محلات الصرافة في صنعاء تفاجئ المواطنين بقرار صادم بشأن الحوالات .. عقب قرارات البنك المركزي في عدن    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    جماعة الحوثي تفرض اشتراط واحد لنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن !    خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    انتقالي حضرموت يرفض استقدام قوات أخرى لا تخضع لسيطرة النخبة    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية!    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    "حرمان خمسين قرية من الماء: الحوثيون يوقفون مشروع مياه أهلي في إب"    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    المجلس الانتقالي يبذل جهود مكثفة لرفع المعاناة عن شعب الجنوب    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    أولى جلسة محاكمة قاتل ومغتصب الطفلة ''شمس'' بعدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    خراب    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    الطوفان يسطر مواقف الشرف    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامان على المبادرة..من الثورة إلى الأزمة إلى اللعبة السياسية!
نشر في الأهالي نت يوم 04 - 12 - 2013

المبادرة الخليجية التي من المفترض أنها طوحت بعلي صالح ونظامه وأسست لنظام سياسي جديد، لا يبدو أنها استوفت غرضها، بدليل أن صالح ما برح يقاوم ويُبدي ممانعة شديدة على جبهتي المبادرة الداخلية والخارجية. فعلى الجبهة الداخلية ما يزال الرجل يحاول تكريس تفسيراته الخاصة بشأن المبادرة، بما يتيح له استمرار مزاولته العمل السياسي مع احتفاظه بالحصانة، فيما بلغت تفسيراته التعسفية للمبادرة واستهزائه بها، بل وبالثورة الشعبية والوضع السياسي برمته حد التأكيد على أن من حقه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة! أما على الجبهة الخارجية فهو يخوض بثقة وإصرار صراع مواجهة مع المبعوث الدولي جمال بن عمر لإزاحته من طريق المبادرة التي يتفق بن عمر وهادي وقوى الثورة في تأويل نصوصها، ما يشكل عائقاً أمام صالح في تمرير أهدافه المتوخاة عبر تأويلاته الخاصة للمبادرة. وفي حين تعرض الرجل لانتكاسة واضحة على الجبهة الخارجية من خلال إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعمه القوي لمهمة مستشاره الخاص لشؤون اليمن جمال بن عمر، كرد على مطالبات صالح وحزبه بعزله واستبعاده، فإن صراعه على الجبهة الداخلية لا يبدو أنه سيُحسم على المدى المنظور، لجهة عدم توافر ضمانات فعليه بقدرة الأطراف المعنية (هادي والمشترك) على إمضاء تلك النصوص البديلة عن قانون العزل السياسي التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني، وعملت على إخراج صالح وعائلته وكبار معاونيه من حلبة السباق على السلطة.
الثورة بين مسارين
يتعين علينا ابتداء الإقرار بحقيقة أن الشارع اليمني سبق الأحزاب بخطوات حين أعلن ثورته الشعبية السلمية كآخر الحلول التي كان لابد منها لإسقاط نظام فاسد ظل لأكثر من ثلاثة عقود يستخف بالشعب وقواه الوطنية ويتحايل عليهما لتكريس مشروعه الفردي العائلي على حساب مصالح الشعب. لكن أحزاب المعارضة لم تكن جاهزة ومهيأة للانطلاق مع ثورة شعبية، ناهيك أنها لم تكن تؤمن-من حيث المبدأ-بالثورة كأداة تغيير، إذ كانت تحبذ عوضاً عن ذلك لزوم سبيل الإصلاح والتغيير المتدرج عبر آلية الحوار، وإن كان التغيير الذي يحدثه بطيئا، وكان ذلك أحد أسباب تحول الثورة فيما بعد من مسارها الثوري المتوثب إلى مسارها السياسي التفاوضي المتثاقل، وهو ما أتاح لنظام صالح لاحقا نعت الثورة الشعبية بالأزمة السياسية، في حين تمسكت قوى الثورة بتسمية الشباب لثورتهم في الوقت الذي ركضت خلف الحوار والتفاوض معززة بذلك المسار السياسي التفاوضي للثورة.
في 13 فبراير 2011، أي بعد انطلاقة الثورة الشعبية بيومين فقط، عقدت أحزاب اللقاء المشترك مؤتمراً صحفيا دعت فيه السلطة الحاكمة آنذاك للعودة إلى طاولة الحوار، وأصدرت بيانا تضمن الخطوات العملية لاستئناف الحوار مع حزب المؤتمر، وهو ما استفز الشارع الثائر في حينه، والذي كان قد سبق إلى الميادين وشرع في تقديم التضحيات، فيما المعارضة كانت ما تزال تراوح مكانها عند بوابة الحوار مع السلطة.
المبادرة والدور السعودي
فكرة المبادرة بالأساس هي فكرة صالح الذي أراد الخروج من محنته، فذهب يستدعي حلفائه في الخارج لمؤازرته في مواجهة الثورة، وكان يرمي من خلال تدخل حلفائه إيقاف طوفان الثورة والتطويح بمواقف المعارضة المتصلبة إزاءه والمتكئة على زخم ثوري عارم، إذ انحصرت مطالبها في البدء على شيء محدد هو تسليم علي صالح السلطة ووضع جدول زمني لذلك. هذا الأمر ألجأ علي صالح للاستعانة بحلفاء الخارج معتقداً وقوفهم إلى جانبه بحكم علاقتهم الاستراتيجية به وارتباط مصالحهم بنظامه، وتوقع مؤازرتهم على اعتبار أن تغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط لم يكن واردا في استراتيجية النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على الرغم من مشاريعها (مشروع الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد) التي روجت لها فيما سبق والمتعلقة بدمقرطة المنطقة. إلا�' أن توقعات صالح كانت مخيبة لآماله، فدرس الثورتين التونسية والمصرية لم يكن ليسمح بالاحتفاظ برأس النظام في مواجهة عاصفة ثورية، بل كان يحتم الانحناء للعاصفة وتقديم تنازلات لأجل الاحتفاظ ببنية النظام القديم بما يسمح بإعادة إنتاج نظام جديد على شاكلته. وهنا جاءت المبادرة الخليجية في واحد من مشاهد التاريخ المتكررة، وكشاهد حال على حجم التأثير السعودي وقدرته على إحداث التحولات السياسية في اليمن. فالسعودية التي فرضت المبادرة الخليجية على قوى الثورة ونظام صالح هي نفسها من رعت اتفاق المصالحة بين الجمهوريين والملكيين في العام 1970، بعد ثماني سنوات من الحرب، وكان من نتائجها إشراك الجانب الملكي في السلطة وإعادة إدماجهم في أجهزة ومؤسسات الدولة بدءا بالمجلس الجمهوري وما دونه من مؤسسات الدولة، فكان لهم وزراء في الحكومة ومحافظين وسفراء، وعلى إثر ذلك اعترفت المملكة بالنظام الجمهوري، وأكد حينها الملك فيصل لوفد يمني رفيع نحن ساهمنا في تخلف اليمن وخرابه، أما الآن فنحن على استعداد أن نساهم في عمران اليمن حتى لو تقاسمنا الرغيف نصفين (أنظر مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر).
على أن المثير للدهشة هو ذلك الانحياز والدعم الكبير الذي قدمته المملكة للملكيين وبقايا العهد الإمامي الذي كانت قد دخلت معه في حرب عام 1934 واقتطعت منه أجزاء واسعة من اليمن، وما إن ثار الشعب عليه ولفظه حتى سارعت إلى مؤازرته والوقوف إلى جانبه، لدرجة أنها أظهرت تعصباً لمذهبه. فحين أعلن النظام الجمهوري إلغاء الاحتفال بيوم الغدير عقب أصدر علماء اليمن في 18 ذي الحجة (12 مايو 1963) بيانا قالوا فيه إن الاحتفال الذي اُعتيدَ ما انزل الله به من سلطان، أصدرت الإذاعة السعودية رداً باسم الملكيين تهجموا فيه على علماء الأزهر الذين لم يكن لهم أي صلة بالبيان، فما كان من الحكومة اليمنية إلا�' ان ردت ببيان قالت فيه: إنه طالما وأن السعوديين يؤمنون (كما تقول إذاعتهم) بحديث الخلافة في قريش، ويعترفون أن بيت حميد الدين منهم ولديهم الأهلية لهذه الخلافة فما عليهم إلا�' أن يطالبوا الملكين سعود وفيصل بالتنازل عن العرش لأحدهم، فهم كما يزعمون أحق وأولى بالعرش من سعود وفيصل كونهما ليسا من قريش. (أنظر مذكرات الرئيس الإرياني الجزء الثاني).
ومهما يكن، فقد قبلت المعارضة (المشترك) بالمبادرة خشية تصادمها بالمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، اللذان هددا-طبقاً لأحد قيادات المشترك-بمنح صالح الضوء الأخضر لتصفية ساحة التغيير بالعاصمة، كما أرادت المعارضة تفويت الفرصة على صالح والحيلولة دون اتكاءه على الأطراف الخارجية وحشدها في مواجهة الثورة، لذا قبلت بالمبادرة كما جاءت دون أن يكون لها أي دور يذكر في صياغتها أو تعديلها، في الوقت الذي عمل صالح على تعديلها ثلاث مرات. لقد كانت أحزاب المشترك تفتقر -للأسف- لرؤية واستراتيجية واضحة لكيفية نقل السلطة وإخراج صالح ونظامه من المسرح السياسي، لذا تركت هذه المهمة للأطراف الخارجية التي غدت راعية للمبادرة وشريك رئيس في إعادة توجيه مسار الثورة وصوغ مستقبل اليمن.
ماذا حققت المبادرة
يتفق السياسيون والأطراف الإقليمية والدولية الممسكة بالملف اليمني على أن المبادرة الخليجية جنبت اليمن الانزلاق صوب الحرب الأهلية وما يطلق عليه بالصوملة والأفغنة، وتستشهد تلك الأطراف بما يجري في سوريا من اقتتال للتدليل على صحة مواقفها حيال الثورة اليمنية. والواقع أنه قياس فاسد الاعتبار ولا يصح إسقاطه على الحالة اليمنية لجهة اختلاف الحالتين، فالشعب السوري شعب أعزل في مواجهة نظام أقلية طائفية، فيما الشعب اليمني شعب مسلح في مواجهة نظام عائلي مستبد غير طائفي، وبالتالي فوجود السلاح في أيدي اليمنيين خلق توازن رعب بين الثورة والنظام، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالنظام الأسري العصبوي الذي أسسه علي صالح ارتكز على منظومة مصالح وشبكة محسوبية واسعة لا مكان فيها للطائفية إلا في حدودها الدنيا الأقل شأنا والتي لم تتهيأ لها الظروف السياسية والاجتماعية والدينية للتعبير عن نفسها في أي شكل من الأشكال، وهو ما أفقد صالح فرصة اللعب على هذا الوتر، على الرغم من كونه حاول جاهدا الطرق على وتر الطائفية والمناطقية لتعبئة القبائل واستمالتها إليه، لكن محاولاته باءت بالفشل، حتى أن قبائل سنحان التي ينتمي إليها والتي عانت كثيرا من تمييزه القبلي والأسري، لم تجد ما يغريها للوقوف إلى جانبه. وعطفاً عليه، لم يحظ علي صالح بمساندة قبلية ذات قيمة في الوقت الذي لم يجد غطاءاً طائفياً أو مذهبياً لمواجهة الثورة، ما جعله يقف في جانب والشعب اليمني في جانب، علاوة على أن الجيش كان منقسما بين الثورة والنظام، وكان جيش الثورة يكسب المزيد من القوات إلى صفوفه فيما جيش العائلة يتململ ويشهد حالات عصيان وتمرد في معسكراته ونزوح دائم إلى صفوف الثوار.
وبرهنت التجربة مرارا أن الجيش العائلي لم يكن مستعد للتضحية في سبيل الفرد والعائلة والذهاب إلى النهاية في مواجهة ثورة الشعب، وبالتالي لم يكن ثمة ما يوجب الحديث عن حرب أهلية لانتفاء مقوماتها. وبالجملة فقد تهيئت ظروف مواتيه لم تتمكن المعارضة من قراءتها جيدا والاستفادة منها للضغط على النظام باتجاه إخراجه بشكل نهائي من المشهد السياسي. هذا الخواء الاستراتيجي الذي اتسمت به المعارضة أتاح لعلي صالح فرصة المبادرة لملئه، فشرع يلعب على وتر الحرب الأهلية ويضخم من شأنها لترويع المعارضة وشباب الثورة كي يلجئهم لقبول خيارات سياسية بديلة عن الخيارات الثورية ويستدرجهم إلى طاولة الحوار الذي طالما حاول مرارا وتكرار استمالتهم إليه عبر مبادراته المتتالية التي رفضت جميعا. ونجح الرجل في نهاية المطاف في استدعاء أطراف خارجية، هي بالأساس متحالفة معه وتربطه بها علاقات وثيقة، لصياغة اتفاق سياسي يبقي نظامه حاضرا في المشهد السياسي وشريكا فيه.
أطاحت المبادرة بعلي صالح، هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أنها مثلت طوق نجاة له ولنظامه الفاسد الذي ما يزال شريكاً في نصف حكومة الثورة ويحتفظ ب(18) محافظ وبأغلبية مقاعد مجلسي النواب والشورى، وبأغلبية المجالس المحلية، كما أن حزبه لا يزال يدير معظم مؤسسات وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية، ويحتفظ بالعشرات من السفراء في الخارج، في الوقت الذي يستطيع إعاقة مؤتمر الحوار الوطني ووضع العقبات أمام عملية الانتقال السياسي في ظل تخاذل المجتمع الدولي الذي ما فتئ يلوح بالعقوبات رغم مشاهدته عمليات فوضى منظمة وأزمات مفتعلة وتخريب متعمد للكهرباء والنفط والغاز، وعلمه بمن يقف وراء كل ذلك، لكنه يغض الطرف مفضلا لغة الدبلوماسية التي يمكن اعتبارها بمثابة ضوء أخضر للاستمرار في إرباك المشهد السياسي وزعزعة النظام.
اللعبة السياسية
في البدء كانت ثورة، ومع توقيع الاتفاق السياسي (المبادرة) غدت أزمة سياسية بمسوح ثورية، وبعد عامين على المبادرة لم يعد ثمة ما يشي بثورة فقد استحالت إلى لعبة سياسية بين عديد أطراف داخلية وخارجية. لقد خُدعت المعارضة مرتين، الأولى حين صدقت أكذوبة الحرب الأهلية وكانت كل موازين القوى لصالحها، والثانية حين لم تكتفِ بنص المبادرة وركضت وراء صالح في ما أسماه الآلية التنفيذية للمبادرة والتي مثلت التفافا عليها وكانت بمثابة الفخ الذي وقعت في الثورة. فالمبادرة تضمنت خارطة طريق محددة لنقل السلطة، ولم تتضمن أية قضايا أخرى من قبيل الحوار وحل قضيتي صعده والجنوب وغيرها، ولأنها عالجت بصورة محددة قضية واحدة فقط تمثلت في نقل السلطة ولا شيء غيرها، فقد تفتقت ذهنية علي صالح باختراع الآلية التنفيذية لتشتيت جهود المعارضة وصرفها بعيدا عن الهدف الرئيس المتمثل بنقل السلطة، والدفع بها إلى حقل ألغام كبير وخطير تمثل في مؤتمر الحوار الذي استدعى إليه كل مشاكل اليمن المتراكمة طيلة 33 عاما ليضعها جميعا في وجه ثورة تتمايل يمنة ويسرة ولا تدري لها مستقرا. وكان بالإمكان لو ضغطت المعارضة قليلا تأجيل كل قضايا الحوار إلى ما بعد استكمال نقل السلطة وإعادة بناء الدولة وتقوية مركزها.
وليس هذا فحسب، فعلاوة على أن المعارضة جرى خداعها كما قلنا آنفا، إلا أنها ارتكبت خطأ استراتيجيا حينما لم تتجاوب مع ثورة المؤسسات التي انطلقت عقب تشكيل حكومة الوفاق، وعوضاً عن المضي في تطهير مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية من الفاسدين وفلول النظام والبدء بإرساء دعائم نظام جديد يقوم على الكفاءة والنزاهة، أظهرت الحكومة خوفا وفشلا كبيرين نتيجة محاذير جرى تضخيمها كما هو الحال بالنسبة للحرب الأهلية، ما نجم عنه بقاء أعداء الثورة كخلايا نائمة أمعنت في تدمير مقدرات البلد والإساءة للثورة ذاتها وإظهارها كما لو أنها كانت غلطة تاريخية للشعب اليمني. وفي كل الأحوال، وبعد عامين على المبادرة، وفي ظل إخفاق قوى الثورة في إزاحة علي صالح واستكمال نقل السلطة وفق المبادرة التي جاء بها، وحدوث تغيرات سياسية في مواقف بعض الأطراف الدولية والإقليمية، يمكن القول إن أهداف الثورة الشعبية تراجعت إلى حد ما لتفسح المجال أمام قوى صاعدة مختلفة لتحقيق أهدافها على حساب ثورة الشعب. فمن جهة انتعشت آمال الرئيس السابق في العودة مجددا إلى السلطة نتيجة تغير موقف الجارة الكبرى من الرئيس هادي على ذمة ملفي الحدود ونفط الجوف، وهو ما أدى تالياً إلى تنسيق مواقفها مع جماعة الحوثي والبدء بمخطط إسقاط النظام واحتواء الثورة، ومن جهة ثانية أضحى ملفي الجنوب وصعده أداتي ابتزاز بأيدي الأطراف الخارجية القريبة والبعيدة ووسيلة ضغط على النظام لترويضه وإرغامه على القبول بما يراد له.
أما الرئيس هادي فبات مستهدفا وعرضة للتصفية من القوى المتضررة من الثورة وحلفائها في الداخل والخارج، وبالتالي فالأولوية بالنسبة له لا تتفق بالضرورة وأولوية الثورة، وسيجد نفسه مضطرا لتغيير قواعد اللعبة ليس باتجاه إحراز مكاسب جديدة للثورة بل باتجاه ترتيب وضعه الشخصي بما يؤمن بقائه، ويضمن سيطرته بشكل تدريجي على مقاليد الحكم على مراحل سيتطلب بعضها بلا ريب إشراك بقايا النظام القديم فيها.
في المقابل يبدو أن جهود المعارضة ستنصرف إلى الحفاظ على كيان الدولة ومنع انفراطها، بالنظر إلى تزايد تهديدات الحراك الانفصالي المسلح بفصل الجنوب، وتلويح الحوثيين بفصل شمال الشمال، وهي مخاطر حقيقية لجهة تزايد النفوذ الإيراني في اليمن وظهور مؤشرات على إمكانية عقد تحالف إقليمي يعمل على تقسيم البلد وتقاسمه. وبالنسبة للقوى الدولية، فهي أغرت قوى الثورة-وربما مارست ضغوطا عليها-للقبول بالتسوية السياسية، وقدمت تعهدات سياسية ومالية لم تنفذ الكثير منها، في حين استطاعت عبر المبادرة الإمساك بكثير من خيوطها اللعبة في اليمن، وغدا ملف هيكلة الجيش بيدها، إضافة إلى ملفات أخرى مهمة كالملف الاقتصادي وملف الجنوب وملف الحوار الوطني، علاوة على ملف التسوية نفسه. وفي المحصلة، لا يبدو أن ثمة تغيير حقيقي ناجز سنتحصل عليه في الفترة الانتقالية (التأسيسية) المقبلة، فالأطراف المعنية باتت تلعب مع بعضها لإحراز مكاسب خاصة بها، فيما الثورة أمست اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمن يلعب لها ويتفانى لأجلها ويقدمها على مصالحه الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.