صنعاء بعيدة.. التصعيد الاقتصادي الأخير يؤطر للانفصال    "اضربوا بيد من حديد، وإلا فستقعون كما وقعنا"...خبير عسكري يوجه رسالة للسعودية بعد رفع الحوثيين شعارات سياسية في الحرم المكي    "الكرة في ملعب الشرعية"...محلل سياسي يطالب بتأمين الطرق قبل فتحها    مسير عسكري لوحدات من القوات الجوية والدفاع الجوي من مديرية مناخة إلى ميدان السبعين    الخدمة المدنية تدشن أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    السامعي والمساوى يناقشان جهود فتح الطرق في تعز    عاجل: هجوم حوثي جديد في خليج عدن    جولة القصر بتعز تشهد اختتام الدورات الصيفية بمسيرا وعروضا كشفية    رئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، الدكتور عبدالله العلفي ل"26 سبتمبر": ترتيب الأدوار مع الجهات ذات العلاقة بالقطاع الزراعي يؤسس لمسار أداء تكاملي    وزير الخارجية في الاجتماع الوزاري لدول الخليج واليمن: نثمن دعمكم لعودة أمن اليمن واستقراره ووحدته وسلامة اراضيه    شاهد أول فيديو لعبور المسافرين طريق مارب - البيضاء - صنعاء بعد إعلان العرادة فتحها رسميا وفرحة عارمة    تكريم عربي مصرفي كبير للدكتور احمد بن سنكر    البعداني: قائمة المنتخب شهدت إحلالا وتبديلا وفقاً لمعايير الكفاءة والقدرات الفنية    غارات دموية تستهدف نازحين عقب يوم من مجزرة النصيرات التي أسفرت عن 998 شهيدا وجريحا    رئيس الوزراء يزور البنك المركزي ويؤكد الدعم الكامل لقراراته الرامية لحماية النظام المصرفي    وزارة الخارجية تدعو جميع الوكالات الدولية بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن    دي يونغ يدعم صفوف هولندا استعدادا ليورو 2024    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على قطاع غزة إلى 37084 شهيد    افتتاح معمل وطاولة التشريح التعليمية ثلاثية الأبعاد في الجامعة اليمنية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    عدوان أمريكي بريطاني جديد على الحديدة    الرواية الحوثية بشأن حادث انهيار مبنى في جامع قبة المهدي بصنعاء و(أسماء الضحايا)    تفاصيل جديدة بشأن انهيار مبنى تابعًا لمسجد ''قبة المهدي'' ومقتل مواطنين    "هوشليه" افتحوا الطرقات!!!    ''استوصوا بعترتي'' و استوصوا بالمعزى!!    الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص الدولي يدعو برامج المنطقة لزيادة عدد الألعاب والمسابقات والاهتمام بصحة اللاعبين    يورو 2024.. هذه قيمة الأموال التي سيجنيها اللاعبون والمنتخبات المشاركة    أسعار الذهب في صنعاء وعدن صباح اليوم    منتخب الدنمارك يقهر نظيره النرويجي بقيادة هالاند    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    منظمة الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    في الذكرى الثالثة لوفاته.. عن العلامة القاضي العمراني وجهوده والوفاء لمنهجه    القرصنة البرتغالية في جزيرة سقطرى .. بودكاست    السلطة المحلية بحضرموت تنعي وكيل أول المحافظة الشيخ عمر فرج المنصوري    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    أحب الأيام الى الله    عشرات الاسر والجمعيات المنتجة في مهرجان عيدنا محلي بصنعاء    روسيا تعلن بدء مبيعات مضاد حيوي جديد يعالج العديد من الالتهابات    ما علاقة ارتفاع الحرارة ليلا بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    نادي ظفار العماني يهبط رسميا للدرجة الأدنى    لا حلول لأزمات اليمن والجنوب.. ولكن استثمار    انضمام مشائخ من كبار قبائل شبوة وحضرموت للمجلس الانتقالي الجنوبي    الحوثيون يعترفون بنهب العملة الجديدة من التجار بعد ظهورها بكثرة في مناطقهم    الرفيق "صالح حكومة و اللجان الشعبية".. مبادرات جماهيرية صباح كل جمعة    من 30 الى 50 بالمية...قيادي بالانتقالي الجنوبي يتوقع تحسنًا في سعر الصرف خلال الفترة القادمة    ما حد يبادل ابنه بجنّي    انعقاد دورة الجمعية الوطنية في شبوة.. دلالات تاريخية تجسد روح التلاحم الوطني الجنوبي    وديا ... اسبانيا تتخطى ايرلندا الشمالية بخماسية    بعد أشهر قليلة من زواجهما ...جريمة بشعة مقتل شابة على يد زوجها في تعز (صورة)    الحسناء المصرية بشرى تتغزل باليمن و بالشاي العدني    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    أطلق النار على نفسه.. مقتل مغترب يمني في أمريكا في ظروف غامضة (الاسم)    الحوثيون يمنحون أول باحثة من الجنسية الروسية درجة الماجستير من جامعة صنعاء    تعرف على شروط الأضحية ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية    الحوثيون يعتقلون عشرات الموظفين الأمميين والإغاثيين في اليمن مميز    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يعيد الحوثي دور الفأر الذي دمر مملكة سبأ؟!
نشر في الأهالي نت يوم 06 - 03 - 2015

لم تكن المخاطر هي من تثنيني عن زيارة مأرب للتعرف على الموطن الأول للإنسان العربي، ولم تكن أيضا ظروفي المادية، ولا ندرة أصدقائي هناك، ولا حاجتي لمرشد كأي زائر غريب، للأمر علاقة بالصورة الذهنية التي رسمها الإعلام في مخيلتي ومخيلة الكثير عن كنز اليمن العظيم الغني بالثروات، وأرض الجنتين المذكورة بالقرآن الكريم حيث نمت حضارات عظيمة ومزدهرة في عهد ملوك سبأ. لقد درج الإعلام على تصوير عاصمة سبأ كما لو أنها ملاذ آمن للمخربين وقطاع الطرق، حتى بات التفكير في زيارتها نوع من المغامرة.
حالفني الحظ مؤخرا، في زيارة الأرض الطيبة، مأرب الاسم الخالد في وجدان الإنسان اليمني والعربي، والتاريخ الجمعي لنا كيمنيين بل هي جواز سفرنا إلى العالم كله، فهي عنواننا الأبرز ولا يعرف اليمن إلا بها.
الزيارة لم تكون لمهمة صحفية، ولكن راقني كتابة بعض ما سمعت، وانطباعات لزيارة استمرت أسبوعا كاملاً، برفقة ثلة من الأصدقاء، وانحصرت في زيارة العرش الذي حكمت منه (بلقيس) مملكة سبأ و شمال وجنوب شبة الجزيرة العربية وصولاً إلى الحبشة غرباً والقرن الإفريقي جنوباً بحسب المؤرخين. كذلك زيارة معبد بلقيس الضخم، المعروف ب(معبد الشمس) والوادي بمزارعه المترامية على صحراء مستوية وممتدة يخال للناظر أن السماء تبدأ من أطرافها، أيضا حمدي البكاري مراسل الجزيرة والذي بدأ كما لو أنه أحد المعالم الأثرية في مأرب يستلزم الزيارة بالنسبة لزميل قادم من صنعاء، واختتمت رحلتي إلى سد مأرب، لم أفكر بالمرور على مطارح القبائل المأربية التي تطوق المدينة استعدادا لأي مواجهات محتملة مع الحوثيين، والواقعة في مناطق مفتوحة على مصراعيها وصحراء لافحه تبتلع من ليس خبير بها، فمأرب من الداخل أكثر دهشة وإبهار، كذلك الإنسان المأربي صاحب الكرم والأخلاق لا يتنازل عن كرمه، إنها جزء لا يتجزء من كيانه مهما كانت ظروفه.
ما كان أمر مأرب وسبأ ليشتهر في الماضي والحاضر لو أنها اكتفت بجمع ثرواتها وتكديسها، ولكنها بفضل ما توافر لديها من مقومات "لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ". تمكنت من أن تثمر حضارة عظيمة ما زال بعضها مطمورا تحت التراب.
حين تطأ أقدامك أرض مأرب، تدرك كم أن الإعلام هو السلاح الأكثر حدّة، وتأثير، علاوة أننا شعوب اعتادت أن تصدق ما تسمع لا ما تقرأ، ويعجبها من المطروح ما يخدم مصالح معينة، وليس لديها أي استعداد للبحث عن الحقائق، وهذا ما يقدمه الإعلام حاليا، بسبب انحرافه عن رسالته السامية وعدم المبالاة في النتائج، وغياب الإخلاقيات العامة التي تراعي المصلحة العامة للوطن. فمأرب بالنسبة للإعلام اليمني ملجأ للمخربين وقطاع الطرق, غالبية اليمنيين وأنا منهم لا نعرف أن إنتاج مأرب من ال(بطاط، طماط، كوسة، ليم، يوسفي مانجو...الخ، تغطي أسواق الجمهورية اليمنية لمدة 8 أشهر في السنة، على مرحلتين، وفي نفس الفترة تصدر الكثير إلى المملكة العربية السعودية من هذا المحاصيل، كما أنها لا تزرع شجرة القات إطلاقاً، أنها سلة الغذاء اليمني والمخزون الاقتصادي الكبير.
وإذا جئنا إلى ثروة مأرب وخيراتها التي تصب إلى خزينة الدولة، فالغاز من مأرب وعائداته تصب في البنك المركزي الذي يسيطر عليه الحوثي، والنفط من مأرب وعائداته تصب في المركزي والكهرباء من مأرب، بينما لا تزال مأرب محافظة نائية جدا لا تمتلك أي بنية تحتية ولا تستلم من خيراتها شيئاً يذكر. ثم يطل زعيم جماعة الحوثي من صعدة ليصف أبناءها ب"التكفيريين والدواعش" ويواصل حشده لضربهم.
مأرب كما قال الشاعر :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ
يعتقد سكان مأرب والكثير من أبناء القبائل أن الدولة لم تهتم بهم كاهتمامها بالمناطق اليمنية الأخرى، ويقولون أن أعمال ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط أعمال تدار من صنعاء، ومن قبل مواطنين الدولة طرف رئيسي في مشاكلهم.
أكثر ما يُلاحظ ويلمسه الزائر لمأرب أن لا دولة هناك، وأن تلك البلاد الغنية محكومة بالتوازنات القبلية وليس الحزبية. وأغلب سكان المدينة -مركز المحافظة- هم من أبناء تعز، وإب وريمة، ومحافظات أخرى بعضهم يستقر فيها منذ أكثر من 20 عام.
ظلت مأرب التي تعتبر كنز اليمن الحضاري والأثري ، ظلت قبلة للسائح القادم من خارج اليمن، حتى حادثة مقتل سياح إسبان فيها واختطاف خمسة سياح إيطاليين آخرين في 2006 بعد ساعات من الإفراج عن عائلة ألمانية مكونة من خمسة أفراد بينهم وزير دولة سابق بعد ثلاثة أيام من اختطافهم في محافظة شبوة آنذاك، بحسب أحاديث سكان من أبناء المحافظة.
حينما انهار السد انهارت مملكة سبأ وتفرقت أيادي أبنائها، ونزحوا وغرقت جناتهم، وذهاب أشجارهم، وإبدالهم خمطًا وأثلاً وشيئًا من سدر قليل كما جاء في القرآن. يقول المؤرخ الإغريقي اجاثرخيدس الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد:"انه لا يبدو أن ثمة شعباً اغني من السبئيين كانوا وكلاء عن كل شيء يقع تحت اسم النقل بين آسيا وأوروبا، وهم الذين جعلوا سورية البطلمية غنية، وأتاحوا للتجار الفنيقيين تجارة رابحة، وآلافاً من اشياء أخرى ووصفهم بأنهم محاربون أشداء وملاحون مهرة يبحرون في سفن كبيرة إلى مستعمراتهم ليأتوا بمنتجات لا تتوفر إلا هناك.
مملكة سبأ دمر سدها فأر فانهارت, لقد كان هذا السد سلاح حياتهم ومفتاح حضارتهم، والعصبة التي يرتكز عليها اقتصاد مملكتهم القوية، فهل سيكون عبدالملك الحوثي الفأر الذي سيتسبب في انهيار الدولة اليمنية وتفرق أبنائها، وهو يحشد لاجتياح مأرب التي تشكل مواردها وثرواتها النفطية العمود الفقري للاقتصاد اليمني، حتى في ظل سيطرة الحوثي في صنعاء فعائدات ثروات مأرب تصب إلى الخزينة العامة؟!
الثأر يحصد ولا يزال حتى الآن العشرات من أبناء هذا المحافظة، ورجالها، أنها القضية الأخطر التي تؤرق المجتمع المأربي، فقد تحدث لي شاب أنيق ولبق بزيه القبلي تبدو عليه مسحة من تحضر يتمنطق بندقية، لا يتجاوز عمره (15عام) يدعى معمر الحداد، يقول الحداد الذي بدأ أكبر من عمره المفترض بسنوات "ضيعتنا الثارات، في مأرب أنا أذهب المدرسة وأضع البندقية في الإدارة قبل دخول الفصل حتى الانتهاء من الدراسة". أسرة معمر لديها ثأر مع أسرة أخرى يفصل بين منازل العائلتين مسافة 10 دقائق بالأقدام، ويحجبهم عن بعض أشجار المزارع المترامية على صحراء هذا الوادي الأخضر، الذي يبدو كما لو أنه انفجر من باطن الأرض أو سقط من السماء، فكل ما حوله أرض قاحلة جرداء.
نواصل الحديث أنا ومعمر الذي بدأ ممتلئ "برجولة" لو وزعت على سكان صنعاء لكفتهم، "أتوقع أن يكون الثأر مني كواحد من العائلة لذلك أحمل سلاحي معي"، يتحدث كمن لا يهاب الموت ولا يكترث له، هذا الأمر أفزعني جدا، فأنا من بلاد يكاد أبنائها في قطيعة تامة مع السلاح، ولم أشهد قضية ثأر في حياتي.
رشقت مسامع معمر ببعض النصائح وحثيته على مواصلة الدراسة، وتمنيت أن يكون لي رحلة أخرى إلى مأرب لأطمئن على حياة هذا الشاب الرائع. وتمنيت أيضا أن يتنازل اليمنيين لبعضهم، فالتنازل عن مكاسب سياسية من أجل حماية أمن واستقرار بلادنا هو تضحية في حجم الاستشهاد.
فلن يكون قويا، من سيتسبب بتدمير اليمن، وتشريد أخوانه إرضاء لدول إقليمية، دمرت العراق وسوريا ولبنان ولن يكون مساهماً في الحفاظ عليه من يواصل الغطرسة ضد خصوم سياسيين.
أن نحفظ دماء بعضنا ونتنازل ونرفض أن يكون فينا فئة غالبة وفئة مغلوبة، حفاظا على وحدة مجتمعنا ونسيجه الاجتماعي، خيرا لنا من الإصرار على الحقد والغرور والغطرسة، وقيادة البلد نحو الإنفجار الذي لن يترك أحد، فمن يرى أنه سيحكم هذا المجتمع على جماجم أبنائه واهم وألف واهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.