فيما اعتبر تحركا سريعا لوضع واقعة مصافحته لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون على هامش مؤتمر ميونيخ في إطارها الصحيح ، أكد رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل أن تلك المصافحة لا تعني تطبيعا مع إسرائيل . وأضاف في تصريحات أدلى بها لقناة "الجزيرة " يوم الأحد الموافق 7 فبراير / شباط أن أيالون حاول الإيحاء في تصريحاته لوسائل الإعلام بأن المصافحة هي بداية تحسن في العلاقات بين السعودية وإسرائيل ، إلا أن هذا الأمر غير صحيح بالمرة ، قائلا :" مصافحتي لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي خلال مؤتمر الأمن السنوي في مدينة ميونيخ الألمانية لا يعني اعترافا من المملكة بالدولة العبرية". وقبل التصريحات السابقة ، أصدر الأمير تركي الفيصل الذي شغل سابقا منصبي رئيس الاستخبارات السعودية وسفير السعودية في الولاياتالمتحدة بيانا أكد خلاله أيضا أن مصافحته مع نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون لم تحدث إلا بعدما قام الأخير بالاعتذار عن تحميله الأمير السعودي مسئولية قرار إبعاده عن لجنة تضم قوى إقليمية لمناقشة أمن الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى اعتذاره عن الإساءة للمملكة بعد أن اتهمها بأنها لا تقدم مساعدات للحكومة الفلسطينية. وتابع العضو البارز في الأسرة الملكية السعودية الحاكمة في بيانه " لا يجب أن يتم إخراج هذه الواقعة من إطارها أو إساءة فهمها ، اعتراضاتي القوية وإداناتي لسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين تبقى كما هي دون تغيير". واستطرد " من الواضح أن جيران إسرائيل العرب يريدون السلام ، إلا أنه لا يمكنهم أن يتحملوا تصرفات تندرج في إطار السرقة ، كما أنه لا يجب الضغط عليهم لمكافأة إسرائيل على إعادة أراض لم تكن لها في الأساس". واسترسل " إلى أن تلبي إسرائيل نداء الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإزالة كل المستوطنات ، فعلى الإسرائيليين ألا يتوهموا بأن السعودية ستمنحهم ما يرغبون به وهو الاعتراف الإقليمي". واقعة المصافحة
الأمير تركى الفيصل ينفي مزاعم أيالون التصريحات السابقة جاءت لتؤكد موقف السعودية الثابت من رفض التطبيع مع إسرائيل قبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وفقا لمبادرة السلام العربية التي طرحتها الرياض عام 2002. أيضا فإن وقائع حدوث المصافحة تؤكد هي الأخرى أن المسئول الإسرائيلي هو الذي سعى بقوة لاتمام هذا الأمر على هامش مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية وهو تجمع عالمي يعقد سنويا ويضم قادة الدفاع والأمن والشئون الدبلوماسية من دول مختلفة لبحث قضايا الأمن والاستقرار في العالم . والقصة بدأت يوم السبت الموافق 6 فبراير / شباط ، عندما رفض وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوجلو جلوس نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون إلى جانبه في المنصة خلال جلسة مخصصة لقضايا الأمن في الشرق الأوسط على هامش مؤتمر ميونيخ . وكان أيالون يجلس على منصة قاعة المؤتمر الذي يبحث قضايا الأمن في الشرق الأوسط ، وما أن أعلن أوجلو رفضه الجلوس على المنصة بجانب أيالون ، إلا وقررت إدارة المؤتمر فصل الجلسة المخصصة للحديث عن الأمن في الشرق الأوسط إلى جلستين : الأولى ضمت الأمير تركي الفيصل والوزير التركي ومستشار وزير الخارجية المصري حسام زكي ، في حين ضمن الثانية السيناتور الأمريكي اليميني جو ليبرمان ونائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون والبروفيسور الروسي ايجور يورجينز الذي يعمل في معهد التربية المعاصرة . وفي مؤتمر صحفي عقده المشاركون في أعقاب الجلستين ، اتهم أيالون الأمير السعودي بأنه وراء فصل الجلستين ، قائلا :" مبعوث دولة لديها الكثير من النفط ضغط على المنظمين لتقسيم اللجنة لأنه لم يرد أن يجلس معنا ، هذا يوضح غياب الاحترام المتبادل والتسامح وهي نقطة ضعف في صلب مشكلات المنطقة". وما أن انتهى أيالون من كلمته ونزل ليجلس بين الحضور ، إلا وصعد الأمير تركي الفيصل لمنصة المؤتمر الصحفي ، ونفى بشدة ادعاءات أيالون ، موضحا أن وزير الخارجية التركي هو من رفض وجود أيالون إلى جانبه في المنصة ذاتها ، الأمر الذي دفع إدارة المؤتمر إلى إجراء الفصل لتناقش ذات القضية على مدار جلستين . وأضاف أنه ليس هو الذي اعترض وأن انقسام اللجنة كان على الأرجح بسبب سلوك أيالون الفظ مع سفير تركيا لدى إسرائيل ، وسرعان ما حاول أيالون إحراج الأمير تركي الفيصل وطالبه أمام الحضور بأن يتقدم لمصافحته إذا لم يكن فعلا وراء طلب فصل الجلسة المخصصة للحديث عن الأمن في الشرق الأوسط إلى جلستين ، وخاطبه قائلا :" إذا لم تأت إلي ، سأتوجه إليك "، ونهض أيالون من مكانه وصعد باتجاه المنصة التي يتواجد بها الأمير السعودي وقام بمصافحته وسط تصفيق الحضور . مؤتمر أنابوليس
وزير الخارجية السعودى الواقعة السابقة تؤكد أن إسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة للحصول على مزيد من التطبيع المجاني دون تقديم تنازلات تذكر ، إلا أن السعودية أحبطت مبكرا مثل هذا الأمر ، ولعل ما حدث في مؤتمر أنابوليس في 27 نوفمبر 2007 يدعم تلك الحقيقة . لقد ذهب العرب إلى المؤتمر وهم على وعي بما ترغب به إسرائيل وهو أن تسبق المصالحة العربية الشاملة معها احلال السلام في المنطقة إلا أنهم فاجأوا إسرائيل ولم تتسابق أيديهم لتصافح وتطبع بانتظار تحقيق نتائج ملموسة على الأرض ، وكانت السعودية كلمة السر فى هذا الشأن . فمشاركة الرياض كانت الأولى من نوعها في مؤتمرات "السلام" ، وراهنت إسرائيل حينها على احتمال قيام السعودية بتطبيع العلاقات معها بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إيهود أولمرت أن ثمة عناصر إيجابية فى المبادرة العربية التى صاغها عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز وأقرتها قمة بيروت العربية فى عام 2002 وتنص على التطبيع الكامل في حال انسحاب إسرائيل من كافة الأراضى العربية المحتلة فى عام 1967 . إلا أن السعودية وجهت ضربة قاصمة لمخطط إسرائيل فى هذا الشأن عندما أعلن وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل على هامش مؤتمر أنابوليس أنه يتوجب على الإسرائيليين البدء بمفاوضات جادة على المسار السورى واللبناني ، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لن يقبل إلا ما يقبل به الفلسطينيون . ولم يقتصر الأمر على هذا بل كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أيضا أن وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل ومساعده رفضا الاستماع لترجمة كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أثناء خطابه في المؤتمر كخطوة للتعبير عن رفض التعامل مع الإسرائيليين. وعلى غرار الموقف السعودى ، أعلن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة أنه رفض اقتراحا مقدما من وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفني لإقامة علاقات دبلوماسية مع بلاده ، موضحا أنه طلب من نظيرته الإسرائيلية انتظار تطبيق نتائج مؤتمر أنابوليس. وبسبب تلك المواقف ، عبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينئذ تسيبي ليفني عن غضبها نتيجة لشعورها بأنها منبوذة من قبل الوزراء العرب ، وقالت في خطابها أمام المشاركين في المؤتمر:" لماذا يرفضون مصافحتي؟.. لماذا لا أحد على استعداد لأن يكلمني بشكل علني؟" ، فيما أعلن وزير شئون أوروبا بالحكومة الهولندية فرانس تمرمانس أن ليفني طلبت من المشاركين في المؤتمر أن يتوقفوا عن التعامل معها كجرباء، مشيرا إلى أن الوزراء العرب ابتعدوا عنها كأنها "أخت التنين". وفى السياق ذاته ، ذكرت صحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية أن ليفني كانت مهتمة بالاجتماع مع عدد من ممثلى الدول العربية والإسلامية التى لاتقيم علاقات مع إسرائيل خلال مؤتمر أنابوليس إلا أنها فشلت فى هذا الأمر . ووفقا للصحيفة الإسرائيلية فإن أولمرت وليفنى فشلا فى فتح أفق للحوار كخطوة نحو العلاقات والتطبيع مع الدول العربية المشاركة في مؤتمر أنابوليس . وبجانب ما ذكرته الصحيفة الإسرائيلية ، فإن هناك عدة حقائق برزت في السنوات الأخيرة من أبرزها أنه رغم مسارعة بعض الدول العربية كقطر وموريتانيا والمغرب إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام إلا أنه اتضح لتلك الدول وغيرها فيما بعد أن إسرائيل لاترغب فى السلام الحقيقى وتهدف فقط للحصول على تنازلات مجانية ولذا حرص العرب وعلى رأسهم السعودية على الالتزام بموقف واحد وهو عدم إقامة علاقات مع إسرائيل إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل. وبالنظر إلى أن تطبيع العلاقات مازالت بطاقة المساومة الرئيسية التي يمتلكها العالم العربي ، فقد حال الموقف السعودى الرسمي دون جر بقية الدول الخليجية والعربية للتطبيع مع الكيان العبرى ، ويبدو أن واقعة ميونيخ ما هي إلا محاولة استعراضية من جانب أيالون للتغطية على فشل إسرائيل في جر السعودية للتطبيع ، بالإضافة إلى أن الأمير تركي الفيصل لا يحمل صفة رسمية في الوقت الحالي .