لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    البركاني يدعو لتوفير الحماية للفلسطينيين واتخاذ خطوات رادعة تجبر الاحتلال على إيقاف الابادة    مشروع "مسام" ينتزع 1.375 لغمًا خلال الأسبوع الثالث من مايو    بالصور.. الهلال السعودي يعلن تجديد عقد جيسوس    الدوسري يتفوق على رونالدو في سباق الأفضل بالدوري السعودي    تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية صباح اليوم    اعرف تاريخك ايها اليمني!    الحوثيون يفرضوا ضرائب باهظة على مصانع المياه للحد من منافستها للمصانع التابعة لقياداتها    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    تهامة: مائة عام من الظلم وحلم الاستقلال المنتظر    "البحر الأحمر يشتعل: صواريخ حوثية تهدد الملاحة الدولية والقوات الأمريكية تتدخل وتكشف ماجرى في بيان لها"    شباب الغضب بوادي وصحراء حضرموت يؤيدون مخرجات اجتماع المجلس الانتقالي    الإخواني أمجد خالد وعصابته.. 7 عمليات إرهابية تقود إلى الإعدام    وهن "المجلس" هو المعضلة    سفير مصري: حزب الله يستعد للحرب الشاملة مع إسرائيل هذه الأيام    جماهير الهلال في عيد... فريقها يُحقق إنجازًا تاريخيًا جديدًا!    انفجار عنيف يهز محافظة تعز والكشف عن سببه    سانشيز افضل مدرب في الليغا موسم 2023-2024    غوندوغان سيتولى شارة قيادة المانيا بلون العلم الوطني    لامين يامال افضل لاعب شاب في الليغا    دموع أم فتاة عدنية تجف بعد عامين: القبض على قاتل ابنتها!    برعاية السلطة المحلية.. ندوة نقاشية في تعز غدًا لمراجعة تاريخ الوحدة اليمنية واستشراف مستقبلها    منتدى حواري في مأرب يناقش غياب دور المرأة في العملية السياسية    في اليوم 235 لحرب الإبادة على غزة.. 36096 شهيدا و 81136 جريحا وعدة مجازر في رفح خلال 48 ساعة    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    "طوفان زارة"....جماعة إرهابية جديدة تثير الرعب جنوب اليمن و الأجهزة الأمنية تتدخل    قوات الأمن تداهم حي الطويلة في عدن وسط إطلاق نار كثيف    نقابة الصحفيين تستنكر الحكم الجائر بحق الصحفي ماهر وأسرته تعتبره حكماً سياسياً    غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصعيد الحوثي.. ونذر الحرب السابعة
نشر في الأهالي نت يوم 27 - 08 - 2014

يعيش المواطن العادي حالة من الترقب والقلق في انتظار ما سيؤول إليه التصعيد الأخير الذي أقدمت عليه ميليشيات الحوثيين الإرهابية ضد الدولة، والمتمثل في انتشار مسلحيها حول أمانة العاصمة، وتكثيف التواجد في ثلاثة مداخل رئيسية من جهات مختلفة، وحفر خنادق وبناء متارس ونصب نقاط تفتيش للمسافرين في هذه المداخل، ثم الاعتصام أمام بعض الوزارات، فيما الجهات الرسمية اكتفت بانتشار أمني محدود في بعض شوارع أمانة العاصمة، وتكثيف هذا التواجد في الشوارع المحيطة بمنزل رئيس الجمهورية، ودعوات أطلقها رئيس الجمهورية لرفع درجة الاستعداد القتالي للجيش، وتحميل الحوثيين مسؤولية التصعيد الأخير.
وجاء التصعيد الحوثي مغلفاً بمطالب حقوقية مناهضة للإجراء الذي أقدمت عليه الحكومة والمتمثل برفع الدعم عن المشتقات النفطية لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار الشامل بحسب تبريرات الحكومة، وبصرف النظر عن استغلال الحوثيين لمظالم المواطنين بغية تحقيق أهداف سياسية خاصة بهم وتوسيع حضورهم الشعبي وباعتبارهم منتهكين لحقوق المواطنين في المناطق التي سيطروا عليها بشكل مضاعف قياساً إلى الآثار التي ستترتب على الجرعة، إلا أن الواضح هو أن الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ووزير الدفاع خصوصاً، بدأت تدفع ثمن تدليلها الزائد للحوثيين خلال الفترة الماضية، بغرض تصفية من يعتقدون أنهم مراكز نفوذ من جانب، ومحاولة احتواء الحوثيين واستدراجهم للعمل السياسي بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة من جانب آخر.
نذر الحرب
تطورات الأسبوع الماضي كانت على النحو التالي: خطاب تصعيدي من قبل زعيم ميليشيات الحوثيين دعا فيه أنصاره إلى التظاهر للمطالبة بإسقاط الحكومة والتراجع عن الجرعة، متوعداً بما أسماها "لغة أخرى" لمن لا يستمع لشعبه، وهو تهديد ضمني بالحرب على الدولة، كما هدد بما أسماها "الخيارات المفتوحة" في حال لم تجدي المظاهرات، وهو أيضاً تهديد بالحرب، وأعطى مهلة إلى يوم الجمعة (الماضي) وما لم تتم الاستجابة للمطالب التي يرفعها أنصاره فهو سيلجأ إلى هذه الخيارات.
الرئيس هادي رد على خطوات الحوثيين بخطوات مضادة، شملت اجتماعات بأعضاء الحكومة وقيادات الأحزاب السياسية، ثم اجتماعاً بمجلس الدفاع الوطني، وإرسال لجنة إلى صعدة للتفاوض مع زعيم الحوثيين، وتضمنت خطاباته لغة تهديدية تمثلت بدعوة الجيش إلى رفع درجة الاستعداد القتالي، فيما شهدت محافظات تعز وإب والحديدة مظاهرات حاشدة لشباب الثورة دعت إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفرض الدولة هيبتها على كامل تراب الوطن، وهي مظاهرات تحمل رسالة مضادة لتحركات الحوثيين وزعيمهم الذي نصب نفسه متحدثاً باسم الشعب.
خطابات الرئيس هادي دفعت عبدالملك الحوثي إلى إلقاء خطاب طويل، مساء الخميس، تضمن لغة تصعيدية، لكنه لم يفصح عن "اللغة الأخرى" أو "الخيارات المفتوحة" التي لوح بها في خطابه السابق، وأعلن عن ما أسماها "المرحلة الثانية" من التصعيد، داعياً أنصاره إلى مواصلة الحشد إلى محيط أمانة العاصمة ومواصلة الاعتصام حتى تتحقق مطالبهم المتمثلة في التراجع عن "الجرعة" و"إسقاط الحكومة"، ومحذراً من الاعتداء على ما أسماها "الاعتصامات السلمية" لأتباعه، رغم أنها اعتصامات مسلحة.
الاستعداد للحرب غالباً ما يعجل بنشوبها ولا يمنعها، وهذه حقيقة تاريخية، رغم ما ساد خلال بعض الفترات من أن "الاستعداد للحرب يمنع وقوعها"، وهذه العبارة راجت كثيراً قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فازدادت وتيرة التسلح والاستعداد للحرب بين الأطراف المختلفة، وكل طرف رفع درجة استعداده أملاً في ردع خصومه وبالتالي منع وقوع الحرب، لكنها نشبت بقوة وخلفت آثاراً كارثية مازالت قائمة حتى اليوم، رغم مرور مائة عام على وقوعها.
والملاحظ في الحالة اليمنية، أن هناك دولة هشة وفاشلة ورخوة ولكنها لم تصل إلى مرحلة الانهيار الشامل، وفي حال وجود خطر حقيقي يهدد ما تبقى من كيانها فلاشك أن ذلك سيدفعها للانتعاش والاستعداد للمواجهة حفاظاً على البقاء، وفي حال فشلت أمام هذا الخطر فإن الشعب لن يسكت أو يستسلم لجماعة مسلحة إرهابية قادمة من كهوف صعدة وتحمل أفكاراً متخلفة أكل عليها الدهر وشرب، وتريد أن تحكم شعباً بمنطق وأساليب العصور القديمة.
ومن جانب آخر، هناك جماعة مسلحة إرهابية قائمة على أسس طائفية ومذهبية مقيتة، تربت ونشأت على الحرب والعنف والإرهاب، ومن المستحيل أن تتخلى عن ذلك ما لم تجري مراجعات شاملة، ومن المستحيل أن تتعايش مع مجتمع مدني ودولة حديثة، كما أنها لا تؤمن بالديمقراطية ومفهوم الدولة المدنية الحديثة والعمل السياسي السلمي بأدواته الحديثة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها، وتسعى إلى إعادة نظام حكم إمامي بائد همجي متخلف، شهدت اليمن في عهده أسوأ مراحل تاريخها، ووصلت إلى مرحلة سيئة للغاية من التخلف والفقر والجهل والعزلة عن العالم، ثم ثار الشعب ضد هذا الحكم الذي أذاق الشعب الأمرين، ثم ثار ضد من عمل وبشكل ممنهج لإفراغ الثورة السبتمبرية من مضمونها، وهو مستعد اليوم للوقوف في وجه كل من يريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
فشل النظام السياسي
يعتبر ظهور جماعة الحوثيين، وتمددها في نطاق جغرافي معين، وتعنتها السياسي وتهديدها للدولة والمجتمع، نتيجة طبيعية لفشل النظام السياسي السابق والحالي في فرض هيبة الدولة، رغم أن الفرصة كانت ومازالت متاحة لأن تفرض الدولة هيبتها ولا يكلف ذلك الكثير، وتؤكد أدبيات العلوم السياسية الحديثة أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي من حقها أن تحتكر العنف لفرض وجودها وهيبتها.
الرئيس المخلوع علي صالح أدار البلاد بالصراعات من أجل تصفية خصومه أو إنهاكهم هروباً من الاستحقاقات الواجبة على الدولة حيال المواطنين، وذلك بهدف إلهاء المواطنين بمعارك جانبية تعفي النظام السياسي من القيام بواجبه في بناء الدولة وتنميتها وازدهارها، وهذا الأمر سيوفر بيئة مناسبة للفساد المالي والإداري وإفراغ الديمقراطية والحياة السياسية من مضمونها، وهو ما يريده النظام حتى يبقى في السلطة إلى أجل غير مسمى.
وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس هادي، الذي فشل في إيجاد وسيلة جديدة للحكم وفرض هيبة الدولة، فسلك نفس خطى سلفه صالح، مع اختلاف بسيط في الوسائل والأدوات نتيجة تغير الأوضاع، ومراعاة للعوامل المناطقية ومطالب الدول الأجنبية المتدخلة بشكل سافر في الشأن اليمني، وتلاقح الأزمات في المنطقة بعد الثورات المضادة لثورات الربيع العربي.
في البداية، تعامل الرئيس هادي مع جماعة الحوثيين الإرهابية على أنها "حالة مؤقتة"، وسلك معها "سياسة الاحتواء" من خلال استدراجها للمشاركة في الحوار الوطني وإشراكها في السلطة وتحويلها إلى حزب سياسي مدني سلمي، لكن هذه الخطوة أثبتت فشلها منذ البداية، ففي الوقت الذي كان فيه ممثلو جماعة الحوثي في الحوار الوطني يؤكدون بأنهم مع بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كان مسلحو الجماعة البدائيين والهمج يشنون حرباً شعواء ضد المواطنين في عدة مناطق داخل صعدة وخارجها، وارتكبوا جرائم فظيعة تقشعر لها الأبدان دون أن تحرك الدولة ساكناً، الأمر الذي أغراهم بمواصلة الحرب واستقطاب الأنصار تحت إغراء المال واستثمار حالة السخط واليأس في أوساط بعض الفئات الاجتماعية.
ومع بدء الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، والتي دشنت بالانقلاب العسكري الذي شهدته مصر ضد أول رئيس مدني منتخب في تاريخها، الدكتور محمد مرسي، ارتأت الدول الداعمة للثورات المضادة أن الحوثيين أفضل وسيلة يمكن استثمارها لإنهاك الثورة الشعبية اليمنية، بهدف تحجيم دور حزب الإصلاح ومشائخ قبيلة حاشد (آل الأحمر)، باعتبارهم أبرز الشخصيات السياسية والقبلية الداعمة للثورة الشعبية السلمية، كما عمل المعسكر المضاد لثورات الربيع العربي على تهيئة الملعب السياسي لعودة النظام السابق بثوب جديد، خاصة بعد أن تم وأد الثورة اليمنية من خلال المبادرة الخليجية، وتشكيل حكومة انتقالية مشكلة مناصفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وتهميش دور شباب الثورة، وإجراء هيكلة شكلية للجيش، بدليل أنها لم تنجح في حل الانقسامات الحاصلة في صفوفه.
وبما أن النظام السياسي الذي تشكل بعد الثورة قائم على خليط من الاتجاهات السياسية المتناقضة والمتشاحنة، وبما أن الطرف الموالي لرئيس الدولة هو من يحتكر صناعة القرار، فقد كان التعامل مع ميليشيات الحوثيين محل شك وتخوف، خاصة في ظل التدليل الزائد للجماعة الإرهابية، والسكوت على جرائمها التي ارتكبتها ومازالت ترتكبها هنا وهناك، لتصل البلاد إلى ما وصلت إليه.
كيف يفكر هادي؟
السياسة التي ينتهجها الرئيس هادي منذ صعوده إلى السلطة وحتى الوقت الحالي تثير الشك والريبة، وخاصة في ما يتعلق بتعامله مع جماعة الحوثيين، وازدادت الريبة بعد أن تمكنت الجماعة من السيطرة على محافظة عمران، نتيجة تواطؤ وزارة الدفاع مع الميليشيات الحوثية، وعدم مساندة اللواء 310 مدرع الذي صمد لفترة تزيد على ثلاثة أشهر أمام الميليشيات الإرهابية، الذي سقط نتيجة تآمر وخيانة من قبل الدولة نفسها.
والملاحظ أنه قبل سقوط محافظة عمران بيد ميليشيات الحوثيين تجاهل الرئيس هادي تحذيرات الكثيرين من أن سقوط عمران بداية لتقدم مسلحي الحوثي نحو العاصمة، لكن الرئيس هادي تجاهل هذه التحذيرات، بذريعة أن الجيش غير قادر على المواجهة، وأنه منقسم على نفسه. علماً أن حالة الانقسام والضعف السائدة في أوساط الجيش اليمني من أبرز أسبابها حالة الفراغ القائمة في الجيش، وتواطؤ بعض قياداته مع جماعات العنف والإرهاب، وولاء البعض للمخلوع صالح وعائلته، ومثل هؤلاء بإمكان الرئيس هادي إقالتهم بقرارات جمهورية، وتقديم من تثبت خيانتهم للمحاكمة، فمثل هؤلاء لن يكونوا أكثر قوة من علي صالح وعائلته الذين تمت الإطاحة بهم من مناصبهم العسكرية الحساسة التي كانوا يشغلونها.
وفي ظل ضبابية المشهد الحالي، وعدم وجود رؤية واضحة لرئيس الجمهورية في إدارته للدولة وتعامله مع ميليشيات الحوثيين، يمكن القول بأن ما يدور في رأس هادي لا يخرج عن نطاق الخيارات التالية:
أولاً، التواطؤ مع جماعة الحوثيين وتدليلها من أجل إغراق شمال البلاد في الفوضى والحروب بغرض إنهاك المجتمع حتى لا يثور ضده كما ثار ضد سلفه، وإنهاك الأحزاب السياسية المدنية التي تنتهج العمل المدني السلمي حتى لا تطالب بإجراء انتخابات أو غير ذلك من المطالب السياسية، وإلهاء خصومه السياسيين ومن يعتقد أنها مراكز نفوذ تاريخية بمعارك جانبية حتى لا يشكلوا أي خطر على سلطته، وكل ذلك بغرض تمديد المرحلة الانتقالية حتى يتمكن من بناء سلطته الخاصة، والإقدام على بعض الخطوات الرامية إلى توسيع دائرة نفوذه من خلال إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة بذريعة تجنب الزج بالجيش في صراع مع جماعة إرهابية مسلحة.
ثانياً، تسليم الرئيس هادي محافظة عمران للحوثيين، ثم عدم القيام بخطوات عملية بعد تصعيدهم الأخير حول أمانة العاصمة وداخلها، يؤكد ما يذهب إليه بعض المراقبين من أن هادي يريد جر شمال البلاد إلى فوضى شاملة من أجل تسهيل عملية الانفصال، حيث سينتقل الرئيس هادي إلى عدن ويعلنها عاصمة للدولة الاتحادية، في مقابل أن يعلن الحوثيون السيطرة على السلطة في الشمال ويعلنوا انفصال الشمال عن الجنوب، أو يعلن هادي انفصال الجنوب مباشرة بذريعة أن الفوضى في الشمال تعيق بناء الدولة، ويؤكد هذا السيناريو إقدام هادي على سحب أسلحة مهمة من الشمال إلى الجنوب بذريعة محاربة القاعدة، وتعيينه لقيادات في معظم الألوية والمعسكرات الجنوبية من أبناء الجنوب واستبعاد الضباط الشماليين، الذين يقتلون بعد ذلك إما على يد القاعدة أو مسلحي الحراك الجنوبي أو مسلحين مجهولين.
ثالثاً، قد يكون الرئيس هادي صادقاً في نواياه، ويريد بناء دولة، لكنه ضعفه وتحكم النخبة السياسية الجنوبية المحيطة به بصنع القرار يعيقه عن ذلك، ويبدو أن النخبة السياسية المحيطة به لا تريد الخير للوطن، كما أنه -أي الرئيس هادي- ليس لديه رؤية واضحة للتعامل مع جماعات العنف والإرهاب، ويتعامل مع مختلف الأزمات بمنطق المهادنة ومحاولة إطفاء الحرائق التي تزداد كل يوم دون توقف في ظل فشل الحلول التي يقدم عليها، والتي لا تتجاوز تشكيل "لجان رئاسية" كل ما تقوم به هو إتاحة الفرصة للطرف الآخر لاستهلاك الوقت حتى يتمكن من تحقيق أهدافه.
أهداف الحوثيين
الحوثيون لديهم هدف وحيد وواضح ويعملون من أجل تحقيقه بنفس طويل منذ عدة سنوات، وهو إسقاط النظام الجمهوري وإعادة النظام الإمامي البائد، وبالتالي فهم لا يهمهم سياسة الرئيس هادي أو ما الذي يريد فعله، فالأهم هو الهدف المقدس بالنسبة لهم، الذي أصّلوا له فقهياً باعتبار أن الولاية لا تكون إلا في البطنين، أي أولاد الحسن والحسين الذي يعتقدون بأنهم من نسلهم بصرف النظر عن مدى صحة ذلك.
ويرى الحوثيون بأن الفرصة الآن مناسبة لهم لتمرير مخططاتهم الرامية إلى إسقاط النظام الجمهوري، واتخذوا من قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية وسيلة لحشد الأنصار والمطالبة بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة يكون لهم نصيب وافر منها، وإذا ما تمت الاستجابة لمطالبهم هذه فسيؤجلون مخططهم إلى وقت لاحق، لأن وجودهم في الدولة سيمكنهم من تعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي وإعطاء تصرفاتهم في المناطق التي يسيطرون عليها شرعية تبعدهم عن المساءلة أو الانتقاد. أما إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبهم، فقد تنزلق البلاد إلى سيناريو كارثي لا أحد يدري نتائجه.
وفي كل الأحوال، من الصعب على الحوثيين إسقاط أمانة العاصمة والسيطرة على الحكم، فالتركيبة السكانية للعاصمة لن تقبل بهم، وكذلك فالشعب اليمني البالغ تعداده 30 مليون نسمة لن يقبل بعشرة آلاف مقاتل حوثي همجي أن يسيطروا عليه ويجبروه على تقبيل الركب ودفع الزكاة والإتاوات الطائلة، خاصة وأن الجماعة تحمل نزعة مذهبية وطائفية ومناطقية بغيضة من الصعب أن يتعايش معها الشعب اليمني، بل فهذه النزعة مبغوضة حتى في النطاق الجغرافي للمذهب الزيدي الذي يشكل الحاضنة الاجتماعية لجماعة الحوثيين التي تخلت عن هذا المذهب واعتنقت المذهب الرافضي الإثنى عشري، وهو المذهب الرسمي لدولة إيران.
ويمكن القول بأن ميليشيات الحوثيين إذا أقدمت على شن حرب ضد الدولة بغية إسقاطها وإلغاء النظام الجمهوري والإعلان عن قيام نظام إمامي ملكي، فإن ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي وعسكري لها، فهامش المناورة الذي منحه لها الرئيس هادي، وتحالفهم مع بعض القوى السياسية، الغرض منه تحجيم تيار سياسي معين، وليس إسقاط الدولة بكاملها، فأمر كهذا سيخلق اصطفافا وطنيا جامعا مساندا للجيش في معركة ستدفعه إلى توحيد صفوفه وخوض معركة مقدسة دفاعاً عن النظام الجمهوري ومكتسبات الثورة السبتمبرية والثورة الشعبية السلمية. والسيناريو الأكثر توقعاً هو أن يتم تسوية الأمر سياسياً، من خلال إقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة جديدة، يتم إشراك الحوثيين والحراك الجنوبي فيها.
*عن صحيفة الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.