مثل كل المساجين المحكوم عليهم بالأعمال الشاقة المؤبدة كان محكومٌ علينا يومياً بالعصيد.. وكان ذلك يشعرنا بأننا مكروهون من قبل أهالينا، وأن كراهيتهم لنا هي السبب في فرضهم العصيد علينا، وفي إصرارهم، وفي إكراهنا على أكلها رغم معرفتهم بأننا ننفر منها ولا نطيقها. ولن أكون مبالغاً لو قلت بأنني أيامها- عندما كانوا ينادونني وقت الغداء إلى وجبة عصيد- يعتريني نفس الشعور الذي راح يعتريني لاحقاً وأنا في معتقل "دار البشائر" عندما كنت أُنادى بعد منتصف الليل لحضور جلسة التعذيب. ولكن إذا كان أكل العصيد في أيام متباعدة هو بحد ذاته عمل شاق ومرهق فإن أكلها يومياً وبالإكراه عمل غير إنساني ،ويعد ضرباً من ضروب التعذيب. وكم أشفقت على ذلك الهولندي المسكين الذي تعرض قبل سنوات للتعذيب من قبل خاطفيه القبليين!. لقد خطفوه من قلب العاصمة صنعاء..وهناك في المكان الذي اقتادوه إليه بدأوا بتعذيبه، واستمروا يعذبونه بأداة التعذيب المريعة: العصيد. كانوا في الصباح يقدمون له الصبوح : عصيد مع السمن..وفي الظهر يقدمون له وجبه الغداء: سمن مع العصيد..أما في العشاء فكانوا يكرمونه ويقدمون له عصيد وسمن. واليوم،وبعد عصيدة الثورة الشبابية السلمية يلاحظ أن مطاعم العصيد في العاصمة صنعاء وفي غيرها من المدن اليمنية تتوالد وتتكاثر وهي كل يوم في ازدياد. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هدف العصادين الجدد هو تجويع وتركيع وترويع الشعب بالعصيد حتى يفقد أسنانه ويغدو شعباً مطيعاً وعاجزاً عن العض. *صحيفة اليمن اليوم