1) تمهيد ......... : باستثناء لحظات وجيزة في عمر العلاقات المغربية الفرنسية كانت دائما هذه الروابط جد متميزة. فإضافة إلى الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي المتجدر هناك تفاهم سياسي وشراكة اقتصادية بلغا مستوى عال بغض النظر على التغيرات التي تحصل على رأس الحكومات في البلدين. وهكذا ومند تشكيل الحكومة المغربية في يناير 2012 بزعامة حزب إسلامي، أشتدت الإشارات المطمئنة بخصوص دوام ومتانة هده العلاقات، وصفها شارلز فريز، سفير فرنسابالرباط بأنها حلف استراتيجي لا مثيل له يضل في منأى عن التحولات والإرهاصات السياسية. ولعل الاستقرار السياسي الذي يتمتع به المغرب والبرامج الطموحة لعاهله هما أهم عامل يستقطب الاستثمار الغربي الذي أصبحت بفضله فرنسا الشريك الأول خاصة في مجال صناعة الطائرات (مجموعة صافاران بالدار البيضاء) والسيارات (مجموعة رونو/نيسان بطنجة) ومشاريع "طرام" في الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى وتوسعة الميناء المتوسطي بطنجة والقطار الفائق السرعة (بين طنجة والدار البيضاء) وترحيل الخدمات من فرنسا إلى المغرب مما يعود بالنفع الجزيل على مستوى التشغيل واكتساب المهارات وتحقيق التنمية. و تنضاف إلى هده المسارات أبعاد أخرى. إذ لا يجب أن نغفل عن حقائق ثابتة وهي أن فرنسا تحتضن اكتر من 800ألف عامل مغربي يفوق رساميل تحويلاتهم إلى المغرب 2 مليار أورو سنويا، ويدرس بجامعاتها زهاء 60 ألف طالب مغربي في شتى التخصصات (وهي أعلى نسبة بين الأجانب الطلبة) كما أن المغرب يعتبر أول قبلة للسياح الفرنسيين (يفوق تعدادهم 3 ملايين سنويا) وقرار كثير من العائلات الفرنسية الاستقرار بالمغرب لإحساسهم بالأمن والجاذبية نحو شعب المغرب وتمتعهم برغد العيش والظروف المناخية الممتازة. 2) دور وآفاق التعاون الثنائي تحت عنوان "رابح رابح" أمام التحولات الكبرى التي تعيد ترتيب دواليب العالم حاليا والأزمات التي تعصف باروربا صار الهاجس الأكبر هو البحث عن أسواق جديدة واستثمارات في بلدان واعدة وكان لزاما على المغرب (كبوابة لإفريقيا والشرق الأوسط) وفرنسا (كسوق مركزية في الاتحاد الأوروبي) تعميق علاقتهما بما يخدم مصالحهما المشتركة. وبانتصار فراسوا هولوند في الانتخابات الرئاسية الفرنسية يوم 6 مايو2012 عاد اليسار إلى سدة الحكم واحتل أغلبية مقاعد الجمعية الوطنية مما طرح سؤال عريض عن مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية في ظل الحكم الاشتراكي بفرنسا والحكومة المغربية بتيارها الإسلامي. وجاءت زيارة الملك محمد السادس إلى باريس، أسبوعا فقط على تنصيب الرئيس الفرنسي (ماي 2012) كأول رئيس دولة يستقبله الاليزي ليبدد غيوم الريبة ولترقى بالعلاقات الثنائية إلى درجات أسمى خصوصا في الملفات الهامة التي تخص قضايا الاستثمار والهجرة والأمن والصحراء. ومعلوم أن فرنسا اليمينية في عهد جاك شيراك الذي ينعت دائما "بالصديق الكبير" للمغرب) لم تدخر جهدا في دعمها لقضايا المغرب وممارسة نفوذها من أجل توقيع "الشراكة المتقدمة" بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ومن حسناته انه يمنح المغرب امتيازات سياسية (عبر الانضمام إلى قمم أوروبية والمشاركة في إدارة الأزمات) وأخرى اقتصادية (من خلال تسهيلات في السوق الأوروبية) كما تمكن المغرب من الاستفادة من هيئات أمنية مثل يورو غست (القضاء) ويوروبول (الشرطة) والوكالة الأوروبية لأمن الطيران والمرصد الأوروبي للمخدرات. وراهن المغرب على كسب هدا "الوضع المتقدم" كتكريس لانخراطه في مسلسل الإصلاح السياسي ولأنه يعرف أكثر من غيره أنه الامتداد الطبيعي لأوروبا نحو إفريقيا والشريك الأساسي لمحاربة كل أنواع الإرهاب والهجرة السرية وتجارة الأسلحة والمخدرات. ولان المغرب كان دائما حريصا على تبني علاقات جيدة مع كل الأطياف السياسية الفرنسية فقد اعتبر صعود الاشتراكيين غير مقلق لأنه أكثر من شريك اقتصادي وأفضل صديق لفرنسا خارج المنظومة الأوروبية بغض النضر عن التناوب السياسي على رأس هرم السلطة في فرنسا. 3) الشراكة المغربية الفرنسية تحت عنوان "رابح رابح" خصص المغرب لرئيس الفرنسي استقبالا حارا جدا على الصعيد الرسمي والشعبي مند وصوله إلى مدينة الدار البيضاء يوم 03/04/3013 وجرت مباحثات بينه والملك محمد السادس تناولت فرص تجديد العلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين والتنويه بالإصلاحات الجذرية التي يعرفها المغرب في مجال الممارسة الديمقراطية والتنمية البشرية المستدامة. وخلال مأدبة العشاء التي أقامها العاهل المغربي نفس اليوم على شرف الضيف الفرنسي عبر الملك محمد السادس عن يقينه بأن الاتحاد المغاربي يشكل أولوية جيوستراتيجية بالنظر ليس فقط إلى مرد وديتها على شعوب المنطقة المغاربية ولكن أيضا تشمل المبادرة 5+5 التي تجمع دول الضفتين الجنوبيةوالشمالية للبحر الأبيض المتوسط وهو ما حدا بالرئيس الفرنسي إلى رفع شعار أن البحر الأبيض المتوسط "يوحدنا ولا يفرقنا" رغم التحديات الإقليمية في منطقة الشمال الإفريقي. ووقع عدد من الوزراء وكبار المسؤولين أمام أنظار العاهل المغربي والرئيس الفرنسي عدة اتفاقيات للتعاون الثنائي تشمل النهضة الصناعية والاقتصادية والتعليمية والزراعية (مشروع المخطط الأخضر) وحقوق المرأة وتنمية الصيد البحري والطاقات المتجددة والتكوين المهني (إنشاء معهد لتكوين مهنيي السكك الحديدية ولقطار فائق السرعة). وضمن الوفد الرسمي المرافق للرئيس هولاند حوالي 60 من كبار رجال الأعمال الفرنسيين و مدراء مكاتب الدراسات التي تهتم بالتهيئة الحضرية والصناعات الغذائية إضافة إلى 9 وزراء. كما حمل معه ضمن الوفد الرسمي الكاتب المغربي الطاهر بن جلون (المقيم بفرنسا والحاصل على جائزة الأدب الفرنسي غونكو ورئيس المعهد العربي بباريس جاك لانغ وزير الثقافة السابق والصديق الوفي للمغرب. وقد قرر الرئيس الفرنسي حضور اختتام المنتدى الاقتصادي المنعقد بالرباط حيث تميز بحضور 400 مشارك من رجال الأعمال الفرنسيين بنظرائهم المغاربة. واعتبر الحاضرون أن مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب التي ستساهم فرنسا في إنجاحها هي تجربة إصلاحية فريدة من نوعها في الوطن العربي من أجل التنمية الشاملة. وتدل إحصائيات رسمية أن حوالي 750سركة فرنسية تعمل بالمغرب وتوظف أكثر من 120 ألف شخص كما أن هناك زهاء 7500 فرع لمقاولات فرنسية تنشط في مجالات شتى منها 40 مسجلة في البورصة العالمية (رونو، سويز، أودي إف، طوطال، يونفرسال، فيفاندي...) مما جعل حجم المبادلات في ارتفاع مستمر بلغ 8 ملايين أورو عام 2012. وتملك فرنسا 51 بالمائة من إجمالي الاستثمارات المباشرة الأجنبية بالمغرب كما تستقبل أسواقها حوالي 20 بالمائة من صادرات المغرب خصوصا في قطاع المنتوجات الفلاحية والنسيج والمكونات الكهربائية والالكترونية. ورغم هذه النجاحات التي يعود نفعها على البلدين (رابح رابح) فان السيدة نكول بريك، وزيرة التجارة الفرنسية أشارت إلى انه يتعين على فرنسا تحسين عروضها لتكون اكتر تنافسية للإسهام في تنمية المغرب كأرضية للانطلاق نحو إفريقيا والشرق الأوسط. 4) مبادئ ومحددات التعاون والتفاهم حول قضية الصحراء المغربية. لقد طبع الرئيس الراحل فرانسوا ميتران عهد الاشتراكية الفرنسية ببصمة خاصة ما ينيف عن 15 سنة حيث انحاز إلى الحركات اليسارية والحقوقية عبر العالم وهو ما أدخل باريس في دوامة التشنجات مع كثير من الدول ومن بينها المغرب. ولدا كانت علاقته مع الملك الراحل الحسن الثاني متوترة تارة وفاترة تارة أخرى نظرا لتأييد"فرنسا الاشتراكية" للأحزاب اليسارية المغربية. ولعل زيارات قرينته دانيال ميتران إلى مخيمات الصحراويين بتند وف كان عامل أزمة بين البلدين إذ اعتبرته الرباط دعم غير مسبوق للبوليساريو. لكن سرعان ما تحسنت العلاقات مع فرنسا واشتد عودها بعد فوز اليمينيين (جاك شيراك، نيكولا ساركوزي)وحتى بعد ان افل نجمهم و استتبت الأمور للاشتراكيين من جديد. ويعد استقبال العاهل المغربي لرئيسة الحزب الاشتراكي الحاكم حاليا (مارتين أوبرى) وتصريحاتها أحسن دليل على ذلك. فقد أكدت أنه لن يكون هناك أي تغيير في الدفاع عن قضايا ومصالح المغرب وخصوصا وحدته الترابية وعلى مآزرة فرنسا للمبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي، اعتبرت هدا الأخير ذات مصداقية وأساسا لحل تفاوض للنزاع المفتعل مع الجزائر. ومن جهته، حرص الرئيس الفرنسي إبان محادثاته الأولى في القصر الملكي بالدار البيضاء وكدا خطابه الرسمي في قبة البرلمان بالرباط 04/04/2013 على تأكيد موقف فرنسا الثابت من خلال دعم الجهوية الموسعة لمنطقة الصحراء المغربية. وأن حل النزاع بين المغرب والجزائر أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى بسبب النشاط المكثف والمسلح للإسلاميين شمال مالي وانعكاسات التوتر على اتحاد دول المغرب العربي وآلام العائلات المنفصلة جنوب المغرب. واتفق الجانبان المغربي والفرنسي بشأن التهديدات التي يعرفها الساحل والصحراء، ضرورة مواصلة العمليات العسكرية لتأمين شمال دولة مالي لوضع حد لتفاقم الوضع الإنساني هناك. ولدى فرنسا حاليا زهاء 4000 جندي يحاولون اجثتات الارهابين من مالي لكنها ستخفض أعدادهم إلى ألف أواخر العام الحالي بعد أن يقرر مجلس الأمن إرسال قوة لحفظ السلام. 5) خاتمة ليس مصادفة أن يجتاز عاهل المغرب بنجاح دورة تدريبية ببروكسيل سنة 1988 بمقر السوق الأوروبية المشتركة تحت رعاية جاك دولور وأن تكون أطروحة الدكتوراه التي دافع سنة 1993 بمدينة نيس الفرنسية والتي تناولت "التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية واتحاد المغرب العربي". فهده موضوعات كانت ولازالت مهمة جدا لتفعيل حاضر ومستقبل المغرب خصوصا إدا علمنا بأن مغربيا من كل عشرة يعيشون خارج الوطن وأن ما يناهز 70 بالمائة يقطنون بأوروبا الغربية، ورغم أن المغرب يتشبث باللغة العربية فهو فرانكوفوني حتى النخاع، وكل هذه مؤهلات تعزز فرص الاندماج المغربي في السوق الأوروبية والتعاون الثقافي والعلمي مع فرنسا.
د.أحمد أمريبط المستشار بالسفارة المغربية صنعاء باحث في العلاقات الدولية