عندما كنت في المهد صبياً واستمعت لأول مرة الى هذا الدعاء: 'اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض'، كان الداعي من قيادات جماعات الإسلام السياسي، وظننت حينها انه اعتراف ضمني منه بالانخراط في تنظيم سري يستهدف قلب نظام الحكم بالقوة، وأن تحت الأرض دال على طبيعة هذا التنظيم، أما يوم العرض، فالمقصود به يوم العرض على جهات التحقيق والمحاكمة. وبعد أن تجاوزت مرحلة الصبا وقفت على مدلول الدعاء وان الداعي الخطيب لم يكن يعترف بقيادته لتنظيم يعمل تحت الأرض، فقد صرت اردد هذا الدعاء كثيرا، ولا أتوقف هذه الأيام عن ترديده، عندما أشاهد على موقع 'اليوتيوب'، عليه اللعنة، فضيحة لمتحول بعد الثورة المصرية، فإذا كان سلاح الأرشيف يحتاج الى جهد دؤوب، للوقوف على تحول كاتب له مقالات منشورة في الصحف السيارة، أو في باطن الكتب، فان الأمر مختلف عندما يكون المستهدف بالتجريس قد أدلى برأي عبر شاشات التلفزيون، وجاء الآن وبغرض ركوب الثورة يقول النقيض منه، وانه انتهز الثورة وسيلة ليقوم بدور المناضل، مع أن سوابقه لا تؤهله للقيام بهذا الدور. 'اليوتيوب' ليس شراً كله، فهو وسيلة عبقرية لنشر الفكاهة في منطقة الشرق الأوسط، ويكفي لأن تشاهد من خلاله لقطات لصاحب قناة 'الفراعين'، لتقف على ان زمن الفكاهة لم يول كما يشيع البعض، وقبل سنوات طلب مني صاحب قناة تليفزيونية فكرة لبرنامج ساخر، ورأى أنني مؤهل لتقديمها، وظننت حينها انه يطلب لبن العصفور، الى ان شاهدت صاحبنا على 'الفراعين'، فوقفت على أنموذج للبرنامج الفكاهي. والمذكور هزم الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية هزيمة نكراء، عندما طلب منه أن يجيبه عن سؤال عميق ليقف من خلال الإجابة على مدي صلاحياته لتولي منصب رئيس جمهورية مصر العربية، وكان السؤال الذي مثل طرحه لحظة فارقة في تاريخ الأمة يتمثل في ما اذا كان البرادعي يعرف كيف يتم 'تزغيط ذكر البط'. الدكتور البرادعي اعترف، والاعتراف سيد الأدلة، بأنه لا يعرف كيفية 'تزغيط ذكر البط'، فقدم الدليل الدامغ على عدم توافر شروط الترشيح فيه، وكان اعترافه دليلا أيضا لا يخر الماء على انه يتعامل مع الشعب المصري من على قاعدة الاستشراق، فهو لا يعرف ما يعرفه الفلاح العادي والسواد الأعظم من الناخبين المصريين، اقصد طريقة 'تزغيط ذكر البط'. صديق تونسي سأل عن معنى 'تزغيط البط' وجاءته الإجابة من قارئة مصرية، ومن قبل سألني مذيع تونسي عن معنى 'طشة الملوخية'، ولأني خيبة في أعمال الطبيخ فالرجال الصعايدة لا يدخلون المطبخ ويعتبرون دخوله مما يخل بالوقار والهيبة، فقد سعدت عندما تولى الضيف الثاني وكان مصرياً شرح المعنى وقدم له مذكرة تفسيرية بالمقصود 'بطشة الملوخية'. كان المذيع التونسي قد سألني عما سأفعله إذا توليت منصب رئيس الجمهورية، وكانت إجابتي أنني ارفض المنصب لأن رئيس تحرير لجريدة مصرية كبرى، من اختيار جمال مبارك، قال ان الرئيس مبارك يقدم الكثير من التضحيات مقابل إن يخدم بلده من فوق كرسي رئيس الدولة، فيكفي انه لا يمكنه ان يمشي في الشارع مثل سائر البشر، ولا يذهب الى السينما، وكما انه محروم من 'طشة الملوخية'، وقلت حينها أنني لست مستعداً ان احرم نفسي من طشتها مقابل الحكم.. وأكبرت حسني مبارك على هذه التضحيات العظيمة. زعيم الأغلبية الصامتة ليس لدي وقت لمشاهدة برنامج صاحب القناة سالفة الذكر، الذي يستهلك من وقت المشاهد ثلاث ساعات يومياً، لكن خدمة 'اليوتيوب' مكنتي من الاستمتاع باللقطات المهمة في البرنامج، وهي تكفي لإشاعة البهجة في ربوع الوطن العربي، وتجعلني أقف على معنى البرنامج التلفزيوني الكوميدي وهو ما عجزت في السابق عن فهمه وأضعت بسبب جهلي فرصة عظيمة.. يقولون ضربة الحظ لا تعوض. صاحبنا سقط مؤخراً في الانتخابات البرلمانية، بعد أن قدم نفسه على انه زعيم الأغلبية الصامتة، وقد انتظرت الأغلبية ومعها الأقلية لحظت عودته من المحنة، فإذا به في أول ظهور يعلن انه لم يسقط، وانه نجح، وعندما قامت واحدة من هذه الأغلبية التي نطقت على يديه بجبر خاطره، قال لها أنت مصرة على أنني سقطت في الانتخابات واقسم انه نجح! وبعد ان ذهبت السكرة وحلت الفكرة تحدث عن مؤامرة كونية استهدفت سقوطه شاركت فيها 'هيلاري كلينتون' شخصياً، وأجهزة الاستخبارات في العالم كله بما في ذلك ال 'كي جي بي'، وفي لقطة سابقة عاتب كلينتون، واخبرها انه يحبها، ثم اشتد عليها في الهجوم وقال لها: 'اتشطري على مونيكا' وكان ذلك رداً على استنكارها لممارسات أهل الحكم ضد المنظمات الحقوقية. باعتباري صاحب سابقة في السقوط في الانتخابات، فأستطيع القول إن من يسقط يرفع عنه القلم والحرج أربعين يوما، ومن ينبئك مثل خبير اذهب الى 'اليوتيوب' واكتب اسم صاحب القناة وستجد ما يسرك، وستشكر حينها هذا الاختراع الجبار، الذي تحمل هذا الهم الثقيل من اجل إسعاد البشرية والمشاهدين، لكن في المقابل فانه بات وسيلة خطرة في أيدي الأعداء، باعتباره أرشيفاً ناطقاً، لاسيما لمن تحولوا بعد الثورة. مذيع الفراعين، الذي يصر على انه ليس صاحب القناة، فهي مملوكة للوالدة، كاد أن يتحول بعد الثورة، ويتعامل على انه من فجرها.. محامي المتهم حسني مبارك نفسه قال إن مبارك هو من فجر الثورة، ولم يكذب فسوء إدارته للبلاد هي التي حرضت الجماهير على شق عصا الطاعة والخروج عليه وحمله على التنحي. لكن مشكلة الفتى في ان هناك من بث له عبر 'اليوتيوب' لقطات كانت تشير الى تحوله، فقد كانت له وهو ينحني ويقبل يد صفوت الشريف، وقد أكد هو أن ما نشر ليس صحيحاً، وأنها صورةً مفبركة قام بها من كانوا يعملون في فضائيته، لكن هؤلاء الخصوم بثوا لقطة أخرى له وهو في الوضع مقبلاً، فكان أن جهر بالمعصية واعترف بالجريمة، وقال انه قبل يده ومستعد لتقبيل حذائه أيضا، ثم عاد الى سيرته الأولى وأعلن انه زعيم الفلول. بتوقيت القاهرة لقد كانت لقطة قديمة تحمل موقفاً لصحافي يقدم نفسه هذه الأيام على انه من قام بالثورة سبباً في أزمة وتوقف برنامج 'بتوقيت القاهرة' وهو واحد من أهم برامج 'التوك شو' على الفضائيات المصرية، وقد حجبت القناة هذه اللقطة التي أعاد البرنامج بثها وكانت جزءاً من لقاء على برنامج 'محطة مصر' على قضائية 'مودرن' وفيه ذكر زعيم الثورة انه يؤيد جمال مبارك رئيساً للبلاد، ومسوغات ترشيحه له انه من جيله، وانه استطاع أن يقدم خدمات جليلة في الملف الاقتصادي، وان لجنة السياسات التي يترأسها والتابعة للحزب الحاكم (حينها) لها انحازت عظيمة في هذا الملف! وهو كلام غريب في اذا كانت هناك انجازات تذكر لهذه اللجنة، فهي انها عبثت بمقدرات البلاد، وباعت القطاع العام وأراضي الدولة بأسعار رمزية لمجموعة من النصابين بعد ان تم تقديمهم على أنهم رجال أعمال. قال الصحافي انه يحب جمال مبارك، ولا تثريب عليه، فالمرء لا يتحكم في قلبه، ولا يمكن أن نحاسبه على هذا الموقف القلبي، لكن المشكلة في انه قال: 'وأحترمه' ولا يوجد سبب واحد يدفع الناس الى احترام نجل المخلوع، والإجماع منعقد على انه من افسد الحياة السياسية والاقتصادية. حافظ المرازي مقدم برنامج 'بتوقيت القاهرة' اعترض على حذف هذه اللقطة من برنامجه وطالب قناة 'دريم' بالاعتذار عن الحذف كشرط لعودة البرنامج، ولست معه في ذلك فكل ما فعله صاحب القناة انه ستر خطيئة الصحافي بطرف ثيابه، وهو يعلم انه لم يستر العورات التي تبدت للناظرين، فمن شاهدوا الفيديو عبر 'اليوتيوب' أكبر من عدد المشاهدين لأي برنامج تلفزيوني. فيديو أخر ظهر في الأسبوع الماضي خاص بمحمود سعد فارس الثورة الكبير، والذي فتح له التلفزيون المصري أبوابه في عهد المخلوع، وعندما جاءت الثورة إذا به يتصرف على انه زعيم الثوار، وبدا كذلك على الهواء مباشرة وكان أن تدخل وزير الإعلام في اتصال هاتفي وقال إن محمود سعد طلب منه إجراء حوار مع مبارك من قبل، وقد كذبه محمود، ونفي تماماً أن يكون قد طلب ذلك، وفي اليوم التالي قال انه يقدم استقالته من البرنامج لان الوزير يضغط عليه من اجل أن يستضيف رئيس الحكومة الفريق احمد شفيق، وقد قيل حينها إن استقالته كانت بسبب خفض راتبه الشهري والذي تبين انه لا يحصل عليه كل العاملين في الجزيرة من لدن فيصل القاسم الى اصغر عامل بالقناة. الفيديو كان عبارة عن فقرة قبول حسني مبارك في احدى جولاته الميدانية 'عزومة احد البسطاء' وكانت مقدمة محمود سعد لها وصلة تزلف وامتنان للرئيس الإنسان، على نحو لا تخطئ العين دلالته، وتوحي بأن مبارك هو احد أولياء الله الصالحين. فالذي بدا بعد الثورة ان سعد كان ضد النظام البائد على الرغم من انه كان يتمرغ في نعيمه المقيم. لقد نفى المذكور أن يكون قد طلب او حتى قبل أن يحاور مبارك، وها هي اللقطة تضبطه متلبساً بالتقرب والمساهمة في خطة تلميع الرئيس السابق وإعادة تقديمه من جديد للرأي العام بأنه الرئيس الإنسان. وكان الإعلام قد ظل سنوات عدة يقدمه على انه الرئيس الحكيم، وفي آخر خمس سنوات كان الاتجاه الى الإعلاء من قيمته الإنسانية وإحساسه بالناس. لا بأس فالمتحولون هم آفة الإعلام العربي الآن، وتسمع الآن لميس الحديدي فتظن انها أم الثوار، وهي المسؤولة السابقة عن حملة الدعاية لمبارك في الانتخابات الرئاسية، وقد حاول زوجها عمرو أديب أن يقوم بدور الثائر الأكبر وكيف ان مبارك كان يحاربه، وقد أمر بإزاحته من الشاشة لأنه كان ضد جمال مبارك، وكان في هذا يعتمد على ان ذاكرة الناس ضعيفة، لكن لان مواقفه المنحازة للنظام السابق احتوت على قدر هائل من الاستفزاز فقد حفظها له الناس، على العكس من الصحافي إياه ومحمود سعد، وقد قبل الرأي العام ما روجا له من انهما من زعماء الثورة، لكن 'اليوتيوب' عليه اللعنة فضح المستور، فاللهم احفظنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض. أرض جو عندما يتم إسناد رئاسة احدى القنوات المصرية لواحدة من الفلول، اللاتي تهكمن على الثورة، فان هذا كاشف عن أن أولي الأمر منا هم امتداد لنظام حسني مبارك، وليسوا تعبيراً عن الثورة. برنامج 'غداً لا تقول الصحافة' على موجة البرنامج العام، هو برنامج متميز في فكرته واسمه، في مرحلة خطف الأسماء والأفكار بين الفضائيات. راحت على 'موجة كوميدي' و 'نايل كوميدي' فالفراعين هزمتهما بالضربة القاضية. لا زلت مصراً على ضرورة توقيع الكشف الطبي للوقوف على الحالة العقلية كشرط للعمل التلفزيوني.. وهو ما نتمنى ان يتبناه اتحاد الإذاعات العربية في دورته القادمة. أشاهد الآن مسلسل 'الريان'.. يا له من عمل فقير وضعيف.