للعشر الأواخر من رمضان أهمية عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد كانوا فيها أشد حرصاً على الطاعة والعبادة والقيام والذكر والتقرب إلى الله. وقد كان النبي إذا دخل العشر أحيا الليل واستغراقه بالسهر في الصلاة والذكر وقيام الليل في هذا الشهر. وكان من هديه عليه الصلاة السلام في هذه العشر أنه يوقظ أهله للصلاة. وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر، أى يعتزل النساء في هذه العشر وينشغل بالعبادة والطاعة وذلك لتصفو نفسه وقلبه. وينبغي على المسلم الحرص علي الاعتكاف في هذه العشر مادام لديه الوقت، فقد كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر حتى توفاه الله. روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوما. وللاعتكاف فوائد كبرى لعل من أهمها صفاء القلب والروح إذ إن مدار الأعمال يكون على القلب كما في الحديث (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).. فلما كان الصيام وقاية للقلب من الشهوانية، فإن الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغيرها من الأمور التي تفرق أمر القلب وتفسدُ اجتماعه على طاعة الله. والاعتكاف وكان من السنة فيه اعتكاف جميع العشر إلا أنه يصح اعتكاف بعض العشر سواءً بالنهار أو الليل، كما يصح أن يعتكف المسلم جزءاً من الوقت ليلاً أو نهاراً إن كان هناك ما يقطع اعتكافه من المشاغل فإذا ما خرج لأمر مهم أو لوظيفة مثلاً استأنف نية الاعتكاف عند عودته، لأن الاعتكاف في العشر سنة، أما إذا كان الاعتكاف واجباً كأن يكون نذراً فإنه يبطل بخروجه من المسجد لغير حاجة. ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر منه على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع, واعتبار معانيه وأمره ونهيه قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فهذا شهر القرآن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان حتى يتم ما أنزل عليه من القرآن وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين. كان السلف أشد حرصاً على تلاوة القرآن.
