مديرية الوحدة بالعاصمة صنعاء. وأضاف: "كما استخدمت الجماعة مقار حكومية وأهلية وساحات عامة ومعسكرات استولت عليها كمراكز تدريب للأطفال مثل مقر جامعة الإيمان ومقر الفرقة الأولى مدرع سابقا، والتي تسيطر عليها مليشيا الحوثي وصالح". ذمار في الصدارة من جانبه تحدث رئيس مؤسسة صح لحقوق الإنسان/ عصام الشاعري إن حالات تجنيد الأطفال من قبل الحوثيين تضاعفت إلى عدة أضعاف في العام السابق مما تسبب في سقوط آلاف الضحايا من الأطفال. وأشار إلى أن محافظة ذمار احتلت المرتبة الأولى من حيث تجنيد الأطفال تلتها صعده وعمران وحجة والحديدة وإب والمحويت. وفيما أكد أن عدد الأطفال الذين تعرضوا للقتل أو التشويه زاد بمقدار خمسة أضعاف العام السابق. تحدث الشاعري عن عمليات التعبئة الدينية التي تقوم بها ميلشيات الحوثي بخاصة في محافظة صعده شمال اليمن.. أوضح أنه يتم تخصيص حصص أسبوعية لطلاب المدارس تتحدث عن فضيلة الحروب والجهاد في سبيل الله.. فضلاً عن عرض بعض الأفلام الوثائقية الحماسية لحث وتشجيع الأطفال على الجنوح نحو الحرب وهو ما يفسره شعار الميليشيا التي تنادي بالموت. الشاعري أشار إلى أنه في محافظة المحويت وحدها قتل من الأطفال المجندين 105 طفلا وجندت 234 حالة تجنيد من خلال التربويين والمشايخ والواجاهات الذين استهدفتهم بعدد من الدورات التدريبية في مناطق الأهجر أو في المحويت والمعسكرات منها معسكر وادي الحسي بملحان ومعسكرات في الحيمة وأرحب. وفي محافظة ذمار قال الشاعري إن المحافظة شهدت تجنيد 724 طفلا أعمارهم لا تتجاوز 15 عاما، وان أغلب الأطفال الذين قتلوا ينتمون لهذه المحافظة. ونقل عن إحدى المعلمات وهي مشرفة اجتماعية في مدرسة بصنعاء أنها فقدت أكثر من 30 طفلا من التعليم الأساسي تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما، وأن هؤلاء الأطفال قتلوا بالمعارك، وقد وثقت المؤسسة الكثير من هذه المقابلات مع التربويين والمعلمين. جرائم جسيمة وأوضح وزير حقوق الإنسان/ محمد محسن عسكر أن نسبة تجنيد الأطفال بات عشرة أضعاف الأعوام السابقة.. لافتا إلى جهود الحكومة اليمنية في تأهيل المجندين الأطفال وعمل دورات وبناء القدرات لعدد من الأخصائيين لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لحماية الأطفال.. كما أشار إلى قيام الحكومة اليمنية بتأهيل عدد 31 طفلا وإعادتهم إلى أسرهم حيث تلقوا العلاجات والتأهيل من منظمة أطباء بلا حدود والصليب الأحمر ومركز الملك سلمان للإغاثة والإعمال الإنسانية. وزير حقوق الإنسان كشف عن أن عدد قتلى الحرب في اليمن منذ بداية الانقلاب 11251 بينهم 1080 طفلا و684 امرأة. وقال إن قوات صالح ومليشيات الحوثي الإنقلابية مازالت ترتكب جرائم جسيمة بحق الأبرياء، وتحديدا الأطفال والنساء، وأن تلك الجرائم تعد انتهاك في القانون الدولي الإنساني. وتطرق إلى قيام التحالف العربي بالتعاون مع لجنة الصليب الأحمر ومنظمة اليونيسيف بإعادة 52 طفلا تم تجنيدهم على أيدي المليشيات الحوثية. حيث دفعت فيهم مليشيات الحوثي صالح إلى الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية للقتال وزرع الألغام الأرضية، حيث تم تسليمهم الحكومة اليمنية لرعايتهم ولم شملهم بأسرهم. وأشار الوزير عسكر- على هامش مشاركة وزارة حقوق الإنسان اليمنية في الدورة 35 لمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية، والذي تم من خلاله عرض تقرير لملخص الانتهاكات التي ترتكبها قوات صالح ومليشيات الحوثي بحق المدنين وتحديدا بمدينة تعز- أشار إلى أن إجمالي عدد القتلى منذ بداية الانقلاب 11251 بينهم 1080 طفلا و684 امرأة وأن الوزارة سجلت عام 2017م مقتل أكثر من 500 مدني بينهم أطفال ونساء. وفي تعز ولمدة عشرين يوم ارتكبت الميليشيا الانقلابية جرائم وانتهاكات بلغت نسبة القتل والإصابة 62 مدنيا، بينهم 8 نساء و14 طفلا، اثر قصفها أحياء الضبوعة وحي صالة وثعبات والجحملية والجمهوري والتشريفات، ومقتل 52 مدنيا نتيجة الألغام ليرتفع ضحايا الألغام إلى 367 والمصابين 429 شخصا. أسوأ أشكال العمالة رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة/ أحمد القرشي يقول أن الكثير من الانتهاكات والجرائم والممارسات الضارة بحقوق الطفل تضاعفت بسبب الحرب وانعكاساتها المباشرة على الفئات الضعيفة والأضعف كالأطفال.. ويضيف: "حيث توقف الكثير من مصادر الدخل، ونزح أكثر من ثلاثة ملايين شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء، ما دفع الكثير من الأسر اليمنية تلجأ إلى بدائل ضارة بحقوق الطفل لتحسين سبل معيشتها كعمالة الأطفال وتجنيدهم وكذا الممارسات الجنسية ضدهم.. خصوصا مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق في اليمن". ويؤكد أن تجنيد الأطفال حسب قانون منظمة العمل الدولية يعد من أسوء أشكال عمالة الأطفال التي لا توجد إحصائية معينة بحجمها اليوم. لكن من المؤكد أن المشكلة تضاعفت إلى ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الفترات الماضية، حسب القرشي. ويشير إلى الآثار السلبية والخطيرة من هذه الظاهرة كالتحاق الأطفال في الجماعات المسلحة، والأعمال التي تمثل خطورة عليهم في السن ما دون الخامسة عشر من العمر، وحرمانهم من التعليم.. وبالتالي بعد توقف الحرب يتحولون إلى أشخاص غير منتجين وغير قادرين على مواصلة تعليمهم، وكذلك يتحولون إلى آباء وأمهات في المستقبل غير قادرين على المساهمة بالتنمية لما بعد الحرب. كما أن التحاقهم في ما وصفه بأسوأ أشكال عمالة الأطفال يجعلهم غير ذي جدوى في المستقبل، يصبحون عرضة للاستقطاب للمجموعات الإرهابية والجريمة المنظمة وكذا الجريمة على المستوى الاجتماعي كالسرقة والنهب والتقطع وغيرها. مضاعفات سلبية واعتبر مسئول وحدة الرصد والتوثيق في التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان/ رياض الدبعي تجنيد الحوثي للأطفال رسالة تحمل في طياتها رسائل نفسية عدَّة منها داخلية للأطفال الموجودين ضمن البيئة الاجتماعية نفسها.. حيث يتمُّ إظهار هذا الطفل على أنه "بطل"، وبمجرد أن يتكرر المشهد نفسه يعتاد الطفل تلقائياً على العنف ويصبح جزءاً طبيعياً من حياته اليومية.. إضافة إلى رسائل اجتماعية لغرض فرض السيطرة بالعنف هدفها إخافة الإنسان العادي، وإعلامه بأنَّ الطفل مجرم وقادر على القتل فكيف بالشخص البالغ، ورسالة أخرى مفادها إن تجنيد الأطفال هو آلية لإطالة أمد الصراع وانتقاله من جيل إلى آخر من خلال الثارات. وأوضح الدبعي إن الأطفال الذين استقطبوا للتجنيد في صفوف مليشيات الحوثي للأسباب السابق ذكرها كانوا يؤخذون دون علم أهاليهم، أو من خلال الضغط على أولياء أمور الأطفال وتهديدهم إن عارضوا عملية التجنيد.. بينما البعض المتبقي يتم تجنيدهم بموافقة أسرهم على أمل أن تحصل الأسرة على مردود مادي يعينهم على تكاليف الحياة وشظف العيش. ودعا الدبعي جماعة الحوثي بالإيفاء بالتزاماتها وتسريح كافة المجندين لديها من الأطفال وإغلاق مراكز التدريب ومراكز الاستقطاب وتحمل المسؤولية وجبر الضرر عن الضحايا. كما دعا اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان إلى الشروع وبشكل عاجل في التحقيق في الانتهاكات في حق الطفولة ومنها عملية التجنيد الذي تقوم به جماعة الحوثي. وفيما طالب مجلس حقوق الإنسان بإدانة عملية تجنيد الأطفال والزج بهم في القتال الدائر في اليمن من قبل جماعة الحوثي والضغط على الجماعة لإجبارها على تسريح المجندين من الأطفال. دعا مسؤول وحدة الرصد والتوثيق في التحالف اليمني، الحكومة إلى الاهتمام بالأطفال والعمل على استيعاب المتسربين من المدارس وإصدار قوانين تجرم تجنيد الأطفال أو استخدامهم في أي صراعات مسلحة. وحوش أو جثامين كالعادة يدفع أطفال اليمن ثمن الصراع والمواجهات، حيث وأنّ الحرب الداخلية والقصف المتواصل، يجعلان الأطفال وأُسَرهم عرضة لمخاطر العنف والمرض والحرمان.. وتقول منظمة اليونيسيف في بيان سابق لها: انه يصعب قياس التأثير المباشر للنزاع على الأطفال في اليمن.. فيما تشير إحصاءات مؤكدة صادرة عن الأممالمتحدة، أنّ (747 طفلاً لقوا حتفهم، في حين أصيب 1,108 آخرين منذ مارس/ آذار من العام الماضي، بينما 724 طفلاً أُجبروا على الانخراط بشكل أو بأخر في أعمال مسلحة.. وخلال عامان من الحرب في اليمن ظل الأطفال والنساء هم الأكثر عرضة للانتهاكات والمخاطر التي خلفها الصراع في مختلف جوانب الحياة. وبحسب أحدث تقرير أصدره التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، فقد اظهر استمرار النزاع المسلح في اليمن حجم الكارثة التي تواجه الأطفال والنساء على كل المستويات. وأشار تقرير التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان إلى أن من بين المخاطر التي لاحقت شريحة الأطفال استقطاب للأطفال وطلاب المدارس المتوسطة والثانوية وإلحاقهم في التجنيد والعمليات الحربية وأعمال لوجستية عدائية تخدم أطراف الصراع. وخلال النصف الأول من العام 2017م وثق التحالف اليمني عشرات الوقائع المتعلقة بتجنيد الأطفال واشتراكهم في العمليات العدائية من أطراف الصراع المسلح في اليمن. وخلص التحالف من خلال المعلومات التي تتبعها إلى أن عملية تحشيد واسعة تقوم بها مليشيا الحوثي وقوات صالح للأطفال عبر إقناع ذويهم أو استدراج بعضهم، أو تحريضهم في مدارسهم التعليمية وعلى منابر المساجد في محافظات شمال اليمن وخصوصاً ذمار وعمران وصعدة وحجة. وما يؤسف له، بحسب التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، أن عدد من هؤلاء الأطفال الذين زج بهم في العمليات الحربية، قد لقوا حتفهم في تلك العمليات.. كما أن هناك تزايداً في عمليات التجنيد والتحشيد للأطفال إلى المعارك الحربية بالمخالفة لاتفاقيات الطفل وحقوق الأطفال. واليوم صار تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة- التي وصفتها منظمات دولية بأبشع صنوف العمالة- كارثة تهدد صفاء ونقاوة الطفولة في اليمن، ولص خبيث يستغل أوضاع الأسر الاقتصادية ليحول أطفالها إلى وحوش ضارية، أو جثامين هامدة، بينما يساقون إلى محرقة الحرب والصراعات المسلحة، حد وصف أحد الصحفيين.