في وقت تحاصر النفايات والقمائم مدينة الحديدة، تكتظ مستشفيات المدينة بالعشرات من المرضى المصابين بالحميات، وأبرزها (حمى الضنك)، في ظل صمت حكومي وإهمال الجهات المختصة. تتبادل إدارة صندوق النظافة والتحسين وعمال النظافة الاتهامات حول الإضراب والتوقف عن العمل ما أدى إلى تكدس النفايات والقمامة في شوارع وأحياء المدينة لأكثر من أسبوعين. يرمي عمال النظافة الاتهامات في ملعب إدارة صندوق النظافة والتحسين متهمينها بعدم الاستجابة لمطالبهم، من أبرزها التأمين الصحي والأراضي، فيما يقول مصدر في إدارة الصندوق أن الإضراب مُفتعل ويقف وراءه جهات خفية تعمل جاهدة من أجل إفشال الإدارة وإعاقتها عن العمل. استمرار الخلافات بين إدارة صندوق النظافة والعمال ينذر بكارثة بيئية نتيجة تراكم النفايات وانبعاث الروائح الكريهة. وأصيب العشرات من السكان بحمى الضنك، ما يستدعي تدخل عاجل للسيطرة على الوضع الذي ينذر بتفاقم المشكلة التي قد تودي بحياة العديد من البشر. يعزو أطباء ومختصون انتشار حمى الضنك في أوساط السكان إلى تراكم النفايات وتكدسها، الذي أوجد بيئة خصبة لتكاثر ونمو البعوض والناقلات للأمراض الخطيرة للإنسان عبر الدم. 250 مصابا في مستشفى واحد تواجدت صحيفة "الأهالي" في عدد من مستشفيات المدينة والتقت بعدد من المصابين بحمى الضنك والأطباء المختصين. يتحدث الدكتور أحمد مدابش، المدير الطبي بمستشفى الأمل العربي، عن انتشار مخيف لحمى الضنك في المدينة، وقال إن المستشفى استقبل عددا من الحالات، وبعد الكشف وأخذ الفحوصات اللازمة تبين إصابتها بحمى الضنك. مضيفا أن حوالي 250 حالة استقبلها المستشفى خلال الشهرين الماضيين، مشيرا إلى أن هذا المرض يعتبر من الحميات الخطيرة التي تؤدي مضاعفاتها إلى الوفاة نتيجة نقص الصفائح الدموية (platelet) وحدوث نزيف يُدخل المريض في غيبوبة تستدعي بقائه في العناية المركزة. ويتابع الدكتور مدابش: هذا الوباء اجتاح محافظة الحديدة منذ عام 2008م، ويظهر على شكل جائحات، وهو اليوم ينتشر بشكل مخيف، وهناك عوامل أساسية في انتشاره مثل تكدس القمائم والنفايات وطفح المجاري التي تنذر بويلات على المواطن، تتطلب صحوة السلطة المحلة بالمحافظة لإنقاذ السكان من هذه الكارثة البيئية والعمل على التخلص من النفايات، ووضع استراتيجية ملائمة للوضع الراهن، كما يتطلب أيضاً صحوة من مكتب الصحة بالمحافظة والترصد الوبائي لوضع حملات مراقبة وتوعية ومكافحة أماكن تواجد البعوض حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه" –حسب قوله. هادي يطالب بإقالة محلي الحديدة المواطن (أحمد محمد هادي -32 عاماً) يرقد في مستشفى الأقصى بعد إصابته بحمى الضنك، يقول أنه دخل المستشفى قبل أربعة أيام وكان يعاني من آلام حادة في المفاصل وحمى شديدة وألم في العين واحمرارها، وأخبره الطبيب المعالج في المستشفى أن نتائج الفحوصات أظهرت إصابته بحمى الضنك وهبوط في الصفائح الدموية –وفقا لقوله. واكتفى (هادي) بمناشدته للحكومة بالتدخل الفوري لإنقاذ الحديدة بعد أن عجز المسئولين فيها وإقالتهم جميعاً، مبدياً تخوفه من كوارث قادمة إذا استمر الوضع بهذا الإهمال. أسباب متعددة الدكتور محمد كمال الدين –أخصائي باطنية بمستشفى الأقصى بالحديدة- أكد في حديث خاص ل"الأهالي" أنه لوحظ ارتفاع نسبة المصابين بحمى الضنك من نهاية الشهر الماضي، "يستقبل المستشفى في اليوم الواحد من 6 إلى 8 حالات مصابين بالحمى"، وأرجع السبب إلى الإهمال في الجوانب البيئية مثل تراكم القمامة والنفايات مما يسهل عملية تكاثر وتوالد البعوض وبالذات بعوضة آييدس إجيبتاي (Aedes aegypti) -التي تنقل المرض للبشر، وكذا الإهمال في الجوانب الصحية مثل النظافة الشخصية وقلة الوعي وضعف الدور الذي تقوم بها الجهات المسئولة عن تقديم خدماتها الصحية لمواجهة هذه الحميات النزفية الخطيرة –حد قوله. عمليات ووفيات وموسم للحميات عن دور وزارة الصحة تحدث ل"الأهالي" الدكتور عبدالرحمن جار الله، مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بالحديدة، عن تشكيل غرفة عمليات خاصة برصد حالات الحميات المنتشرة حالياً، لمتابعة ورصد الحالات وتكليف فرق لرش أماكن تواجد وتوالد البعوض والناقلات لهذه الحميات، ومتابعة الحالات التي ترقد في عدد من المستشفيات والتوجيه بتكثيف الإجراءات اللازمة لها للسيطرة على هذه الحالات –حسب قوله. ويضيف جار الله أنه تم تسجيل أكثر من 3 حالات وفاة نتيجة هذه الحميات بسبب تأخر إسعافها حتى تحدث مضاعفات، ويكون التدخل الطبي متأخر مما يؤدي إلى الوفاة، مؤكداً أن هذه الأيام تعتبر موسماً لانتشار الحميات، كما حدث في الأعوام السابقة، ويعود ذلك إلى أسباب بيئية ومناخية تساعد في توالد وتكاثر الناقل لهذه الأمراض. مذكرات في مهب الريح وفيات ومرضى، أنين ووجع واستغاثات أبناء الحديدة المنكوبة من الوضع المتردي تقابلها سلطة محلية تغط في نومها العميق، غير آبهة بأرواح الناس في المحافظة. سكان حي السلام بمدينة الحديدة، في مذكرة لهم بحل مشكلة المخلفات ومكدسات القمامة التي انتشرت بشكل مخيف بشوارع وأزقة الحي، الأمر الذي أدى إلى ظهور أوبئة وأمراض مختلفة مثل (حمى الضنك– الملاريا– الإسهالات- الأمراض الجلدية). قال الأهالي في مناشدتهم إن الطريق كاد أن يغلق لتراكم المخلفات والقمامة وتجاهل السلطة المحلية للأمر، مؤكدين أن صندوق النظافة الذي من المفترض أن يؤدي واجباته ويقوم بنقل هذه المخلفات صامت، وكأن الأمر لا يعنيه، متسائلين عن المبالغ الذي يجنيها الصندوق ويدفعها المواطنون نهاية كل شهر. وطالب الأهالي، رئاسة مجلس الوزراء، ومحافظ الحديدة، وصندوق النظافة والتحسين سرعة رفع القمامة وتخليص الحي منها لاسيما بعد أن لوحظ انتشار كثير من الأمراض بسببها. إضراب عمال النظافة مستمر يواصل عمال النظافة بالمحافظة إضرابهم الشامل عن العمل للأسبوع الثالث على التوالي، بسبب ما أسموه عدم تحقيق مطالبهم، في الوقت الذي تشهد فيه المحافظة وضعاً سيئاً للغاية جراء ذلك الإضراب المتواصل. أطراف خفية مدير إدارة صندوق النظافة والتحسين بالمحافظة جماعي سالم كليب، في رده على سؤال "الأهالي" يتهم من أسماهم ب"الأطراف الخفية" التي تعمل على إشعال فتيل المشكلات داخل الصندوق "لإعاقتنا عن العمل". ويتابع "على الرغم من التنسيق للعمال مع عدد من المستشفيات والصيدليات لتلبية مطالبهم المتمثلة في التأمين الصحي ومع ذلك رفضوا العمل بأوامر من رئيس النقابة الذي يُحرض العمال ويتحكم في الأمور، مع أن معظم العمال متوقفين عن العمل بسبب توجيهات فقط". ويضيف "قمنا بالاستعانة بأكثر من 500 عامل بالأجر اليومي، بعد إصرار عمال الصندوق على رفضهم للعمل، وبدأنا في إنقاذ المدينة من هذه النفايات. تحذير حذر أطباء ومنظمات مجتمع مدني من وقوع كارثة صحية وبيئية في الحديدة، متسائلين عن سبب عدم تحرك قيادة المحافظة وصمتها إزاء هذه الكارثة التي تهدد السكان. وحم�'ل المواطنون السلطة المحلية وصندوق النظافة والتحسين المسئولية الكاملة فيما تتعرض له المحافظة وما قد يتعرضون له من الأمراض والأوبئة التي تهدد حياتهم. ضنك الكهرباء والمجاري الوضع الصحي الذي تعيشه مدينة الحديدة يرافقه انقطاع شبه دائم للكهرباء له تداعيات مختلفة على حياة السكان، تلك التداعيات تنعكس على وضع المستشفيات التي لا تستغني عن التيار. وشهدت مدينة الحديدة الأشهر الماضية كارثة أخرى، غرقت معها المدينة في المجاري لأشهر.